في الحادي والعشرين من شهر بؤونة القبطي يحتفل الأقباط بعيد من أعياد العذراء مريم, يسمي بعيد (العذراء حالة الحديد), وفي صعيد مصر, وخصوصا في دير العذراء بالمحرق, له احتفالات كبري يقصد إليها عشرات الألوف من المسيحيين والمسلمين, تمتد من اليوم العشرين إلي الثامن والعشرين من يونية (= 21من بؤونة). وللعذراء القديسة مريم سبعة أعياد, نذكرها فيما يلي:
1- عيد البشارة بالعذراء, أي بشري الملاك جبرائيل لوالدها يواقيم بحبل أمها (حنة) بها.ويقع هذا العيد في 7 من شهر مسري القبطي (= 13 من أغسطس- آب).
2- عيد ميلاد العذراء مريم من أبويها يواقيم وحنة, في مدينة الناصرة, ويقع اليوم الأول من شهر بشنس (= 9 من مايو- آيار).
3- عيد دخول العذراء مريم إلي الهيكل, وهي في الثالثة من عمرهاا, لتكون بين النذيرين والنذيرات, ويقع في الثالث من شهر كيهك (= 12 من ديسمبر- كانون أول).
4- عيد نياحة العذراء مريم, أو وفاتها وانتقالها من العالم الحاضر بعد رحلة حياتها علي الأرض, ويقع في اليوم 21 من شهر طوبة (= 29 من يناير- كانون ثان).
5- عيد صعود جسد العذراء محمولا علي أجنحة الملائكة. ومع أن صعود جسدها تم في اليوم الثالث لوفاتها أي في يوم 24 من طوبة, لكن الكنيسة تحتفل به في يوم 16 من مسري (= 22 من أغسطس- آب), وهو ختام الصوم المعروف بـ (صوم العذراء) وهو اليوم الذي بر فيه المسيح له المجد بوعده إلي الرسل القديسين, بأن أراهم جسد العذراء, لأنهم لم يكونوا قد رأوه بعيونهم يوم صعوده علي أجنحة الملائكة, وإنما الذي كان قد رآه القديس توما الرسول وحده.
6- عيد العذراء حالة الحديد, ويقع في اليوم 21 من شهر بؤونة (= 28 من يونية- حزيران). وقد تم فيه إنقاذ القديس متياس الرسول من السجن في مدينة برطس, وذلك بصلاة العذراء مريم, التي بلغ من قوتها واقتدارها وفعالياتها أنه بها ذاب الحديد في كل المدينة وانقلب سائلا كالماء, فسقطت السلاسل والأغلال وكل القيود والأقفال, واستحالت سائلا, فخرج جميع المسجونين ومن بينهم القديس متياس الرسول.
7- عيد ظهور العذراء في الزيتون- بالقاهرة- ويقع في 24 من برمهات (= 2 من أبريل- نيسان). وقد أضافت الكنيسة هذا العيد رسميا, وسجل في السنكسار تاريخ هذا الحدث الجليل, في حياتنا وفي حياة الكنيسة وفي حياة الشرق الأوسط, إننا تشرفنا بهذا الظهور العظيم, الذي لابد أن يكون بشيرا أو نذيرا لأحداث هامة خطيرة تقع أو سوف تقع في الشرق الأوسط وفي العالم بأثره.
لماذا كان يوم 21 من بؤونة عيدا؟
يروي القديس كيرلس أسقف وبطريرك أورشليم (315- 386)م, من الآباء الكبار في القرن الرابع قصة ما وجده في مكتبة الكنيسة الأولي في أورشليم وهي المعروفة بـ (علية صهيون) وهي أيضا (بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس) (أعمال 12:12)الذي اجتمع فيه المسيح له المجد مرارا مع تلاميذه, وفيها أكل الفصح معهم, وفيها غسل أرجلهم, وفيها سلم إليهم سر المائدة المقدسة, وفيها أقام التلاميذ بعد صلب سيدهم, وفيها ظهر لهم بعد قيامته المجيدة مرات, وفيها أقاموا بعد صعوده الإلهي إلي السماء صائمين مصلين إلي أن حل الروح القدس عليهم من السماء (مرقس 14:15), (لوقا 22:12), (يوحنا 13: 4-38), (19:20- 29), (لوقا 24: 33-49), (أعمال الرسل 1:13- 26), (2:1- 4).
