انقسم المصريون إزاء هزيمة فاروق حسني في انتخابات اليونسكو الأخيرة إلي فرق وشيع, التيار الكبير المحسوب علي النظام ومؤسساته اعتبر الهزيمة مؤامرة كبيرة موجهة ضد مصر من أمريكا وإسرائيل والغرب والصهيونية العالمية, وتمادي البعض في وصفها مؤامرة موجهة ضد الإسلام وضد حوار الحضارات!!… لدرجة اتهام بعضهم لأوباما بأنه خدع مصر في خطابه بجامعة القاهرة, لأنه لو كان جادا في عمل مصالحة مع العالم الإسلامي ما كانت دولته وقفت ضد فاروق حسني.
تيار ثان كبير أيضا في مصر يري أن فاروق حسني لا يستحق الفوز لأنه جزء من النظام المصري, وهؤلاء في الحقيقة هم المعارضون للنظام الحالي وشماتتهم في هزيمة فاروق حسني هي رسالة موجهة للنظام ورجاله ومنهم حسني.
تيار ثالث صغير يري أن حسني قام بعمل كبير في وزارة الثقافة لصالح الدولة المدنية رغم كبواته الكثيرة وأنه فنان له إسهامات مميزة في مجاله, ولكن انتخابات اليونسكو مثل أي انتخابات فيها الفائز والخاسر وهي طبيعة العملية التنافسية في كافة الديموقراطيات.
بعيدا عن رأي المصريين يبقي السؤال لماذا فشل فاروق حسني في معركة اليونسكو؟
فاروق حسني ليس مرشحا مستقلا كما كان إسماعيل سراج الدين في الانتخابات الماضية, فعلاوة علي صفته المصرية فهو مرشح النظام المصري أيضا, ومن خلال قراءتي لما تداول عن هذا الموضوع في الغرب يمكن تلخيص أسباب فشل فاروق حسني في أربعة أسباب رئيسية, ثلاثة منها تخص النظام الذي رشحه والسبب الرابع يعود إلي حسني نفسه.
أول هذه الأسباب الخوف من تكتل عربي وإسلامي آخر في اليونسكو يؤدي إلي عرقلة عمل هذه المؤسسة الثقافية العريقة وبناء تكتل عدائي بها ضد إسرائيل كما حدث في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف. تجربة مجلس حقوق الإنسان هي تجربة مهمة في توضيح عمل التكتلات الإسلامية من أجل تخريب معايير حقوق الإنسان الدولية , حيث تكتلت داخل المجلس دول منظمة المؤتمر الإسلامي مع الدول العربية وبعض الدول الأفريقية لتحويل المجلس إلي منصة للدفاع عن الإسلام والهجوم علي كل من يتعرض لأي انتهاكات يكون سببها القانون الإسلامي, وقد نجحت بالفعل في إصدار قرار عن المجلس ## بمنع إهانة الأديان## أو بمعتي أوضخ بمنع انتقاد الإسلام, وفي نفس الوقت العمل بصفة مستمرة علي تصدير قضية فلسطين والعداء لإسرائيل في المقدمة حتي ينشغل المجلس عن إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدول, وتحضرني مناقشات المجلس في يونية 2008 عن أوضاع المرأة في الدول الإسلامية ودور الشريعة في أوضاع المرأة وزواج الأطفال ورجم الزاني والزانية وقتها صاح مندوب مصر في المجلس وحذر من الحديث عن الشريعة قائلا إن الإسلام لن يهان في هذا المجلس. كما أن دول منظمة المؤتمر الإسلامي تعتمد نظام التصويت ككتلة واحدة في الصواب وفي الخطأ , وهو نظام أقرب إلي عمل النظام القبلي وليس الدول المحترمة التي تتباين توجهاتها بناء علي مصالحها والاختلافات السياسية بينها. ولقد تنبهت الدول الغربية لخطورة ما حدث في مجلس حقوق الإنسان وصدرت عدة تقارير تدين هذا السلوك المنافي لحقوق الإنسان والمخرب لعمل المنظمات الدولية , ولهذا انضمت أمريكا مؤخرا لعضوية المجلس في محاولة للسيطرة علي هذا الاتجاه, وكان هذا سببا كما ذكرت في محاولة تجنب أن يحدث هذا في اليونسكو, ففاروق حسني إذا جاء لن يمثل نفسه ولن يستطيع الانفصال عن مصالح النظام الذي رشحه ودعمه وأنفق عليه, والنظام مرتبط بمنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة الدول العربية, وبهذا تقع المنظمة الدولية تحت سيطرة هذه المجموعة كما حدث مع مجلس حقوق الإنسان من قبل.
