هذا يوم عظيم مبارك.هو أحد الشعانين أو أحد السعف,وهو أحد أعيادنا السبعة الكبري,دخل فيه السيد المسيح أورشليم معلنا ذاته ملكا روحانيا لمن يؤمنون به,ويرتضون الانضمام إلي مملكته المقدسة.
في نهر الأردن,قبل المسيح ناسوتيا وظيفة ملك:
إيماننا في مخلصنا يسوع المسيح أنه الله الكلمة(يو1:1)الذي نزل من السماء(يو6:41)ولبس صورة الناس,فكان هو الإله المتجسد(يو1:14).الله المتأنس,اللاهوت المتحد بالناسوت.
وفي نهر الأردن عندما قبل السيد المسيح العماد من يوحنا المعمدان وكان قد بلغ الثلاثين من عمره(لو3:23),وهي السن التي يصير فيها اكتمال الرجولة,وأكتمال الناسوت-في يوم العماد,وبعد أن صعد من الماء نزل عليه الروح القدس(متي3:16),(مرقس1:10)فنال بعد العماد مسحة الروح القدس,وبهذه المسحة صار يسوع يعرف باسمالمسيحأي الممسوح بالروح القدس.
وبمسحة الروح أيضا قبل المسيح ناسوتيا هبات الروح القدس,وصار يسوع بحق هذه المسحة نبيا وكاهنا وملكا وهي ثلاث الوظائف التي كانت تنال بمسحة العهد القديم,فكان من يسكب علي رأسه دهن المسحة (الخروج29:7),(.1صموئيل10:1),(6:10),(16:13,12,1).قديما يصير معينا بالمسحة نبيا أو ملكا أو كاهنا.وكذلك,وبالمعني الأعمق والأشمل صار يسوع بحلول الروح القدس علي رأسه في نهر الأردن هوالمسيحوتعين في الجسد مسيح لله,وصار حاملا لوظائف النبوة والملك والكهنوت.
مملكته ليست من هذا العالم:
ولإن صار يسوع في نهر الأردن,وبعد المعمودية مباشرة,وبعد نزول الروح القدس عليه,المسيح الملك,لكنه لم يشأ أن يعلن ذاته في ذلك اليوم ملكا,ولم يمارس عمله كملك,بل إنه عندما صنع معجزة إشباع الجموع من الخمس خبزات والسمكتينوإذا علم يسوع أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ويقيمون ملكا أنصرف إلي الجبل وحده(يو6:15).
ولقد رفض الرب يسوع أن يصير ملكا بالمعني الذي أراده اليهود.فهم أرادوه أن يصير ملكا أرضيا,مثل هيرودس أو بيلاطس أو لعلهم أرادوه ملكا يحكمهم كما حكمهم شاول وداود وغيرهما من ملوك بني إسرائيل.لكن مخلصنا لم يشأ أن يصير ملكا من هذا الطراز من ملوك الأرض,ولذلك عندما سأله الحاكم الروماني بيلاطس البنطي قائلا:أأنت هو ملك اليهود؟,أجاب يسوع:إن مملكتي ليست من هذا العالم.ولو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يحاربون عني لكي لا أسلم إلي اليهود.والآن فإن مملكتي ليست من هذا العالم.فقال له بيلاطس:أفأنت ملك إذن؟أجاب يسوع:قلت أنت:أنا ملك. وإني أنا لهذا الأمر ولدت.ومن أجل هذا أتيت إلي العالم لأشهد للحق.كل من هو من الحق يصغي إلي صوتي.(يو18:33-37).