ذلك أن اليهود أساءوا معاملة العذراء مريم, واضطهدوها, وأهانوها. ولقد كانت تمضي إلي قبر المسيح, ومعها صاحباتها من عذاري جبل الزيتون ممن اتخذن العذراء مريم رائدة لهن, يصلين ويرتلن معها التراتيل الدينية, وقد كان كل هذا مما لم يرض عنه قادة اليهود, فقرر الكهنة ورؤساء الكهنة أن يطردوا العذراء مريم من أورشليم, وأن ينفوها إلي إحدي البراري البعيدة… وبينما هي في حيرة من أمرها إذا -بالمسيح له المجد يظهر لها ويطمئنها ويعزيها, ويعلن لها أن القديس متياس الرسول الذي كان أحد الرسل السبعين ثم ضم إلي الاثني عشر بعد القيامة المجيدة بدلا من يهوذا الإسخريوطي (أعمال 1: 23- 26), صار يكرز بالإنجيل في مدينة (برطس) وتوابعها, وهو الآن في حاجة إليها هناك لتصلي عنه وتنقذه من السجن, وتكون واسطة لهداية ملك المدينة وأهلها إلي الإيمان بالمسيح, ونبذ عبادة الأوثان… ففرحت العذراء بذلك, فأعد لها المسيح له المجد سحابة نورانية حملتها إلي مدينة (برطس) حيث القديس متياس يوجد سجينا, وألقت بها السحابة في مكان بالمدينة المذكورة, فرأت امرأة عجوزا علمت منها بأن القديس متياس كرز بالإنجيل في المدينة, وأجري الله علي يديه معجزات كثيرة, فآمن بالمسيح عدد من الأهالي, فاستشاط الملك غضبا وأمر بأن يعتقلوا متياس ويسجنوه, وأن يعتقلوا معه ويسجنوا من آمن بدعوته وانحاز إلي ديانته. وقالت المرأة العجوز للعذراء مريم إنها حزينة لما حدث, وكانت ترجو لولدها أن يتم شفاؤه علي يدي القديس متياس, فطمأنتها العذراء بأن ولدها سيشفي بقوة الرب يسوع المسيح. فلما سمعت العجوز اسم المسيح نصحت العذراء مريم أن تخفض صوتها ولا تنطق بهذا الاسم في العلن لأن ذكر هذا الاسم ممنوع بأمر ملك البلاد.
الحديد يذوب بصلاة مريم
فأجابت العذراء قائلة: من هذا الذي يستطيع أن يخفي هذا الاسم العظيم؟ إن كان أحد يظن أن يقدر علي أن يطفئ نور الشمس, لن يمكنه أن يهزم قدرة المسيح واسمه ذا الجلال… وقالت العذراء للعجوز أن تأتي إليها بابنها, غير أن العجوز طلبت إلي مريم أن تتفضل بزيارتها لتحل بركتها في بيتها, وبمجرد أن وطئت أقدام العذراء بيت العجوز صرخ الشيطان الذي كان يسكن الولد المريض, وولي هاربا, فشفي الصبي, وفرحت العجوز فرحا عظيما… ثم دعتها العذراء مريم أن تصحبها إلي حيث السجن الذي يقيم فيه القديس متياس الرسول ومن آمنوا بالمسيح بكرازته. وهناك صلت العذراء مريم صلاتها الشهيرة القوية الحارة بدموع وبحرارة وبدالة… وفي تقليدنا أن هذه الصلاة علمها إياها سيدنا يسوع المسيح نفسه فذاب الحديد الصلب وكل ماهو من معدن الحديد والصلب والنحاس, وبكل معني الإذابة حرفيا, واستحال سائلا وانسكب علي الأرض كالماء… ذابت المتاريس والأقفال وسائر الأسلحة والآلات الحديدية..بل أيضا ذابت القضبان الحديدية في السجن, وخارج السجن, والسلاسل المقيد بها المسجونون… في كل المدينة بطولها وعرضها… ذابت لجم الخيل وركابات الخيل, وذابت كالماء كل الآلات التي يستخدمها أرباب الحرف المختلفة… أدوات الحلاقين, والنجارين والحدادين… والسواقي وذاب كل حديد وتحول إلي سائل…
وكان نتيجة لهذا الحدث الجليل الذي تأثر به جميع الناس في المدينة من غير استثناء… الكبار والصغار… الأغنياء والفقراء علي السواء… أن حدث انبهار شديد وذهول عظيم… فتساءلوا عن سر هذه الظاهرة الفريدة فعلموا أن صلاة العذراء مريم السيدة الغريبة التي دخلت مدينتهم كانت من القوة والفعالية بحيث ذاب لها الحديد, فخرج السجناء من السجن وأطلق سراحهم… وبالتالي إذ عرفوا السبب آمنوا بالمسيح. حتي ملك البلاد آمن هو أيضا بالمسيح, وطلبت العذراء من القديس متياس أن يقوم بتعميد المؤمنين فعمدهم… ثم أنشأ القديس متياس الرسول في المدينة أول كنيسة باسم العذراء مريم ودشنت في 21 من بؤونة لذلك صار من تقليد الكنيسة أن تبني الكنائس وتدشن في ذلك اليوم, ورسم لها قسوسا وشمامسة وعلمهم حقائق الإيمان وسلمهم مراسم العبادة والقداس الإلهي وسائر الطقوس والمباشرات الكنسية.
