أثيرت مؤخرا دعوات بعض المنظمات الحقوقية لإلغاء عقوبة الإعدام أو الالتزام بالمواثيق الدولية التي دعت إلي التضييق علي تطبيق هذه العقوبة, ويري أصحاب هذه الدعوات أنها ضد حقوق الإنسان, وأن هناك طرقا مختلفة لردع المجرمين والمتهمين في القضايا التي تستوجب الإعدام, وتم تأسيس العديد من التحالفات العربية والدولية لمناهضة هذه العقوبة, وأقيم مؤتمر مهم مؤخرا في إسبانيا لمناهضة العقوبة في الدول العربية, أوصي بتضييق تطبيق هذه العقوبة لتصبح في أدني معدل لها, ومع ذلك رفضت الحكومة توصية من المجلس الدولي لحقوق الإنسان بشأن إلغاء هذه العقوبة من القانون المصري.
من ناحية أخري يري رجال الدين المسيحي والإسلامي أن الديانات السماوية لا تتفق مع إلغاء عقوبة الإعدام, خاصة أنه رغم وجود عقوبة الإعدام لم يتم بعد ردع المجرمين, ولاتزال الجرائم مستمرة, وإلغاء العقوبة سيزيد من هذه الجرائم, كما أنه ليس من المعقول إلغاء العقوبة حتي لا يتم إعدام متهم وهو برئ.
في هذا التحقيق نقدم وجهات النظر المختلفة حول هذه القضية الشائكة:
عقوبة رادعة بالإنجيل
قال نيافة الأنبا موسي أسقف الشباب: عقوبة الإعدام موجودة في العهد القديم, ولم يقم السيد المسيح بإلغائها في العهد الجديد, وكتابيا في العهدين القديم والجديد لم تلغ عقوبة الإعدام, هناك من يقول إن القانون قد يكون له ضحايا من جراء الإعدام ولكن في كل القوانين هناك ضحايا, وليس من المعقول إلغاء هذه العقوبة لمجرد أن هناك أفرادا يمكن أن يتم إعدامهم عن طريق الخطأ.
أشار نيافته: أكبر عقوبة للإنسان هي الموت, وطالما اقتصر العقاب علي السجن حتي ولو السجن مدي الحياة فلم يعد السجن رادعا في ظل الرفاهية الموجودة حاليا في بعض السجون, أما الإعدام فهو عقوبة رادعة بلاشك.
لولا عقوبة الإعدام
نوه نيافته: هناك من يقول إن عقوبة الإعدام مستمرة ومع ذلك لم تقل الجرائم, نرد عليه بأنه لولا عقوبة الإعدام لتضاعفت الجرائم, وانتشرت بشكل غير قابل للسيطرة عليه, فالعنف زاد في المجتمع بشكل غير مقبول, وزادت الجرائم, وزادت عقوبات الإعدام, وهي رادعة ولكن الإنسان زاد عنفا, وانتشرت ثقافة العنف بشكل ملحوظ للغاية, وهو ما جعل أن تصل أحكام الإعدام إلي مرحلة الإعدام الجماعي لبشاعة الحوادث.
أوضح نيافته: هناك درجات تقاضي يمكن للمتهم المرور أمامها حتي لا يتم إعدامه عن طريق الخطأ, وهي درجات وضعها المشرع حتي لا يتم إدانة برئ.
كما أن الديانات السماوية ترفض إلغاء العقوبة, وإلغاؤها سيعمل علي زيادة الجرائم, خاصة أن لحظة الموت لحظ قاسية للغاية, وإذا كان هناك من يطلب الرأفة للمحكوم عليه بالإعدام, في الوقت الذي لا نري فيه حق الضحية وحق المجتمع, وربما يعيش المتهم لحظات قاسية يمكن التكيف معها ولكن حكم الإعدام هو المهم.