فأبان المخلص بهذا أنه ملك لكنه ليس ملكا من نوع ملوك الأرض.فليطمئن هيرودس,ولا ينزعج بيلاطس!إن الرب يسوع لم يأت لينتزع من هذا أو من ذاك حكمه أو سلطانه,فإنه ملك روحاني,ومملكته سمائية وليست أرضية.ولعل بيلاطس قد انزعج في مبدأ الأمر عندما سمع من اليهود دعواهم ضد الرب يسوع أنه قال عن نفسه:إني أنا هو المسيح الملك(لوقا23:2)ولاسيما عندما أحرجوا بيلاطس إذ كانوا يصيحون قائلين:إن أخليت سبيله,فلست صديقا لقيصر.لإن كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر(يوحنا 19:12)ولكنه وقد سمع من المسيح قوله:إن مملكتي ليست من هذا العالملم يعد بيلاطس يخشي هذا الحرج أو يخشي علي ملكه أو علي ملك قيصر,ولذلك كان بيلاطس يقول لرؤساء الكهنة وللجموع:إني لا أجد جريمة في هذا الإنسانلو23:4وقال لهم:أحضرتم لدي هذا الرجل علي أنه يضل الشعب.وها أنا قد فحصت أمره أمامك,فلم أجد هذا الرجل قد أقترف شيئا مما تتهونه به,ولا هيرودس أيضا لأنه رده إلينا,فهو إذن لم يقترف ما يستوجب به الموت(لوقا23:14-16),(يوحنا18:38),(يوحنا19:6).ولما كانوا يزدادون صراخا قائلين:أصلبه أصلبه,فقال لهم ثالثة:لماذا؟أي شر اقترف هذا الرجل؟إني لم أجد علي هذا الرجل ما يستوجب به الموت(لوقا23:22).وحتي بعد أن ضفر العسكر إكليلا من الشوك ووضعوه علي رأس المخلص وألبسوه ثوب أرجوان,خرج بيلاطس به إلي رؤساء الكهنة والعظماء والشعب وقال لهم:ها أنا سأخرجه إليكم لتعلموا إني لا أجد عليه مأخذا ما.فخرج يسوع وعليه إكليل الشوك والرداء الأرجواني.فقال لهم بيلاطس:ها هوذا الرجل!فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صاحوا قائلين:أصلبه!أصلبه!,فقال لهم بيلاطس:خذوه أنتم فاصلبوه,فإني لا أجد عليه مأخذايوحنا19:1-16.وكان يصرخ في رؤساء الكهنة والشعب ممن يطلبون إطلاق سراح باراباس وصلب المسيح قائلا:أي شر فعل؟(متي27:23)-(مرقس15:14).حتي إنه أخذ ماء وغسل يديه أمام الجميع قائلا:إني بريء من دم هذا البار.أنتم وشأنكم(متي27:24).
نعم,إنه ملك:
لم ينف الرب يسوع عن نفسه أنه ملك,لأنه فعلا ملك,ولما قال له بيلاطس:أفأنت ملك إذن؟,أجاب يسوع:قلت أنت:أنا ملكأي أنني كذلك كما تقول.ولكنه نفي عن نفسه أن تكون مملكته من هذا العالم(يوحنا18:33-37). ألم يقل عنه الملاك غبريال للعذراء مريموسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه,فيملك علي بيت يعقوب إلي الأبد,ولن يكون لملكه انقضاء(لوقا1:33,32). أليس هذا الذي رآه دانيال في رؤي الليل علي سحب السماء مثل ابن إنسان,وأوتي سلطانا ومجدا وملكوتا,فتتعبد له جميع الشعوب والأمم والألسنة,سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته مالا ينقرض؟(دانيال7:14,13),(مز72:11)وقال عنه أيضا:ملكوته ملكوت أبدي.وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون؟(دانيال7:27).
أليس هذا الذي جاء إليه المجوس من بلاد المشرق يطلبون أن يسجدوا له قائلين: أين هو المولود ملك اليهود,فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له؟(متي2:2)وحين أتوا إلي البيت رأوا الصبي مع مريم أمه,فخروا وسجدوا له,ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا من ذهب ولبان ومر(متي2:11).
ولكنه ملك روحاني:
إنه حقا ملك,ولكنه ليس كملوك الأرض,بل ملك روحاني سماوي,لم يأت لينافس ملوك الأرض سلطانهم الزمني فقد قال: اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله(متي22:21),(مرقس12:17),(لوقا20:25),ولكنه جاء لما هو أعظم ,جاء لينشيء في مملكة الشيطان الروحية ملكا له(لوقا19:12)وليضم إليه مناقتنصهم إبليس لمشيئته(.2تيموثيئوس2:26).
