تحتفل الكنيسة القبطية لهذا العام في الثاني عشر من شهر سبتمبر بعيد رأس السنة القبطية (عيد النيروز), والنيروز كلمة فارسية استخدمها الفرس عندما دخلوا بلادنا وأرادوا أن يحتفظوا بالتقويم المصري القديم, وأطلقوا لفظ (ني روز) علي أول يوم من التقويم ومعناها (اليوم الجديد), وكان هذا اليوم عند الفراعنة هو تاج الأعياد لأنه يرتبط بحياة مصر الزراعية وكانوا يحتفلون به احتفالا رائعا باعتباره عيد الفيضان الذي يحيي أرض مصر, واستمر أجدادنا المصريون القدامي يحيون هذا العيد حتي عهد الأمبراطور الروماني دقلديانوس الذي تولي الحكم سنة 284م, وفي ذلك العهد ذاق الأقباط ألوانا مختلفة من التعذيب, وذبح منهم أعداد كبيرة قدرت بنحو 840 ألف نسمة, ومن هنا فكر أجدادنا أن يجعلوا رأس سنتهم الزراعية رأسا لتقويم جديد أسموه (تقويم الشهداء) أو التقويم القبطي, فقد دفعتهم هذه الظروف المريرة أن يستبدلوا بذكري فيضان النيل ذكري فيضان دماء الشهداء الغزيرة, وفي الثاني عشر من شهر سبتمبر لعام 2011م يبدأ العام القبطي الجديد 1728ش, وهو يوافق اليوم الأول من شهر (توت) وهو (أول شهور السنة القبطية), نسبة إلي العلامة الفلكي الذي وضع التقويم المصري القديم واخترع الأحرف, وقد ولد توت في قرية منتوت التي ما تزال موجودة وتتبع مركز أبو قرقاص محافظة المنيا بصعيد مصر بنفس اسمها القديم.
نشأة التقويم القبطي
كانت بداية نشأة التقويم المصري القبطي في سنة 4241 قبل الميلاد أي في القرن الثالث والأربعين قبل الميلاد, عندما رصد المصريون القدماء نجم الشعري اليمانية وحسبوا الفترة بين ظهوره مرتين, وقسموها إلي ثلاثة فصول كبيرة (الفيضان والبذار والحصاد), ثم إلي اثني عشر شهر, كل شهر منها ثلاثون يوما وأضافوا المدة الباقية وهي خمسة أيام وربع وجعلوها شهرا أسموه بالشهر الصغير, وصارت السنة القبطية 365 يوما في السنة البسيطة و 366 يوما في السنة الكبيسة, وقد احترم الفلاح المصري هذا التقويم نظرا لمطابقته للمواسم الزراعية ولا يزال يتبعه إلي اليوم.
الشهور القبطية
لم يطلق القدماء المصريون علي شهورهم في بادئ الأمر أسماء بل اكتفوا بالقول في الشهر الأول ثم الثاني… وهكذا, ولكن في عهد الفرس أيام الأسرة السادسة والعشرين وفي القرن السادس قبل الميلاد أطلقوا علي كل شهر اسم معبود من معبوداتهم وربطوا كل شهر بمثل شعبي يميز مناسبة معينة علي النحو التالي:
توت: مشتق من اسم الإله (تحوت) إله المعارف ومخترع الكتابة, وفي هذا الشهر كان يعم ماء النيل أراضي مصر وتطلق التقاوي من الغلال لزراعة الأراضي, وفيه توجد أنواع متعددة من المحاصيل مثل الرمان والزيتون والقطن والسفرجل, ويقولون في الأمثال (ازرع ولا أفوت).
* بابة: وهو مشتق من اسم الإله (بي تبدت) إله الزرع وفيه يخضر وجه الأرض بالمزروعات, ومن محاصيل هذا الشهر التمر والزبيب والقلقاس, ويقولون في الأمثال (إن صح زرع بابة غلب القوم النهابة).
* هاتور: وهو مشتق من اسم الإله (أثور) إله الحب والجمال, وفي هذا الشهر يتجمل وجه الأرض بجمال الزراعة لذلك يقولون (هاتور أبو الذهب المنثور).
* كيهك: وهو مخصص للمعبود (كاهاكا) أي عجل أبيس المقدس, وفي هذا الشهر يزرع الخيار بعد إغراق أرضه, وفيه يتكامل بذر القمح والشعير والبرسيم, ويقولون في الأمثال (كيهك صباحك مساك تقوم من فطورك تحضر عشاك).
* طوبة: وهو مخصص للمعبود (أمسو) ويسمي أيضا خم وهو شكل من أشكال آمون رع إله طيبة بمصر العليا أو إله نمو الطبيعة, وفي هذا الشهر تسقي أراضي القلقاس والقصب, ويظهر الفول الأخضر والنبق, وفي الأمثال يقولون (طوبة تخلي الصبية كركوبة من البرد والرطوبة).
* أمشير: وهو مأخوذ من إله (الزوابع), ويقولون في الأمثال (أمشير أبو الطبل الكبير والزعابيب والعواصف الكتير).