الدية تلغي العقوبة
أوضح نيافته: لو هناك دية يمكن دفعها مقابل إلغاء الحكم فنحن نفضل إلغاء العقوبة, طالما رضي أهل الضحية بالدية, كما أن هذه الدية يمكن استخدامها في إنهاء مشكلات الثأر, وفكرة الدية من أجل التصالح, ورغم أنها لا توجد في القانون المصري, ولكنها مهمة, وربما يقول أحد أين حق المجتمع في حال قبول أهل الضحية للدية, ونحن نرد بأن الفرد الذي يقوم بقتل آخر خطأ أو في لحظة انفعال فهنا يمكن قبول التصالح والدية, أما القاتل المحترف والقتل من خلال السبق والترصد فهنا نؤكد علي حق المجتمع قبل الحديث عن الدية.
كما أن هناك حالات كثيرة يقدم فيها المحكوم عليه بالإعدام توبة قوية, ويقوم أب الاعتراف بأخذ اعترافاته وتقديم توبة صادقة, ويحكم عليها الله وحده, فلحظة الموت رهيبة لا يستطيع أحد تحملها.
آيات صريحة
وهناك بعض الآيات التي تؤكد أهمية تطبيق عقوبة الإعدام, ففي سفر الخروج (21: 12) من ضرب إنسانا فمات يقتل قتلا, وأيضا في سفر الخروج (21: 15-16), خروج (21: 20) إذا ضرب إنسان عبده أو أمته بالعصا فمات تحت يده ينتقم منه, كذلك في لاويين (24: 20) ومن قتل إنسانا يقتل.
وفي النهاية أكد نيافته: الكنيسة ترفض إلغاء عقوبة الإعدام, ولكن في حالة رغبة لدولة في إلغاء عقوبة الإعدام فالكنيسة ستكون مع الدولة, لأنه لا توجد شريعة في المسيحية, ولكن هناك دعوة لطاعة السلطات في القوانين المدنية.
حوارات مجتمعية
من ناحية أخري قال أيمن عقيل رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان: من الضروري قيام منظمات المجتمع العربي بحملات ضغط وفتح حوارات مجتمعية بهدف دفع الدول العربية إلي مراجعة مواقفها بشأن الصكوك الدولية والإقليمية التي تنضم لها, خاصة تلك المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام مثل البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, أو التي تنص علي ضمانات ومعايير خاصة بتطبيق العقوبة مثل الميثاق العربي لحقوق الإنسان واتفاقية الطفل.
حد أدني
أشار عقيل: هناك ضرورة لصياغة حد أدني من المعايير والضمانات الواجبة لتطبيق عقوبة الإعدام, لتكون بمثابة مدونة سلوك للدول العربية عليها أن تراعيها في إجراءاتها التشريعية والتنفيذية عند تبنيها للعقوبة, ويمكن أن تقوم بصياغة هذه المدونة لجنة من الخبراء والحكوميين المنبثقة من اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان بجامعة الدول العربية, وضرورة قيام الآليات المعنية بالأمم المتحدة بتحديد نطاق الجرائم الأكثر خطورة وتعريفها وحصرها بدقة حتي لا يكون الأمر فرصة للتأويل والتفسير بشكل يوسع من نطاق هذه الجرائم, وعلي الجهات التشريعية في العالم العربي أن تتكاتف مع منظمات المجتمع المدني العاملة في الحقل الحقوقي والقانوني في سبيل صياغة وإقرار تشريعات عقابية متوافقة مع ما جاءت به الصكوك الدولية والإقليمية فيما يخص تطبيق عقوبة الإعدام.
