نتأمل في هذا العيد المبارك عمل الله العجيب من أجل خلاص الجنس البشري بعد سقوط آدم وحواء في المعصية,وأصبح الإنسان يعيش بدون سلام وهو في مشقة… وتعب.. وعنف… وقتل… وكذب… ونفاق… وصارت البشرية في يأس واكتئاب.
ورأي الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض,وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هي شر كل يوم وفسدت الأرض,وأن كل بشر قد أفسد طريقة علي الأرض…
وعبد الإنسان الأوثان وترك الخالق الحقيقي وجلب الإنسان علي نفسه الفساد والموت الأبدي وهذه هي القضية التي علي الإنسان.. الفساد… والموت الأبدي لأن كل ما هو شر فهو عدم وكل ما هو خير فهو كائن وموجود.
وما كان يرضي العفو الإلهي,ليترك الإنسان الذي خلقه في شقاوته وتعاسته,وأعد الله خطة لخلاص آدم وبنيه تأكيدا للحب وتحقيقا للعدل الإلهي.
وكان التجسد الإلهي
كلمة الله اتخذ جسد إنسان من العذراء مريم ليعد للإنسان مدخلا وطريقا للخلاص, والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعما وحقا (يو1:14).
وهذا هو سر تجسد الكلمة..
إن الله أعد هذا ليعيد الإنسان إلي صورته الأولي التي فقدها في التعدي علي الوصية الإلهية,وفتح به باب المصالحة تأكيدا للحب الإلهي للإنسان,لأنه حينما تجسد السيد المسيح له المجد,كان هدفه الفداء ليرفع الإنسان فوق الذل والمهانة وعبودية الخطية.
ورسالة السيد المسيح له المجد
رسالة الحب والسلام…لكل البشرية
ويقول القديس كيرلس عن التجسد الإلهي: هو ابن بالطبيعة وليس بالتبني,مولود من الآب وكل من يحب الوالد يحب المولود منه,وحينما تسمع عن الله الوالد لا تفكر في أمور جسديه ليس في توالد بشري فاسد.
الله روح,نسبه روحي,لأن الأجساد تلد أجسادا,وولادة الأجساد تحتاج إلي زمان,أما ولادة الابن المتجسد لم يدخل فيها زمن,هي ولادة روحية منسوبه لله وحده,وأن كلمة الله لا يمكن أن تموت,لأن بطبيعته الإلهية غير مائت لأنه ابن الآب,ولهذا أخذ لنفسه جسدا قابلا للموت.
يكون جديرا أن يموت نيابة عن الكل والجميع يتحرر من الفساد,وليوفي الدين بموته,وهنا اتخذ ابن الله عديم الفساد الجميع بطبيعة مماثلة,فقد ألبس الجميع عدم الفساد بطبيعة الحال بوعد القيامة من الأموات,وإن لم يكن التجسد لهلك الجنس البشري.
وبمجئ السيد المسيح كلمة الله المتجسد,عاد السلام علي الأرض مرة أخري,وتري كيف عم السلام علي البشرية,منذ بشارة السيدة العذراء بالميلاد المجيد.
أولا: حينما أرسل جبرائيل الملاك إلي العذراء في الناصرة كانت البشارة تبدأ بالسلام,فقد أعطي الملاك السيدة العذراء سلاما…وتحية خاصة وقال:
سلام لك…يا ممتلئة نعمة الرب معك…مباركة أنت في النساء لو1:28
فاضطربت مريم ما عسي هذه التحية وأزال الملاك عنها الخوف والاضطراب وعدم المعرفة,وقال لها لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله لو1:30.
وبعد هذا السلام الذي دخل قلب السيدة العذاء دخل قلب السيدة العذراء أخذت تتحاور مع الملاك,وقالت: كيف لي كيف يكون لي هذا.
وهذا هو السلام الأولي الذي منحه الله لجنس البشرية
مرة أخري
السلام الذي أعطي لأليصابات حينما حل السلام علي العذراء ملاك البشارة المفرح كان واضحا عندما تقابلت مع أليصابات,وامتلأت أليصابات من الروح القدس وقالت: فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني (لو1:44).
وهنا نجد أن صوت سلام العذراء الذي أخذته,بدأ يشعر به يوحنا المعمدان وهو في بطن أمه وامتلأ بالسلام والبهجة.
وأيضا أعطي السلام للرعاة الساهرين علي رعيتهم,لأنه حينما ظهر الملاك للرعاة,ومجد الرب أضاء حولهم,وأعلم الملاك الرعاة بالميلاد المجيد.
يقول الكتاب,فخاف الرعاة خوفا عظيما,ولكن رسالة مولود بيت لحم رسالة سلام.
فقد أزال من الرعاة هذا الخوف وحل محله السلام والفرح,وقال لهم الملاك لاتخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب.
إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب (لو2:10-11).
لأن يوم ميلاد المسيح…يوم سلام…يوم فرح…يوم تهليل الملائكة…يوم المسرة…يوم مصالحة والتحام السمائيين مع الأرضيين في نشيد الحب والسلام.
المجد لله في الأعالي…وعلي الأرض السلام…وفي الناس المسرة.
