تاريخيا كان التشاؤم أدق موقف يمكن اتخاذه حول التطورات السياسية في الشرق الأوسط. ولم يكن السؤال إذا ما كان الكوب نصفه مليء أو نصفه فارغ وإنما هل ثمة ماء بالكوب أصلا أم لا. ومع ذلك, ففي ضوء ##الربيع العربي## فقد بدأ يبرز إحساس متجدد بالتفاؤل حيال مستقبل المنطقة.
إن هذا الحراك المستمر هو إحدي النقاط التحولية الأربع الرئيسية للشرق الأوسط في القرن الماضي. وكان الأول هو انهيار الخلافة العثمانية وإنشاء تركيا والدول العربية الحديثة لاحقا. والثاني إقامة إسرائيل في عام 1948 والثالث اندلاع الثورة الإيرانية في عام .1979
وهذه القضايا المميزة والمتداخلة في الوقت نفسه تجعل ##الربيع العربي## علي درجة كبيرة من الأهمية. أولا: تحدث الثورات في وقت واحد في جميع أنحاء المنطقة في مجتمعات مختلفة بشكل ملحوظ بغض النظر عن التنظيم أو الحوكمة أو التجزؤ الديني. وبحلول عام 2016 ستكون كل دولة عربية قد مرت بقدر من التغير الكبير.
ثانيا: ترفض المنطقة التطرف فيما يشار إليه الآن بــ ##الجهاد المضاد.## وبالنسبة للكثير من المسلمين كانت هجمات 11 سبتمبر حدثا وجرحا هز أسس عقيدتهم ولياقتهم. وعلاوة علي ذلك, أصبحت تكلفة دعم التطرف باهظة جدا. فقد كان تنظيم القاعدة عاجزا عن الوفاء بالاحتياجات الملموسة للوجود اليومي مثل الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف. ونتيجة لذلك أظهر كل استطلاع أجري منذ عام 2007 دعما متقلصا للتطرف. بل اصبح الناس يتحولون إلي العصيان المدني السلمي للتعبير عن أصواتهم.
ثالثا: بدأت الشعوب في تحدي اللاهوت السياسي الإسلامي, ويبرز ذلك بصورة أكثر في إيران. والصفة المشتركة بين جميع هذا القضايا الثلاث هي رفض الوضع الراهن, إلي جانب وجود حافز للتحرك نحو الأمام بدلا من الخلف.
وبالنظر إلي المستقبل ذي المدي القصير فلا مفر من تغيير النظام في اليمن وليبيا وسوريا. والمقياس الأكثر تعبيرا الذي يؤخذ بعين الاعتبار في جميع الحالات الثلاث هو النسبة المئوية من السكان الذين ما يزالون يدعمون كل حاكم علي حدة. فعندما يهبط هذا الرقم إلي أدني من 30 بالمائة يصبح التغيير راجحا جدا. وحاليا يقف الرئيسان اليمني والسوري عند 30 بالمائة أو أعلي لكن الوضع متقلب علي نحو كبير.
وعلي مدي السنوات الخمس المقبلة سيكون الهم الرئيسي هو فشل التوقعات خاصة في المجال الاقتصادي. فعندما لا تحقق الثورات تغييرا حقيقيا أو عندما تفشل في الوفاء بوعودها فإن ثمة عواقب غير مقصودة تميل إلي البروز علي السطح.
ومع ذلك, فإن الأنظمة الخليجية مختلفة لأن بإمكانها إرشاء سكانها بدون تغيير هيكلها الحالي. فعلي سبيل المثال, ضخت الرياض مؤخرا مائة مليار دولار في الاقتصاد السعودي للتغطية علي قضايا البطالة وغيرها من المشاكل الهيكلية. وبغض النظر عن عيوبها لن يكون لزاما علي دول الخليج أن تعالج المشاكل السياسية في أي وقت قريب.
وبالنسبة لمصر, فمن المرجح أن تعيد إقامة علاقة مع إيران علي مر الزمن. ومما لاشك فيه أن القاهرة سترغب في إبعاد نفسها عن سياسات عهد مبارك وتتجنب أن ينظر اليها كدمية أمريكية.
وعلي المدي الطويل, سيصبح الشرق الأوسط أكثر ديموقراطية وأكثر إسلامية أيضا — لكن ليس النوع المتطرف من الإسلام الذي تعتنقه جماعات مثل حزب الله وحماس, وإنما تحول الشعب إلي الإسلام كوسيلة لتحقيق غاية وليس غاية في حد ذاتها. وبهذا المعني, من المهم التفريق بين الأحزاب الإسلامية والأخري الإسلاموية بل وبين الأطياف العريضة من الأحزاب الإسلاموية. فالإسلامويون هم أولئك الذين يريدون تطبيق الشريعة كمصدر أساسي للقانون بما في ذلك الاستخدام الأكبر للإسلام في تطبيقات الحكومة اليومية. غير أنه سيكون لزاما علي هذه الفئة الإستجابة لما يحدث في الشارع. وقد شهدنا ذلك بالفعل إلي درجة معينة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر حيث انفصلت فئات بسبب قضايا مثل معارضة الإخوان لإتاحة الفرصة للمرأة والمسيحيين الأقباط بالترشح للرئاسة. وسوف نري علي الأرجح المزيد من هذه الظاهرة بمعني: جماعات سياسية لها هوية مسلمة أساسية لكن بدون مواقف إسلاموية متشددة .
معهد واشنطن