التدرج في العقاب
نوه عقيل: العدد غير المسبوق في أحكام الإعدام التي أصدرتها محاكم الجنايات مؤخرا أشلع حالة من الجدل في الأوساط الحقوقية والدينية سواء في مصر أو خارجها, وفي الوقت الذي تطالب فيه منظمات المجتمع المدني بإلغاء عقوبة الإعدام وهو مطلب يتفق عليه عدد كبير من الدول, يبدو رد فعل المحاكم المصرية غير متجاوب مع هذه الدعوات, واتخاذ أحكام الإعدام بشكل جماعي, ففي عام 2009 بلغ عدد الأشخاص الذي صدر ضدهم حكم بالإعدام حوالي 50 فردا, منهم 24 متهما في قضية بلطجة الأراضي, وهناك حكم صدر ضد 7 متهمين نتيجة خصومات ثأرية, وهناك 11 متهما أدينوا بقتل بدوي وإصابة زوجته وطفليه, وآخرون, وهو ما يشير إلي عدم الالتزام بالحد الأدني من المعايير الدولية عند تطبيق العقوبة, لصعوبة انطباق حال كل المتهمين في القضية الواحدة من حيث مسئوليتهم عن الجريمة, ومن ثم لابد من التدرج في العقاب وليس توحيده.
أقل قدر من الألم
أضاف عقيل: هناك خطورة عند تبني مشروعات قوانين من شأنها تطبيق عقوبة الإعدام بشكل علني, وهو ما أثير في مجلس الشعب ووسائل الإعلام مؤخرا, ووجود مشروع قانون أمام لجنة الاقتراحات والشكاوي بهذا الشأن, وهو ما يتنافي مع أحد المعايير المهمة لتنفيذ عقوبة الإعدام طبقا لما أقرته قواعد القانون الدولي, وهو الحرص علي تحقيق أقل قدر ممكن من الألم للمطبق في حقه عقوبة الإعدام.
نحن دولة مدنية
من جانبه قال حافظ أبوسعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: هناك حملة دولية لحقوق الإنسان تتبناها المنظمات الدولية والحقوقية لإلغاء عقوبة الإعدام, لأنها العقوبة التي لا يمكن الرجوع فيها إذا ثبت الخطأ, لذا فإننا نطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في مصر, لأننا دولة مدنية ومن المفترض أن يحكمنا قانون مدني لا علاقة للدين به, كما أن الإحصاءات تؤكد أن عقوبة الإعدام ليست رادعة حيث لم يتم إعدام إلا 44 تاجر مخدرات منذ صدور قانون المخدرات في أربعينيات القرن الماضي, علي الرغم من أن قضايا الإتجار في المخدرات تصل لما يزيد علي 10 آلاف قضية في العام الواحد.
الشريعة.. الموانع.. القصاص
أوضح أبوسعدة: الشريعة الإسلامية أحاطت تطبيق هذه العقوبة القاسية بسياج من الضمانات والكثير من الشروط, بل إنها ذهبت إلي أبعد من ذلك فوضعت لها العديد من الموانع التي تحول دون تطبيق عقوبة القصاص علي القاتل, ومن أهم هذه الموانع أن يكون القتيل جزءا من القاتل كالوالد إذا قتل ابنه أو ابنته, ففي هذه الحالة يمنع القصاص والعكس صحيح أي أنه يقتص من الابن أو البنت إذا قتل أباهما أو أمهما, ومن الحالات الأخري في هذا المجال والتي يمنع بها القصاص هي حالة ما يسمي تعدد أولياء في قصاص مشترك, فإذا عفا أحد من هؤلاء الأولياء سقط القصاص عن القاتل, إذ أن القصاص لا يتجزأ فلا إمكان لتصور استيفاء بعضه دون بعض, ومن ثم ينقلب نصيب الآخرين مالا فيأخذون حصتهم من الدية.
40 دولة ألغت
من ناحية أخري قال عبدالله خليل المحامي بالنقض: هناك أكثر من 40 دولة حول العالم ألغت عقوبة الإعدام في جميع الجرائم منذ عام 1990 وهي تشمل دولا أفريقية مثل كوت ديفوار والسنغال بالإضافة لدول أخري في أمريكا وأوربا وجنوب القوقاز وأخيرا تركيا.