حينما ولد السيد المسيح له المجد
أعطي سلاما خاصا لسمعان الشيخ الذي ظلت حياته معلقة لا يري الموت قبل أن يعاين المسيح الرب.لأنه حينما كان يترجم التوراة رفض أن يكتب كلمة عذراء تحبل وتلد خوفا من الملك,فكتب بدلا منها فتاة تحبل وتلد,فظهر له الملاك وقال له لن تري الموت قبل أن تعاين الرب يسوع المسيح,ويقول الكتاب: هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت1:23).
فأتي بالروح إلي الهيكل وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس.أخذه علي ذراعيه وبارك الله وقال الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام (لو2:27-29).
فانطلق الشيخ بسلام الذي كان منتظره منذ مئات السنين.
رسالة السيد المسيح له المجد علي الأرض مملوءة سلام,كان يجول يصنع خيرا ليبهج قلب الإنسان: يغفر الخطايا… يشفي الأمراض… طهر الأبرص… شفي غلام قائد المائة… شفي حماة… سمعان شفي المفلوج المطروح علي الفراش منذ زمن طويل وقال له مغفورة لك خطاياك…
وكان يقيم الموتي… أقام ابنة الأرملة بنايين…. وأقام ابنة يايرس..
كان يأمر الطبيعة فتطيعه,فحينما كان في السفينة مع التلاميذ وحدث اضطراب عظيم في البحر,انتهر الرياح فصار هدوء عظيم وحل السلام علي السفينة بدل الاضطراب.
وكان يعلم الشعب الفضيلة…كان يعلمهم تعاليم لم يسمعوها من قبل.وكان السيد المسيح يشفق علي الذين عليهم أرواح نجسه,ويخرج منهم الشياطين ليستريحوا,وقد فتح أعين العميان…
هكذا السيد المسيح له المجد أظهر رسالته للبشرية في الحب والسلام.
وحينما اختار السيد المسيح تلاميذه,أعطاهم سلام بأن لا يهتموا بما يتكلمون,لأنه هو الذي يعطيهم الفم المتكلم,وعلمهم المنهج الصحيح الذي يبشرون ويكرزون به وهو صنع السلام وكان السيد المسيح يدعو الجميع إلي الراحة فيه,وكان يقول: تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم (مت11:28)
السيد المسيح له المجد حتي في وقت صلبه,صالح الملوك والرؤساء,صالح بيلاطس,وهيرودس.
ويقول الكتاب فصار بيلاطس,وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم,لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما (لو23:12).
وهكذا كل مكان ذهب إليه السيد المسيح له المجد كان يحل فيه السلام لأنه هو نبع السلام. وعمق السلام الذي صنعه السيد المسيح له المجد بتجسده…صالح السمائيين مع الأرضيين وفي العدل الإلهي حققه بموته علي الصليب.
وعاد الإنسان الذي فسد بالخطيئة إلي رتبته الأولي,ويقول القديس أثناسيوس الرسولي,وهنا لا يستطيع أحد أن يهب عدم الفساد إلا الخالق…ولن يستطيع أحد أن يرد مثال الله إلا صورته…ولا أحد أن يحيي إلا رب الحياة…ولن يستطيع أحد أن يعلم إلا الكلمة…
لكي يفي دين الموت الذي علينا,كان لابد أن يموت عنا أيضا ويقوم ثانية كباكورة لنا من بين الأموات,إذن كان يجب أن يكون جسده قابلا للموت,وفي نفس الوقت غير فاسد من حيث طبيعته الإلهية,وهذا هو سر تجسد كلمة الله.
وبالإجماع عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد (1تي3:16)
وبعد قيامته المقدسة وظهر لتلاميذه مؤكدا رسالة السلام.
فيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم (لو24:36).
وقال لهم أيضا سلاما أترك لكم سلامي أنا أعطيكم (يو14:27).
وظل الإله المتجسد نبع السلام يعطي البشرية السلام ويقول نعمة ورحمة وسلام من الله الآب,ومن الرب يسوع المسيح ابن الآب بالحق والمحبة (2يوحنا1:3).
ويشرح لنا الملكوت السمائي في سفر الرؤيا ويقول: لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا بل هو… بر وسلام… وفرح في الروح القدس
هذه هي رسالة التجسد المملوءة حب وسلام لكل البشرية
الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون (1تي2:4)
نطلب من الله القدير المانح العطايا أن يحل علينا ببركات الميلاد المجيد المملوء سلام.
ونطلب من مولود بيت لحم أن يملأ كل فرد,وكل أسرة بالسلام.
وأن يعطي راحة للنفوس المتعبة بفيض السلام,وأن يملأ السلام كل بقاع الأرض.
وأن يعم السلام في بلادنا مصر الغالية,وفي الشرق الأوسط والبلدان المجاورة.
ولنعكف إذا علي ما هو للسلام وما هو للبنيان بعضا لبعض وننشد جميعا نشيد الحب والسلام.
المجد لله في الأعالي…وعلي الأرض السلام…وفي الناس المسرة
مطران كرسي الجيزة وتوابعها