سحب ##حزب الله## وزراءه من الحكومة اللبنانية. أصبحت الحكومة في حكم المستقيلة وتحولت بالتالي الي حكومة لتصريف الأعمال. الوزراء الذين استقالوا من الحكومة, باستثناء اثنين منهم, ليسوا أعضاء رسميين في الحزب اللبناني التابع لايران. لكنهم في الواقع توابع للحزب لا أكثر. بين هؤلاء عدد لا بأس به من وزراء النائب المسيحي ميشال عون الذي يحتاج الي أصوات الحزب كي ينجح في الانتخابات النيابية ويصبح نائبا عن قضاء كسروان… ويتحول بقدرة قادر الي زعيم لكتلة نيابية في مجلس النواب. لا يوجد نائب واحد في تلك الكتلة قادر علي الوصول الي المجلس من دون أصوات ##حزب الله## الذي يمر حاليا في أزمة عميقة.
لعل استقالة فريق الثلث المعطل في الحكومة, التي كان اسمها يوما ##حكومة وحدة وطنية##, أفضل تعبير عن الازمة المتعددة الجانب لـ##حزب الله## الذي بات عليه ممارسة لعبة الهروب المستمر الي امام خوفا من القرار الظني او الاتهامي المتوقع صدوره عن المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لم يكن امام الحزب سوي جر التابعين له او ادواته الي سحب وزرائهم من الحكومة لتأكيد انه علي استعداد للذهاب بعيدا في تصديه للمحكمة الدولية . في النهاية, يمتلك الحزب ميليشيا مسلحة قادرة علي السيطرة علي كل لبنان بالقوة. الأهم من ذلك انه يمتلك أدوات.
اخذ ##حزب الله## الطائفة الشيعية الكريمة رهينة وعليه الآن, جعل أزمته ##ازمة وطن## بعدما بدأ كثيرون من ابناء الطائفة يسألونه الي اين تأخذنا؟ اصلا لا جواب لدي الحزب علي مثل هذا السؤال, الجواب في طهران التي هي مرجعية الحزب. ولذلك, ليس امامه سوي تحويل أزمته المجذرة الي أزمة كل لبنان وكل اللبنانيين.
دخل ##حزب الله##, عبر اعتراضه علي المحكمة الدولية التي وافق عليها في الماضي, او علي الاصح تظاهر بالموافقة عليها في جلسات الحوار الوطني في العام 2006 وفي البيان الوزاري للحكومة الحالية, في مواجهة مع المجتمع الدولي. انها مشكلة الحزب وليست مشكلة لبنان. انها مشكلة الحزب وليست مشكلة الشيعة في لبنان… او السنة او المسيحيين او الدروز. ولذلك, مهما افتعل من ازمات وزارية, لن يفيده ذلك في شيء. يستطيع اجبار وزراء تحالفه علي الاستقالة مع غيرهم من التوابع.
يستطيع ##حزب الله## ايضا الضغط علي وليد جنبلاط الزعيم, والدرزي وذلك لأسباب مرتبطة بقدرة الحزب علي تهجير الدروز من الجبل. لكنه لا يستطيع الضغط علي المسيحيين ولا علي أهل السنة. اكثر من ذلك, ليس بعيدا اليوم الذي سينتفض فيه الشيعة ليقولوا انهم لن يرضخوا الي ما لا نهاية لثقافة الموت والتبعية وانهم عانوا ما فيه الكفاية من المتاجرة المستمرة بلبنان وجنوبه واهله خصوصا, وذلك منذ توقيع اتفاق القاهرة المشئوم في عام 1969 من القرن الماضي.
يبقي أن الأزمة الكبري لـ##حزب الله## عائدة الي تمسكه بالأوهام. كان الحزب واهما حين اعتقد في اي لحظة من اللحظات ان اتفاقا بين السعودية وسورية كان يمكن ان يلغي المحكمة الدولية. ان اتفاقا بين الجانبين يمكن ان يلعب دورا مهما في توفير غطاء عربي لحماية السلم الأهلي في لبنان في حال تضمن البيان الاتهامي أسماء لأعضاء في الحزب لديهم علاقة ما بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. لبنان طلب قيام المحكمة الدولية التي أصبحت مرتبطة بمجلس الامن التابع للأمم المتحدة. لبنان متمسك بالمحكمة الدولية لانها السبيل الوحيد لمعرفة الحقيقة ووضع حد لثقافة الاغتيالات التي ذهب ضحيتها اللبنانيون الشرفاء الذين يؤمنون بالعروبة الحقيقية الصادقة وليس بالسلاح المذهبي الموجه الي صدور ابناء الشعب.
كان التمسك بالأوهام وراء اعتقاد ##حزب الله## ان السعودية وسوريا قادرتان علي تخليصه من المحكمة الدولية, علما أن سورية نفسها- كنظام- معنية بالمحكمة بمقدار ما ان الحزب معني بها. ماذا فعل النظام السوري؟ تصرف بحكمة ليس بعد حكمة عندما كلف مكتبا للمحاماة في لندن متابعة القضايا والمسائل المتعلقة به مع المحكمة الدولية… وترك الحزب يتصدي للمحكمة علي الأرض في لبنان!
يجد ##حزب الله## نفسه في وضع لا يسمح له سوي بالتصعيد. نعم اسقط الحكومة اللبنانية. ولكن ماذا بعد؟ هل يستطيع اجبار مجلس النواب علي اعلان رفضه للمحكمة الدولية؟ ما هي الخيارات الأخري التي يمتلكها؟ هل سيعطل الحياة في بيروت مجددا؟ هل الحل بتحويل أزمته العميقة الي أزمة بحجم الوطن بكل طوائفه ومناطقه؟
الاكيد انه لا يمكن الاستخفاف بما يستطيع الحزب عمله, في ضوء الامكانات الكبيرة التي في متناوله والادوات الطيعة التي يتحكم بها. ولكن مرة اخري ان الانتصار علي لبنان ليس بديلا عن الانتصار علي اسرائيل, مثلما ان الهرب المستمر الي امام لا يغني عن ضرورة مواجهة الحقيقة التي ستخرج يوما عن المحكمة الدولية!
موقع إيلاف الإليكتروني