* برمهات: وينسب إلي (بامونت) إله الحرارة, وفي هذا الشهر تزهر الأشجار ويكون اللبن الرائب أطيب شهور السنة, ويقال في الأمثال (برمهات روح الغيط وهات).
* برمودة: وهو مخصص للإله (رينو) أو إله الرياح القارسة أو إله الموت ويصور بصورة أفعي, وفي هذا الشهر يكثر الورد ويزرع الخيار والملوخية ويقطف أوائل عسل النحل, ويقولون في الأمثال (في برمودة دق بالعامودة).
* بشنس: وهو مخصص للإله (خنسو) إله القمر وفي هذا الشهر يبدأ ظهور البطيخ والمشمش والخوخ ويجني الورد الأبيض ويقولون في الأمثال (بشنس يكنس الغيط كنس).
* بؤونة: وينسب إلي الإله (خنتي) إله المعادن, وفي هذا الشهر يكثر ظهور الخوخ والمشمش ويطيب التوت الأسود, ويقولون (بؤونة تكثر فيها الحرارة الملعونة).
* أبيب: وهو ينسب إلي (هوبا) إله الفرح أو (هابي) إله النيل, وفي هذا الشهر يكثر العنب ويطيب التين وتكثر الكمثري ويقطف بقايا عسل النحل, ويقولون (أبيب طباخ العنب والزبيب).
* مسري: معناها ابن الشمس لأنه مخصص لولادة الشمس, وفي هذا الشهر يدرك الموز والليمون التفاحي والرومان, ويقولون في الأمثال (مسري تجري فيها كل ترعة عسرة).
الجدير بالذكر أنه لازم الاحتفال بعيد النبروز بعض العادات والتي كانت تمارس من قبل الشعب كنوع من الاحتفاء به ومازال بعض هذه العادات موجودة حتي الآن وهي:
- الاستحمام في النيل صباح عيد النيروز وهو يشير إلي الاغتسال من خطايا العام الماضي, وقد جاء في كتاب السنكسار أنه في هذا اليوم (أول توت) استحم أيوب الصديق بالماء, فبرئ من أوجاعه فصارت عادة مستمرة مع العام الجديد أن يستحم بعض الناس ليتباركوا بالماء في هذه المناسبة.
- ارتداء الملابس الجديدة وهي تشير إلي تجديد النيات الصادقة والعزم علي## عمل كل ما هو صالح.
- في صباح عيد النيروز تأكل الأسر خبزا خاصا في مجردا من الخمر, ويرمز إلي وجوب العيش بلا خبث أو رياء.
- كان وجهاء الشعب يأكلون خبزا يتكون من سائر الحبوب التي تنبت في مصر مخلوطا بعضها ببعض مع الملح, ويشير إلي عهد يتجدد سنويا بين الحكام والرعايا.
- كان من عادة الحكام والأمراء والكهنة أن يزوروا حقل النيروز من منتوت إلي الأشمونيين حاملين أغصان النخيل وثماره.
ومن أشهر أنواع الفاكهة المرتبطة بعيد النيروز البلح والجوافة وذلك لاعتبارات رمزية حيث يرمز البلح الأحمر إلي دم الشهداء, رقلبه الأبيض يدل علي نقاء سيرتهم, أما نواته البيضاء فصلبة لا تنكسر رمزا إلي صمودهم رغم العذاب, والأمر نفسه تقريبا مع الجوافة التي يكون قلبها أبيض وبذورها كثيرة مثل عدد المسيحيين الشهداء.
وذكر أن المقريزي وصف الاحتفال بالنيروز بأنه جملة من المواسم تتعطل فيه الأسواق ويقل فيه سعي الناس في الطرقات, وتوزع فيه الكسوة لرجال الدولة وأولادهم ونسائهم, وقد استمر عيد النيروز عيدا وطنيا إلي أن صدر قرار في عام 1962م بإلغاء عطلة النيروز وعدم الاحتفال به كعيد وطني, والذي نأمل أن يعود عيدا وطنيا لما يحمله من مشاعر طيبة وجميلة توحد جميع القلوب علي أرض الوطن بصرف النظر عما يعتقدون من عقائد.
المراجع:- 1- الأسقف ايسيذورس- الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة 1964
2- زكي شنودة- موسوعة تاريخ الأقباط 1964
وفي عيد النيروز نذكر جميع الشهداء بكل إعزاز وتقدير… ومن أشهر الشهداء العظيم مارجرجس… وما مر به من عذابات عديدة ومختلفة علي يدي الأمبراطور دقلديانوس… وأخيرا استشهد عام 307م… وتحتفل له وبه الكنيسة في 23 برمودة من كل عام قبطي.
وأيقونة الشهيد العظيم مارجرجس المرفقة بالمقال من أعمال فنان المنيا الكبير يوسف جرجس عياد الذي رسم مارجرجس في وسط الأيقونة… وصمم حولها أجزاء رسم فيها عذاباته… والفنان اتبع هذا النظام في الكنائس اليوغوسلافية والصربية واليونانية… حيث إن الأيقونات المرسومة للشهيد مارجرجس تعد لوحة مقروءة أو سنكسارا له… تبرز مدي حبه للرب يسوع وتمسكه بالإيمان المسيحي… والاستشهاد من أجله.