وإذا كانت صلاة العذراء تذيب الحديد المادي, فمعني ذلك أن للعذراء دالة كبيرة عن الله وصلواتها ذات فعاليات, وإذا كان الكتاب المقدس يقول صلاة البار تقتدر كثيرا في فعلها فكم بالحري صلوات العذراء مريم الملكة أم الملك, وإذا كان المسيح يقول إن من أحب كثيرا يغفر له كثيرا فمن أحب المسيح أكثر من العذراء مريم؟ لا يوجد كائن بين البشر له هذه الدالة.
وبعد أن تحقق كل هذا بصلاة مريم العذراء, صلت العذراء مريم مرة أخري… وطلبت من سيدها وابنها أن يعود كل ما كان قد ذاب من الحديد والصلب إلي طبيعته الأولي كما كان… وقد صار… فازداد ذهول الناس وانبهارهم بالمعجزة, وتحققوا من صحة الإيمان المسيحي الذي تأكد بالعجزات وتبينوا مكانة العذراء مريم, ودالتها عند الله, وفعاليات صلواتها التي لها قوة عظيمة في فعلها (يعقوب 5: 16).
وبعد أن أتمت العذراء مريم مهمتها بسلام ونجاح, ظهرت لها حمامة أعلمتها بأن المؤامرة التي دبرها قادة اليهود لنفيها قد أحبطت, وأنه يمكنها أن تعود إلي أورشليم, فإن عذاري جبل الزيتون في حزن علي فراقها, وأنهن في حاجة إلي حكمتها وقيادتها وإرشادها لهن, فقررت أن تعود, وعندئذ ذهبت وودعت القديس متياس الرسول وشجعته علي المضي في تعليم الشعب وإرشادهم ومواصلة عمله الكرازي, وتقوية المؤمنين بالمسيح, ودعم حياتهم الروحية, وودعت الملك وسائر المؤمنين وداعا روحيا, ونصحتهم بنصائحها الروحية, فصاحوا بالإيمان مهللين. أما هي فقد حملتها سحابة نوارنية إلي أورشليم, إلي حيث التقت مرة أخري بعذاري جبل الزيتون, ففرحن بعودتها إليهن, وتباركن بها.
المغزي من هذا العيد
إن المغزي من إقامة هذ العيد, هو بيان فعاليات الصلاة, وأنها تصنع المعجزات, وتعمل العجائب والآيات والقوات…
بيد أنه ليس كل من يصلي تكون صلاته مستجابة…. لأن (ذبيحة الأشرار مكرهة الرب. أما صلاة المستقيمين فمرضاته) (الأمثال 15:8), وصلاة الشرير مكرهة (الأمثال 28:9), (21:27), بل (وصلاته خطيئة) (مزمور 108:7), أما صلوات الأبرار (فلها قوة عظيمة في فعلها) (يعقوب 5: 16), (الرب بعيد عن الأشرار, ويسمع صلاة الصديقين) (الأمثال 15:29), (إن الله لا يسمع للخطاة: وأما الذي يتقي الله ويعمل بمشيئته فإن الله يسمع له) (يوحنا 9:31), انظر أيضا (التكوين 20:17), (العدد 11:2), (التثنية 9:18- 20), (يشوع10:12), (1. صموئيل12:18), (1.الملوك13:6), (2. الملوك4:33), (19:15, 20), (20:2, 4), (مزمور 10:17), (33:15), (144:18), (1. يوحنا 3:22).