لأول وهلة يبدو أن العرض الأخير الذي قدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإسرائيل في سعيه غير الواقعي لتجميد تام لبناء المستوطنات في الضفة الغربية, هو صفقة محببة إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. ففي مقابل تمديد مدة التجميد لمدة تسعين يوما يقال إن إسرائيل ستحصل علي 20 طائرة مقاتلة نفاثة أخري من طراز إف-35 تقدر قيمتها بثلاثة مليارات دولار, مع ضمان استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد أي مبادرة فلسطينية أحادية الجانب في الأمم المتحدة تهدف إلي تحقيق اعتراف دولي بدولة فلسطينية, ووعد بعدم قيام أوباما بطلب أية تمديدات أخري لفترة تعليق بناء [المستوطنات].
ومع ذلك, تخفي هذه الصفقة المقترحة تحولا غير مرغوب فيه في وساطة الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما أن السوابق المثيرة للقلق التي ترسخها هذه الصفقة ستلقي بظلالها وتضعف بدلا من أن تعزز احتمالات التوصل إلي انفراجة في مفاوضات السلام.
إن الجانب الأكثر إثارة للقلق في صفقة أوباما هو الروابط التي تؤسسها بين التنازلات الإسرائيلية بشأن المستوطنات (وفيما يبدو بخصوص معدل البناء في القدس أيضا) وغيرها من الأمور السياسية غير ذات الصلة. وقد عارضت واشنطن طويلا واستخدمت مرارا حق النقض (الفيتو) ضد مبادرات مجلس الأمن الدولي التي تستهدف إسرائيل. ولم تفعل الولايات المتحدة ذلك من باب البر, بل لأن القرارات المعادية لإسرائيل كانت غير بناءة وغير مفيدة وغير قائمة علي مبادئ. إن الاقتراح القائل بأنه ما لم يكن هناك تجميد في بناء [المستوطنات] فإن أمريكا لن تظل تفعل ذلك يجعل من الصعب جدا علي المفاوضين الأمريكيين هزيمة أو إضعاف المسودات التي ستطرح في مجلس الأمن في السنوات القادمة, ويشجع المزيد من التهجمات علي إسرائيل هناك. إن ترك إسرائيل بلا حماية في الأمم المتحدة سيجعل من فرصة إجراء مفاوضات ناجحة أقل وليس أكثر احتمالا, بالنسبة لإسرائيل التي تتعرض لهجوم مستمر بحيث سيضطرها إلي سد الثغرات وعدم ##المجازفة من أجل السلام.##
وما يزال هناك أمر أكثر مدعاة للقلق وهو الربط الواضح بين المعونة الأمنية الأمريكية لإسرائيل وتجميد الاستيطان. ويمكن تفسير عرض المزيد من الطائرات المقاتلة علي وجهين: الأول أن إدارة أوباما ربما تعتقد أن الطائرات النفاثة غير ضرورية للأمن الإسرائيلي, وأنها تعرضها فقط كمادة للتحلية, بتكلفة ثلاثة مليارات دولار يتحملها دافعوا الضرائب الأمريكيون — أو حوالي 33 مليون دولار عن كل يوم من أيام التجميد. والثاني, وهو التفسير الأكثر شؤما وهو أن الولايات المتحدة تعتقد أن الطائرات المقاتلة مهمة لأمن إسرائيل والمصالح المشتركة للبلدين, لكنها تستخدمها كوسيلة ضغط لضبط الفوضي الدبلوماسية التي هي من صنع يدها. وبقدر ما قد يرغب المسئولون الإسرائيليون في الحصول علي الأسلحة الإضافية, وخاصة في ضوء التهديد المتنامي لإيران المسلحة نوويا, فإنهم بلا شك سوف يفكرون طويلا ومليا قبل أن يقدموا علي ترسيخ هذه السابقة.