وثاني الأسباب هو ما تداول في الصحافة الغربية عن دور فاروق حسني في التستر علي مختطفي الباخرة الإيطالية أكيلي لاورو في 4 أكتوبر 1985 عندما كان مديرا للأكاديمية المصرية في روما.ولمن لا يتذكر الحدث , فقد قامت مجموعة من الإرهابيين من أتباع أبو العباس الفلسطيني بخطف سفينة إيطالية في أكتوبر 1985 وعلي متنها 400 شخص في الوقت الذي كان قادة دول العالم مجتمعين في نيويورك للاحتفال بمرور 40 عاما علي إنشاء الأمم المتحدة.وقد سلم الخاطفون أنفسهم في بورسعيد بعد قتلهم لرهينة أمريكي مقعد عمره 70 عاما هو اليهودي ليون كلبنهومز.وحاولت مصر تهريب أبو العباس ورفاقه إلي تونس علي متن الطائرة المصرية بوينج 727, ولكن القوات الأمريكية اعترضتها في الجو وأجبرت الطائرة علي الهبوط بإيطاليا, والغريب أن نفس الطائرة تعرضت بعد ذلك لعملية ارهابية في مالطا في 23 نوفمبر 1985 وقتل علي أثر هذه العملية 7 ركاب واحد الإرهابيين, كما قبضت القوات الأمريكية علي أبو العباس في بغداد في 14 ابريل .2003 وقد أثر ما ذكرته الصحافة الغربية عن دور فاروق حسني في محاولة إخفاء أبو العباس ورفاقه في مقر الأكاديمية المصرية بروما علي فرصته أيضا في الفوز.
السبب الثالث وراء عدم تحمس الغرب لانتخاب حسني هو أنه يمثل نظاما لا يحترم حقوق الإنسان وينتهك حرية التعبير ويمارس سياسة القمع ولا توجد به ديموقراطية حقيقية ومحروم شعبه من انتخابات حرة ونزيهة, وفاروق حسني أحد موظفي هذا النظام وشريك بدوره في كل هذه الممارسات المنافية لحقوق الإنسان.
اما السبب الأخير المتعلق بشخصية فاروق حسني ذاته فهو دوره في معادة إسرائيل خلال وجوده في وزارة الثقافة المصرية لدرجة تهديده بحرق أي كتاب إسرائيلي في مصر وهي عبارة صادمة لا تصلح نهائيا أن يتلفظ بها شخص يريد أن يرأس منظمة تدافع عن السلام والرأي وقبول الآخر, ولا ينفع معها الاعتذار وخلافه. وكما يقول عبد المنعم سعيد ##ليس فقط أن فاروق حسني وقف ضد التطبيع وإنما لأنه لم يقم ثقافة سلام##.
كما أن دفاع حسني عن حرية الرأي في مصر لم يكن قويا ولا ثابتا وربما يعود ذلك إلي أنه يمثل سياسة حكومة تتلاعب بالدين من أجل كسب ثقة الشارع المصري, ولهذا كانت آراؤه متذبذبة وفقا للتعليمات التي يتلقاها من حكومته.
يقول علاء الأسواني عن فاروق حسني ## لديه قدرة مدهشة علي الدفاع عن الفكرة ونقيضها بنفس الحماس.. والأمثلة هنا بلا حصر, فهو قد دافع عن حرية التعبير في أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر. ولم يلبث بعد ذلك أن صادر بنفسه ثلاث روايات طبعتها وزارة الثقافة وأعفي المسئول عن نشرها من عمله, ثم أطلق تصريحات تهاجم الحجاب والمحجبات وسرعان ما تراجع عنها أمام مجلس الشعب.. وعندما قابل الوزير نوابا من الإخوان المسلمين قال لهم تصريحه الشهير الذي تعهد فيه بحرق الكتب الإسرائيلية.. ثم عاد بعد ذلك واعتذر عن التصريح في مقال نشره في جريدة لوموند##.
وهذا يعني أن حسني غير مؤمن بشكل كاف بحرية الرأي بدرجة تجعله يدافع ويقاتل من أجل قناعاته… هو موظف يقول الرأي ونقيضه وفقا للتعليمات التي تصله.
نعم وقفت أمريكا ضد ترشيحه ومعها الكثير من الدول الأوربية من أجل الأسباب السابقة وللحفاظ علي دور منظمة اليونسكو, ولهذه الأسباب أيضا وقف الكثير من المثقفين في الغرب ضد ترشيحه بعضهم بسبب يهوديته مثل الحاصل علي جائزة نوبل للسلام إيلي فيزيل والناجي من المحرقة اليهودية وحتي بعض المصريين في الغرب مثل مني الطحاوي التي كتبت مقالة في الواشنطن بوست بعنوان ## حارق الكتب مرشحا لليونسكو##.
هذه هي ببساطة الأسباب التي أعلنت في الغرب وليس وراءها مؤامرة ولا يحزنون, ولكن تربيطات انتخابية عادية من أجل منع مرشح يرونه غير مناسب لرئاسة منظمة دولية عريقة.
[email protected]