شجعتني رسالة الأسبوع الماضي ## الجد والأحفاد## أن أتصل بباب ## افتح قلبك ##,أنا جد في التاسعة والسبعين من عمري ,لي ستة أحفاد أربعة لابني واثنان لابنتي ولي ابن لم يتزوج بعد,ربيتهم جميعا علي الحب والعطاء والترابط فيما بينهم وعملت أنا ووالدتهم علي إسعادهم وتوفير الحياة الكريمة لهم كما كنا حريصين علي ادخار بعض المال الذي ينفع وقت الضيقات أو المرض , تراكمت مدخراتنا,وتضاءلت طوارئنا فأصبح لدينا ما يقرب من مليون جنيه بعد أن قمنا بواجبنا تجاه زيجاتهم , حتي الابن الأصغر الذي لم يتزوج بعد وفرت له كل ما يلزمه من منزل وأثاث فاخر . الابنان مستقران من حيث ظروفهما المادية أما الابنة فزوجها مسرف جدا , ولا يدخرشيئا للمستقبل إذ ينفق كل ما تطوله يداه وهذا سبب في خلافات عديدة بينهما فدائما ما تقول ابنتي : ##هايجي يوم مش هنلاقي نصرف فيه جنيه بسبب إسرافه ##. نصحته كثيرا وطالما قال لي : ## اصرف ما في الجيب ياتيك ما في الغيب ## كما قال أيضا :## هو أنا باصرف في إيه يا عمي ما كله علي البيت والأولاد خليهم يعيشوا## , وحتي أتلاشي صداما معه كنت أنهي الحديث في كل مرة بعدة نصائح مقتضبة وأقول لهما هذه حياتكما فسيراها كما تريان . وأنا أقصد ما قلته بالفعل فلا شأن لي بهما ولكن عندما يتصل الأمر ## بشقا العمر ## لابد أن يكون لي شأنا فبعد أن بلغت من العمر ما تجاوز ثلاثة أرباع القرن أنتظر الموت في كل لحظة خاصة وأنا أعاني من قصور في الشريان التاجي , فلمن أترك مالي… لابني الأكبر الذي يرعي أربعة أبناء ويحتاج لتأمين مستقبلهم أم لابني الأصغر الذي ليس لديه مسئوليات في الحياة أم لابنتي التي سوف تضع المال في يد زوجها لينفقه علي المظاهر و التنزه و السفه. دون أن أدري وجدتني ميالا لمساعدة ابني الأكبر ذي المسئوليات الأكثر وخلوت إلي نفسي كثيرا حتي أفكر ماذا سيحدث من بعدي وكيف سيوزعون أموالي عليهم , فمن الحماقة أن يتساوي الجميع علي تفاوت المسئوليات والاحتياج للمال , ومن الحماقة أن أترك لهم الأمر بعد رحيلي , فيوزعون المال بالتساوي ويظلم الأحفاد الأربعة الذين يعيشون حياة عادية بينما يحيا أبناء عمتهم حياة ممتلئة بالترف , فهل يظل المدللون مدللين مدي الحياة والمعوزون معوزين أيضا مدي الحياة , صحيح أن ابني الأكبر لا يحتاج لكنه غير ميسور الحال , ومن المؤكد بعد زمن سوف تتراكم المسئوليات علي كاهله وتثقله . فكرت كثيرا وبدأ تعاطفي معه يزيد حتي أنني بدأت في التمييز بين الأحفاد في التدليل والمعاملة التي استشعرها الجميع , وصدقيني كما فكرت في توزيع ثروتي وجدتني أوزع أيضا حبي بذات القدر ولم أستطع التحكم في مظاهر ذلك من هدايا وحنو وغير ذلك , ثم هدتني نفسي إلي فكرة ونفذتها إذ جمعهتم وقمت بتلاوة وصيتي عليهم , والتي تضمنت توزيعا عادلا لثروتي بعد وفاتي فالشقة و100 ألف جنيه لزوجتي و300ألف جنيه لابني الأصغر و100 ألف جنيه للابنة , ونصف المليون المتبقي للابن الأكبر وكل فائدة بنكية حتي رحيلي أيضا للابن الأكبر حتي يتمكن من العيش في ذات المستوي مثل إخوته. كنا ملتفين حول منضدة الطعام ونتأهب لتناول الغذاء وما أن تلوت مضمون الوصية حتي حل الوجوم التام علي الجميع ثم صاحت زوجتي ( ليه بتعمل كده… ليه… ليه ) وقامت من علي مقعدها بلا رجعة أما زوج ابنتي فقال : ##العدل مابيتحطش## و غادر المنزل تاركا ابنتي وابنيها , التي انخرطت في نوبة بكاء حادة ثم لحقت بوالدتها إلي غرفتها .أما ابني الأصغر فنكس رأسه إلي الأرض وتمتم بعبارات غير مفهومة ولحق بزوج اخته إلي خارج المنزل , وظل الأكبر قابعا علي كرسيه لم ينطق ببنت شفة ولم يتحرك بينما بدت علامات السرور علي وجه زوجته , وفجأة شق الصمت صوت أكبر أحفادي 16 عاما قائلا ## أنت يا جدو هاتكره الإخوات في بعضهم أنت كده هاتدينا فلوس وتحرمنا من أولاد عمتنا ومن عمنا لأنهم هايفضلوا دايما حاسينأننا أخدنا حقهم وقبلنا الظلم ## . نفذ كلامه إلي قلبي طعنة أصابت شيخوختي التي تصورت أنني نلت الحكمة من خلالها . انفض الأبناء من حولي وتركوني , ولم نجتمع مرة ثانية منذ هذا الوقت مر حتي الآن أسبوعان أعرف أخبارهم من خلال والدتهم , التي تطلب مني التراجع عما نويت لكن المشكلة أنني ما زلت أري أنني علي حق وأنهم لا يفهمون معني العدل الحقيقي الذي أعتقد أنه عطاء المحتاج قدر احتياجه , هم مازالو صغارا لم يختبروا الحياة مثلي واخشي أن أتركهم للمساواة وحينها سوف ينبذ الأحفاد بعضهم البعض عندما يجدون فارقا شديدا في المستوي المعيشي وستكون الفرقة علي أي حال فماذا أفعل ؟ هل أتراجع أم أظل علي موقفي؟ هل حدت عن العدل فعلا أم أنهم يرون الأمر من وجهة نظرهم التي تصب في النهاية لصالحهم ؟ **لصاحب هذه المشكلة أقول : ياسيدي إن كنا نعلم الماضي ونقيمه ونحاول تلاشي نتائج قد تسئ إلي أحبائنا لكننا لا يمكن أن نتحكم في المستقبل بعد رحيلنا عن هذا العالم مهما أوتينا من حكمة , صحيح أنك ساعدت أبناءك , حتي استقرت حياتهم , وصحيح أنك تعبت وربما حرمت نفسك وزوجتك من الكثير -خاصة وأنني لمست من حديثك أنك حريص بعض الشئ- لكن حرصنا وجمعنا للمال لا يجعلنا نفكر من يستحق في اقتنائه بعدنا من أبنائنا , فجميعهم أبناؤك والمسيحية توصي بالمساواة في الإرث, ولا تفرق بين ذكر وأنثي لدي توزيعه , بينما أنت تجاوزت ذلك ففرقت بين الجميع كل حسب حالته المادية . العدل الذي تتحدث عنه ما هو إلا وحش كاسر سيدمر عائلتك ,هذا العدل هو من وجهة نظرك أنت فقط…أنت فقط الذي تراه عدلا بينما هو الظلم بعينه فأنت تتحدث عن العدل بينما لا ترسيه ,تتحدث عن حبك لهم جميعا بنفس القدر واهتمامك بمستقبلهم وتناقض نفسك فيما تفعل وتتجاهل مستقبل علاقاتهم ببعضهم البعض , يقول برنارد شو المؤلف المسرحي الأيرلندي ##أن تكره الآخر ليس إثما عظيما ,لكن أن تتجاهله تلك هي الوحشيةبعينها## هذا بالنسبة للآخر فما بالك بأحفادنا وأبنائنا من يضمن أنك الراحل أولا ربما ترحل زوجتك قبلا , ربما يغتني ابنك الأكبر , ربما يرحل زوج ابنتك فتكون حينها الأكثر احتياجا ,لماذا تصادر علي المستقبل هكذا ؟لماذا تحيا وكأنك الحكيم الوحيد في هذا العالم ,لو كل أصحاب الثروات فعلوا مثلك لما بقيت شعرة محبة بين البشر,وتلك هي الحكمة التي قالها حفيدك,رغم أنه المستفيد الأول مما تفعله,لكنه أدرك ببراءته أن الأبقي هو حب الإخوة , والاحتياج الأكبر للعلاقات الإنسانية المتوازنة الخالية من الصراعات , الصغير أدرك ذلك بينما أنت بكل العمر والخبرات التي خضتها في حياتك لم تدرك أنك تهدم ما بنيته طوال العمر من محبة بين القلوب . وللأسف ربما أقول ما سيغضبك وما لا يتوقعه القراء أيضا : أنت يا سيدي صنعت شرخا في جدار المحبة الأخوية لن يلتئم وسيظل عالقا بقلوب الأبناء حتي لو تراجعت عما انتويت فعله لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله . فإذا كان الشرخ قد حدث لكن الأمل في تراجعك حتي تلم الشمل مرة أخري . وسامحني في سؤالي لماذا لم تساعد ابنك بالمال الوفير في حياتك بدلا من منحه الجزء الأكبر بعد رحيلك ؟ أستشعر منك حبا للمال يدفعك للاحتفاظ به ما حييت , ولو تقبل نصيحتي تراجع عن قرارك حتي تكسب أبناءك وتحافظ علي أواصر المودة بينهم , و يمكنك مساعدة ابنك من مبلغ الفوائد البنكية سنويا بعيدا عن أصل المال فهذا حقك لأنه لا يخضع لقواعد الإرث وليس من حق أحد التدخل في سبل إنفاقك وهكذا تكون ساعدته ومنحته مبلغا لا بأس به يمكنه من رفع مستوي معيشته أو مستوي تعليم أبنائه. وأعتقد أن هذا هو العدل.. أسس المحبة بينهم دع لهم الفرصة أن يساندوا بعضهم البعض بمطلق إرادتهم وليس بإجبارهم علي التخلي عن حقوقهم التي شرعها الله دون أن تنظر لظرف كل طرف علي حدة . يا سيدي حقق شريعة السماء ستكون أكثر عدلا منك علي أي حال . رجع الصدي بعد نشر مشكلة الأسبوع الماضي التي تخص طالب الثانوية العامة غير القادر علي إتمام دراسته بسبب ضيق ذات اليد ,تواصل مع الباب أحد المتطوعين وعرض تحمل نفقات تعليم الشاب طوال سنوات الجامعة وتقديم مبلغ شهري ثابت له وجار الترتيب لإتمام ذلك عقب ظهور نتيجة مكتب التنسيق وتحديد دراسته الجامعية