كما أن وعد أوباما بألا يسعي لطلب تجميد آخر في بناء [المستوطنات] بعد فترة التسعين يوما المقبلة, يشير أيضا بأنه ما يزال يتعين علي إدارته أن تشخص بصورة صحيحة العلة التي لحقت بجهودها في صنع السلام في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد, كان قد تم التوصل إلي اتفاق بين الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ورئيسي الوزراء الإسرائيليين السابقين أريئيل شارون وإيهود أولمرت حول تجميد [أعمال البناء] مع السماح بنمو ##داخلي## للمستوطنات القائمة. وقد كانت إدارة بوش سريعة في احتجاجها عندما تم انتهاك ذلك التفاهم — وهو رد فعل أدي أحيانا إلي حدوث توتر بين البلدين.
إن الاهتمام بوقف البناء في المستوطنات الذي من شأنه أن يزيد من صعوبة محادثات الوضع النهائي ليس هو الموضوع الذي يميز إدارة بوش عن إدارة أوباما, بل الطريقة العلنية والحادة التي نقلت بها إدارة أوباما المطالب الأمريكية وإهمالها للوقائع السياسية الإسرائيلية. فقد سعت إدارة أوباما إلي قيام تجميد كامل كشرط مسبق للمفاوضات; وبدلا من ذلك, كان المطلوب هو العودة إلي الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في السنوات السابقة, والتي تجاهلها فريق أوباما في مرحلته التي يمكن تسميتها ##أي شيء باستثناء [مرحلة] بوش##.
وسيكون من الأسهل علي أوباما الدفاع عن انحرافه عن سياسة واعية لو كانت العائدات كافية. لكن الأساس الذي يعتمد عليه العرض الأمريكي — وهو أنه بإمكان الإسرائيليين والفلسطينيين التوصل إلي اتفاق مبدئي علي الحدود في غضون 90 يوما مما يجعل قضية المستوطنات مسألة نقاشية فقط — هي فرضية لا يمكن تصديقها.
ولليقين, ربما من الممكن وضع الاقتراح بخصوص الحدود في تسعين دقيقة, وبالتأكيد في غضون تسعين يوما. وإذا ما أجري بحث سريع علي موقع ##جوجل## ستظهر النتائج مجموعة صغيرة من الأفكار جميعها معقولة من الناحية النظرية. بيد, يعتبر اتفاق الحدود المستقل [مجرد] سراب حتي مع تسلحه بحزمة من الخرائط. وبالنسبة للإسرائيليين, إن النقطة الأهم من موضوع أين تكمن الحدود هو ما يكمن بعدها — أي ما هي الترتيبات الأمنية التي سيتم وضعها لمنع انطلاق وابل من الصواريخ من الضفة الغربية, مثلما تنطلق الآن من غزة؟ وما الذي سيمنع حماس من إلحاق هزيمة شنيعة بالسلطة الفلسطينية هناك أيضا حالما تنسحب القوات الإسرائيلية؟ وبالنسبة للفلسطينيين, إن الحدود الأكثر اهتماما لهم – والتي يقال أنه لن تتم مناقشتها أثناء فترة التجميد – هي تلك التي تحيط بالقدس. بيد, من المستحيل تجنب القدس في أي نقاش حول الحدود, نظرا لأن حدودها, كما عرفتها إسرائيل, تشكل جزءا كبيرا من الحدود بين الضفة الغربية وإسرائيل ذاتها, كما أنها تطوق الأراضي التي يرغب الفلسطينيون في أن تكون قسما من دولتهم المستقبلية.
ترتبط هذه القضايا ارتباطا وثيقا بتلك المتعلقة بالحدود, ولا يمكن التوصل إلي حلول لها بمعزل عن الأخري. كما أن هذه المقايضات والترابطات بينها هي ضرورية ليس فقط لمبدأ الأخذ والعطاء الطبيعي الذي يصاحب أية مفاوضات, لكن أيضا لأن حل هذه القضايا أمرا حيويا لصياغة اتفاق مستدام يجلب سلام دائم بدلا من [مجرد] نجاح دبلوماسي عابر.
وبهذه المناورة الأخيرة, تحاول الولايات المتحدة أن تنقذ سياسة لا تستحق الإنقاذ. وبدلا من العودة إلي المنطقة لعرض هذه الصفقة, يتعين علي أوباما العودة إلي لوحة الرسم.
فورين بوليسي