أبي العام الجديد أن يطل علينا مختلفا عن سالفه ليفجع المجتمع المصري بكافة طوائفه بحادث إرهابي راح ضحيته أبناء وأخوات لا ذنب لهم ولا جريرة إلا أنهم ذهبوا إلي الكنيسة للاحتفال بقدوم العام الجديد بالتقرب إلي الله و الدعاء له.
هذا الحادث الإجرامي أدمي قلوب المصريين جميعا. عملاء الإرهاب أرادوا بث الرعب والفرقة بين أبناء الوطن ولم يدركوا أن الحادث سيوحد مشاعر المصريين ويدعم إيمانهم بوحدتهم ووطنهم. رد فعل المجتمع علي كافة طبقاته وطوائفه وعلي المستوي الحكومي والشعبي جاء ليعبر عن معدن هذا الشعب المصري الأصيل وما اكتسبه من خبرات وتجارب علي مدي أحقاب متعاقبة. أما المظاهرات والاحتجاجات التي تلت الحادث ما كان لها أن تحدث بهذا النطاق ولا هذا المنوال إلا إذا كانت تعبر عن حالة من الاحتقان في المجتمع المصري علي كافة طبقاته.
إن كان أول طريق التوبة هو الاعتراف بالخطية فإن أول الطريق لحل أي مشكلة هو الاعتراف بوجودها … أما أن ندفن رؤوسنا في الرمال ويحاول البعض اختزال وتجاهل وقائع أحداث سابقة علي مدي أحقاب طويلة من الزمن وتأثيرها المباشر علي ردود الفعل الآن والتركيز فقط علي المؤامرة الخارجية الأخيرة لبعض المارقين المستوردين فهذا استخفاف بالعقول غير معقول وغير مقبول.
هناك مشاكل واحتقان وهناك ترقب وترصد. إن وجود هذا الاحتقان هو الذي جرأ بعض الكارهين لمصرنا محليا وإقليميا ودوليا ليحيكوا المؤامرات لزرع الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن. إنني أطالب الجميع باليقظة لإسقاط هذه المخططات ومحاسبة من يؤجج الاحتقان أو من لا يسعي جديا إلي علاج أسبابه والرد علي الادعاءات والافتراءات المغلوطة التي تدوالتها بعض وسائل الإعلام.
إن ردود الفعل بعد الحادث و التعبير الحاد للغضب له أسبابه ومبرراته للأسف المجتمع والمواطنين بمسلميه ومسيحييه يدفعون ضريبة أخطاء الحكومات المتعاقبة وما أفرزته من اتساع في مساحة الفقر وغياب العدالة الاجتماعية والتفاوت الطبقي في بنية المجتمع المصري, هذا الوضع الاجتماعي الحرج فرضته دوافع الحياة المتأزمة صاحبها تخلف ثقافي وتراجع فكري مع وجود جماعات تساند الفكر المشوه والسلوك المريض حيث تحاول جادة استنساخ أفكار مرفوضة قادمة إلينا من تيارات بدوية لم نعتدها.
وراء تأجج الأمور بعد هذا الحادث الإرهابي جرائم أخري ارتكبت ومورست جهارا نهارا في برامج التعليم والسياسة الإعلامية و الثقافية مع تجاهل وتأجيل غير مبرر وغير مستساغ لمطالب شرعية.
إن الفكر المتطرف لم يعد مقصورا علي المجاهدين ودعاة السلفية ولكنه تسلل إلي الكثير من المناهج الدراسية في مراحل التعليم المدرسي والجامعي العام والخاص. إن هذا التيار هو ما دعا إحدي الصحف القومية لنشر صفحة كاملة من صفحاتهما الأسبوع الماضي لتوثق تأكيد فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لمشروعية إرسال بطاقات المعايدة للمسحيين وذهاب المسلمين إلي الكنائس للتهنئة!. وهنا يدور في الأذهان سؤال: هل كان للجريدة أن تفرد هذه المساحة من صفحاتها إن لم تكن قد استشعرت بأن هناك تيارا سلفيا يعاكس هذه الحقائق الراسخة في نفوس ووجدان المصريين ووجود من يعبث بها؟
أرجو أن تكون القيادات صادقة في مواجهة مواطن الخلل حتي لا نفاجأ بعد أيام أن هذا الحادث الأليم أصبح مجرد ذكري وردود الفعل المصاحبة له والتصريحات البراقة عن الدعوة لحديث العقلاء ولجان الكبار ما هي إلا مجرد ردود فعل مؤقتة لتلحق بما سبقها من إرهاصات كلامية لتتلاقي وتتعانق مع كل ما عهدناه من وعود وعهود قابعة في الأدراج لتؤنس وحدة تقرير العطيفي منذ حوالي أربعة عقود ورفاقه من مشاريع القوانين الملقاة في دهاليز الوزارات والمجالس. إن الأحضان والقبلات وإفطارات رمضان لم ولن تؤتي بثمارها لعلاج الاحتقان علي المستوي الشعبي.
إنني أنصح الأقباط المعبرين عن غضبهم علي الأحداث أن يتوخوا الحذر من المندسين وألا ينزلقوا إلي العنف والتدمير, كما يجب أن يتذكر الجميع أن خير مصر في الاتحاد وليس الفرقة. وكما ذكر الكاتب بلال فضل أنه ينبغي أن يكون الهدف القومي لمصر في المرحلة القادمة هو استعادة المصريين جميعا إلي حضن مصر الدولة. فليتيقن الجميع الحقيقة التي لابد أن يعوها ويضعوها نصب أعينهم وهي أننا أقباطا ومسلمين سنعيش معا ونموت معا وتحيا مصر فوق الجميع.