المحاكم الاستثنائية
أضاف خليل: أحكام الإعدام في مصر مازالت تنفذ أمام محاكم استثنائية, وبالأخص المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة طوارئ والتي تمثل انتهاكا صارخا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة, كما أن هناك مخاوف من أن الذين تصدر ضدهم أحكام بالإعدام من محاكم جنائية لا يتمتعون بالحق في إعادة النظر في قضاياهم علي نحو كامل أمام محكمة أعلي.
أكد خليل: هناك كثر من 57 نصا تجريميا في القوانين المصرية يعاقب علي جريمة الإعدام, كما أن تحويل ملفات قضايا الإعدام إلي مفتي الجمهورية وهو أعلي سلطة دينية في مصر لاستطلاع رأيه أمر غير ملزم قانونا حتي في حالة تعارض رأيه مع حكم المحكمة بنص المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية.
معايير النزاهة!!
أعرب خليل: نقلق من أن تصدر أحكام بالإعدام ضد أشخاص من محاكم جنائية وهم لا يتمتعون بالحق في إعادة النظر في قضاياهم علي نحو كامل أمام محكمة أعلي, حيث إن السبيل أمامهم هو التقدم بطلب للطعن في الحكم أمام محكمة النقض استنادا إلي عدد محدود من الأسباب, فضلا عن خطورة المحاكم الاستثنائية وما يصدر عنها من أحكام بالإعدام خاصة أن هذه المحاكمات لم تتوفر لها معايير العدالة والنزاهة, كما لم تتوفر للمتهمين أمامها فرص كاملة للدفاع عن أنفسهم.
أين الردع بالإعدام؟!
شدد خليل قائلا: الدراسات العلمية أكدت علي فشل عقوبة الإعدام في تحقيق الردع المطلوب لجرائم القتل وغيرها, كما أن السجن المشدد عقوبة أكثر قسوة من الإعدام, أما عقوبة الإعدام المطبقة كعقوبة لتجارة المخدرات في مصر فهي لم توقف هذا النشاط, حيث كشفت الوقائع أنه منذ 44 عاما لم يعدم سوي 50 تاجر مخدرات, كما أن حجم التجارة السرية للمخدرات لمصر ارتفع بعد تشديد العقوبة إلي حوالي 15 مليار دولار.
علاج وإصلاح
أكد الدكتور عبدالله النجار أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية: لا أتصور أنه بمجرد ارتكاب الجريمة يتم تطبيق العقوبة, فهناك شروط للوجوب والتنفيذ, فإذا ما كانت الأم حاملا يمنع ذلك إلي أن تضع ويفطم ابنها بل يصل الأمر لحد الاستغناء, وأوضح أن الإسلام ليس متعطشا لإراقة الدماء, لأن الله لا ينتقم من الناس وإنما يريد سياسة علاجية وإصلاحية في المجتمع.
لردع من تسول له نفسه
من جانبه قال فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: القاعدة الفقهية هي أن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة, ولكن إذا ثبت من خلال الأدلة القاطعة أن شخصا ما يستحق الإعدام فيجب تطبيق الحد عليه.
أضاف الشيخ عاشور: الله نظم عقوبة القتل العمد, في قوله تعالي ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون وقوله كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون وذلك لردع من تسول له نفسه بارتكاب جريمة قتل حيث سيلقي جزاءه من جنس عمله, الأمر الذي يكفل الحفاظ علي الأرواح, كما أن المشرع يختار العقوبة المناسبة لكل جرم وينفذها, وإلا يصبح المجتمع في حالة فوضي, وفي حالة الحكم علي القاتل بالمؤبد ووضعه في السجن فإن الدولة تتكفل بقاتل تطعمه وترعاه!
وعن مقترح إعدام الأم قبل مرور عامين علي الأقل من ولادتها. رفض الشيخ عاشور ذلك, حيث يري أن ذلك مخالف شرعا, ومن يخالف ذلك سواء كانت الأم أو المسئول عن تنفيذ الأحكام يعد آثما شرعا من منطلق قوله تعالي: وما كان لمؤمن وللمؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (الأحزاب 36).