دولة ديموقراطية علمانية في فلسطين؟
حلم يساري جميل,هل هو قابل للتنفيذ؟هل الواقع السياسي متاح لطرح هذه الفكرة اليسارية الطوباوية إلي حد بعيد؟
أليس وراء هذا الطرح محاولة يسارية لتجديد مكانة اليسار التي تراجعت ,مع الأسف ,في العقود الأخيرة؟وهل يعتقد اليسار أنه قادر علي أستعادة مكانته السياسية عبر طرح فكري فات وقته؟إذا كان الطرح يعني دولة ديموقراطية علمانية للشعب الفلسطيني إلي جانب دولة إسرائيل,فنحن ندخل في طرح ضروري وواقعي ,لأن شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني لن تقبل أي شكل آخر للدولة الفلسطينية العتيدة,علي نسقدولةغزة مثلا..وتختار بالتأكيد أي خيار آخر إلا نظامغزستان.
حسنا.لاتريدون سماع شيء عن دولة يهودية…عواطفنا ومشاعرنا معكم.ولكن الواقع لم تخلقه العواطف,ولم تشكله المشاعر ,وأصبح الشيء الذي لانريد ذكر اسمه والإقرار بوجودهإسرائيلهو الأكثر حضورا,هو الأكثر قدرة علي فرض واقع شرق أوسطي لا يتلاءم مع تطلعاتنا,هو القوة القادرة علي فرض رأيها,وهو النظام الوحيد الذي يتمتع سكانهبما فيهم العرب الفلسطينيون في إسرائيلبحقوق سياسية ديموقراطية واسعة,وبتأمينات وضمانات اجتماعية وطبية راقية,وبنظام وحيد في الشرق الأوسط مبن علي مؤسسات مستقلة للحكم,وعلي رقابة مستقلة لإدارة شئون الدولة,واقتصاد متطور يتجاوز بقوته اقتصاديات كل الدول العربية المحيطة به,وعلوم وتكنولوجيا من أرقي المستويات في العالم,وقوة عسكرية ضاربة بأسلحة تقليدية وغير تقليدية….ربما مثل فكرة الدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين كانت أقرب للقبول في سنوات الثلاثين من القرن الماضي,ولكن منذ سنوات الثلاثين حدثت تطورات أضحت معها هذه الفكرة نوعا من التغطية علي الفكر اليساري الذي لم ينجح بأن يشكل البديل لأنظمة الفشل والفساد العربية,لأنظمة الطوائف الحديثة المتهاوية…
ليس موضوعي الآن استعراض التاريخ,غير أني استمعت إلي لقاء عبر قناة الكنيست الإسرائيلي,مع المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس,حول كتاب جديد أصدره,يكشف فيه وثائق مهمة عن حرب العام 1948,وعن ملابسات النكبة الفلسطينية,يفضح في الوثائق تعاون بعض الدول مع الوكالة اليهودية واتفاقهم معها علي تقسيم فلسطين وعندما اضطروا إلي دخول الحرب لم يهاجموا المستعمرات اليهودية.
لم أقرأ الكتاب بعد,ولكن من التفاصيل الصغيرة التي أستمعت إليها يبدو أن بعض حقائق النكبة الفلسطينية بدأت تتضح عبر الوثائق التي يكشف عنها في إسرائيل,وفي جذورها يتضح التآمر العربي علي الشعب الفلسطيني,ودور الاتفاقات السرية في تسهيل إقامة دولة إسرائيل والحقيقة الأخري أن الاستيطان اليهودي في فلسطين كان بتشجيع قيادات فلسطينية محلية ,وبتعاون وتغطية من أوساط فلسطينية,وجرت عمليات بيع مئات آلاف الدونمات من الأراضي منذ العام 1917,وتقدر المساحة التي نجحت الحركة الصهيونية في شرائها حتي العام 1936بـ1.7 مليون دونم-راجعوا كتابين مهمين ومؤلمين للقراءة للباحث اليهودي من جامعة القدس الدكتور هيلل كوهن,الأولعرب طيبونصدرت ترجمته بالعربية.والثانيجيش الظلالالذي آمل أن يترجم لتطرح الحقائق أمام الشعب الفلسطيني والشعوب العربية,وأعترف أنها حقائق مذهلة وغير قابلة للتصديق,وقراءة الكتاب الثاني كانت بالنسبة لي معاناة وتمزقا داخليا,ولكن حان الوقت لنعرف الحقيقة المرعبة والكاملة وراء نكبتنا,بما فيه دور قيادات وشخصيات فلسطينية مختلفة…عندما يطرح مشروع سياسي,مثل دولة ديموقراطية علمانية في فلسطين,يفترض أن الواقع السياسي جاهز للتعامل مع هذا الطرح.وأن الأزمة,في الواقع الإسرائيلي أيضا من الحدة,بحيث يبحث القادة الإسرائيليون عن مخرج لأزمتهم,لأزمة الكيان اليهودي.