هذا هو الذي رآه القديس يوحنا اللاهوتي في رؤياه ممتطيا فرسا أبيض رمزا لانتصاره وبهائه وجلاله ونقائه,وهو يقضي ويحارب بالعدل.وعيناه كلهيب النار,وعلي رأسه أكاليل كثيرة .وله اسم مكتوب ولايعرفه أحد إلا هو,وهو متسربل بثوب مغموس في الدم,ويدعي اسمه كلمة الله.وكانت تتبعه علي خيل بيض جيوش السماء لابسين كتانا أبيض ونقيا,ويخرج من فيه سيف ماض ليضرب به الأمم.وهو سيرعاهم بعصا من حديد,ويدوس معصرة خمر سخط غضب الله القادر علي كل شيء.كتب علي ثوبه وعلي فخذه:ملك الملوك ورب الأرباب(الرؤيا19:11-16).
المسيح ملك,وعرشه الصليب:
أعلن المسيح ذاته في أحد الشعانين ملكا بطريقة ظاهرة,وقبل أن ينادي أمامه بأنه ملك إسرائيل,ولم يعترض علي ذلك بل شاء أن يدخل أورشليم راكبا مثل ملك محققا بذلك نبوءة النبي زكريا:ابتهجي جدا يا بنت صهيون,واهتفي يا بنت أورشليم.هوذا ملكك يأتيك هو عادل ومنصور ووديع(زكريا9:9),لإنه كان يعلم أنه بعد ستة أيام سيعلق علي الصليب,وعلي الصليب سوف يصعد المسيح ملكا مكللا بتاج من شوك,والصليب سيكون عرشه,والقصبة التي ضربوه بها صولجانه,والحرية التي طعنوه بها ستكون سيفه.نعملقد ملك الرب من فوق خشبه(مزمور95:10)حسب الترجمة القبطية,والخشبة هي خشبة الصليب.وعلي الصليب سيمد المسيح يديه,باسطا رحمته علي كل الخليقة,وعلي امتداد الشرق والغرب يمد يديه مرفوعا ليضم إلي صدره وقلبه جميع من سباهم الشيطان لطاعته. علي الصليب صعد الفادي فالتقي بجسده علي الصليب الشمال والجنوب والشرق والغرب,إلتقت البشرية في جميع امتداداتها,والتقي فيه الشرق بالغرب والشمال بالجنوب فتصالح فيه الكل,واجتمع فيه الجميع,ولم يعد يهودي ويوناني عبد أو حر,ذكر أو أنثي(غلاطية 3:28)..المسيح فادي الكل وملك الجميع,صار المسيح للكل,من عال ودون,من أبيض وأسود,علي اختلاف أجناس الناس وألوانهم ولغاتهم.علي الصليب صعد المسيح,فهزم الشيطان ونهب منه أمتعته(متي12:29),(مرقس3:27),وصار ملكا علي الكل,وصار الكل ملكا له,وعلي الصليب تأسست مملكته الجديدة,فكان الصليب له عرشا,صعد عليه فملك علي الجميع.
التعارض بين المملكتين:
لكن عرش المسيح في الجلجثة صليب, الصليب خشبتان متعارضتان لايلتقيان إلا في المركز,وفي تعارضهما معني التعارض بين مملكته ومملكة الشيطان,والتعارض بين مباديء مملكته ومباديء مملكة الشيطان أو بين السماء والعالم,وكما يقول الرسول بولس:أما أنا فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا صلبت للعالم(غلاطية6:14)وهذا يشير إلي التعارض في المباديء والتعارض في الأهداف بين مملكة المسيح بمبادئها وأهدافها,وبين مملكة الشيطان بمبادئها وأهدافها.وهذا هو سر العداوة القائمة بين المسيح ومملكتة وبين الشيطان ومملكته.
ملك المسيح ملكا روحانيا لا ماديا,ولم يملك بالعنف والاغتصاب بل ملك بالألم وبالشوك وبالدم المسفوك,وبالفداء وبالتضحية,ومملكته تتألف من المتعبين والمبلوين والمجربين والحزاني والمضطهدين الذين تعبوا من عبودية الشيطان والعالم والحياة المادية واستبعاد الخطيئة,فانضموا إلي مملكة المسيح الرب فوجدوا فيه الراحة والحمي والملاذ وسلام القلب وإشباع العقل وراحة الضمير.