ما أراه أن الطرح يقع في باب الانشغال بما هو غير قابل للطرح السياسي,إلا في أذهان مأزومة وتبحث عن مخرج من أزمة واقعها السياسي,وبتحديد شرعيتها السياسية بطرح جديدقديممغاير لما يدور التفاوض حوله اليوم.
حتي اليوم لم يقم نظام عربي واحد,يستحق الاحترام,الأنظمة العربية ينخر فيها العفن والفساد وتفتقد لكل أشكال إدارة الحكم الحديثة,دول دمرتها الديكتاتوريات العسكرية,شعوب عربية مقهورة ومقموعة,التنمية الوحيدة التي يمكن الإشارة إليها,هو تنمية القمع والسجون والمقابر الجماعية,وتحويل الإرهاب إلي المادة الخام الثانية في التصدير العربي بعد الإرهاب الأصولي.المجتمع العربي يزداد فقرا,البطالة وصلت إلي أرقام مذهلة,الأمر لايقلق الأنظمة,لأنها تعتمد علي البطش والسحل,حتي منظمة تحريرية في جذور نشأتها,مثل حماس في فلسطين,لبست قبعها ولحقت ربعها,وتضع بانقلابها وتصرفاتها مستقبل الشعب الفلسطيني علي كف عفريت.وما تطرحه حماس اليوم يرفضه معظم الشعب الفلسطيني,لاتطرح دولة ديموقراطية ولا أقول علمانية,الديموقراطية بالنسبة لحماس وكل المنظمات الشبيهة في العالم العربي,لها اتجاه واحد,الوصول إلي السلطة,ثم يقفل الباب وتستبدل بحكم الفقيه.الزهار قالها بوضوح,يريد دولة إسلامية في فلسطين وحاليا سيكتفي ببناء مجتمع إسلامي في غزة فهل كان بالصدفة سحل مواطنين مسيحيين في غزة وحرق كنيسة ومدرسة؟وكل تحركات حماس وقمعها لمنظمة فتح أيضا تصب في هذا الاتجاه.
إذن من بقي ليشتري فكرتكم الإنسانية عن دولة ديموقراطية علمانية في فلسطين؟الأمر الحاسم اليوم في جعل هذا المشروع قابلا للبحث,ليس الموقف الفلسطيني أو العربي,إنما الموقف الإسرائيلي.
هل تتوقعون أن تثيروا حماس إسرائيل لمثل هذا المشروع؟هل تتوقعون أن تثيروا اهتمام المجتمع الدولي بهذا الاقتراح الذي هبط عليكم بالأحلام؟وهل هناك قوة عربية قادرة علي جعل هذا الاقتراح قابلا لمجرد التداول السياسي؟وهل أخذتم باعتباركم الشروط المطلوبة الأولية لجعل هذا الطرح أكثر من مجرد توهج لايستمر لأكثر من لحظة في عمر التاريخ؟
هل هناك برنامج مطروح لشكل تركيب هذه الدولة ومؤسساتها المختلفة؟
الفكرة جميلة,إنسانية,ولكنها مجرد أضغاث أحلام,وأتمني لو كان واقعنا السياسي ملائما لمثل هذا الطرح.لتقم أولا الدولة الفلسطينية المستقلة,دولة ديموقراطية علمانية للشعب الفلسطيني,هذا هو الأمر العاجل والملح وغير القابل للتأجيل..علي الأقل هذا هو المطروح علي المدي القريب,ولنتجند كلنا لتنفيذ هذا الحلم القومي وحمايته من المغامرين.
المطروح اليوم ألا تضيع الفرصة مرة أخري,نتيجة الانقسام الكارثي الذي أوجدته حماس,والموضوع لم يعد حماس وفتح,إنما مصير الشعب الفلسطيني ومستقبله.
كاتب وإعلامي فلسطيني
[email protected]