بعد أن دشنت التظاهرات المليونية ثورة 25 يناير,عادت للظهور بشكل غير مسبوق المظاهرات الفئوية والتي كانت من أبرز المستجدات علي الشارع المصري في السنوات الأخيرة, وقبل 25 يناير وكان تمركزها في القاهرة غالبا عند مقر مجلس الشعب ومجلس الوزراء وفي المحافظات عند مقار الجهات التي يعمل بها المتظاهرون.
التظاهرات الفئوية
تزايدت بعد 25 يناير بل وشملت قطاعات لم نكن نتخيل أن تنضم إلي هذه المظاهرات مثل العاملين بالبنوك, العاملين بوزارة الصحة ,الشرطة, الاتصالات, المؤسسات الصحفية,العاملين بالمصانع الحربية وكأنها عدوي استشرت في المجتمع, فهل هذه المظاهرات فقط بسبب المطالبة بتعديل الأوضاع المادية أم تعبير أنه حان الوقت الآن للمشاركة لمن لم يشارك في مظاهرات ميدان التحرير.. أم لأن هناك إحساسا بالظلم وعدم المساواة داخل أماكن العمل وتفاوت في الأجور بشكل مستفز.. أم أنها كل هذه العوامل.. وهل هناك حلول لهذه الظاهرة؟
رأي عام
سألنا مواطنين من فئات عمرية متباينة عن رأيهم في المظاهرات أو الاعتصامات الفئوية وأسباب ظهورها وانتشارها من وجهة نظرهم.
وهل للتقدم في عالم الاتصالات والإنترنت والفيس بوك دور في تزايد هذه التظاهرات.
قالت أسماء جابر 23 سنة- تاريخ المظاهرات طويل وقد قرأت عنه لكني لم أعاصر إلا القليل منه,هو ليس جديدا علي المصريين ولكننا لا نلجأ له إلا عندما يطفح الكيل وتغلق كل الأبواب في وجوهنا لنعبر به عن حقوقنا المسلوبة ويعلو صوتنا ليسمعه المسئولون.
أما بيتر وليم29 سنة فيري:المظاهرات تفصح عن غضب يتملك النفوس من فترات طويلة بالفعل, وهي ظاهرة صحية قبل كل شيء فهي تؤثر إيجابا علي أصحابها حتي لو تم قمعها أو عدم تلبية مطالب أصحابها فيكفيهم المحاولة وإخراج الكبت, ولكنني أتمني أن نتظاهر بتحضر ويتعامل معنا رجال الأمن كذلك بتحضر
وعن دورالفيس بوكوغيره من المواقع ووسائل الاتصال الإليكترونية في التظاهرات يقول باسم جورج 47 سنة الفيس بوك موقع اجتماعي كبير ويجذب الشباب وغير الشباب وليس كما يعتقد الغالبية بأنه موقع شبابي فقط فلقد قرأت إحصائية حديثة تذكر أن أغلب الفئات انتشارا علي الفيس بوك من 35:45 أو ربما أكثر وليس من18 أو20 أو حتي 25 عاما ووجودنا في الميدان للدفاع عن حقوق تحملنا غيابها سنوات حتي اختنقنا دون أي اعتبار لكرامتنا ولتلبية مطالب رأينا أنها الأهم وكفانا استكانة, ومطالب الثورة كانت مطلب جموع الشعب وليس الشباب فقط.. اعترف أنهم كانوا شرارة الأحداث وبدايتها وكانوا الوقود الذي أمدنا جميعا كشعب بطاقة هائلة.. بينما ذكرت أمل عبد الغني34 سنة:الفيس بوك ليس بريئا أو مدانا وما هو إلا مرحلة من مراحل الثورة وعندما تم حجبه اعتقادا منهم أن الثورة ستخمد وتنتهي كانت الرسائلSMSوعندما قطعوا شبكات الاتصالات لم تتوقف الثورة بل كانت هذه المحاولات اليائسة من النظام إشارة واضحة لقرب نهايته.. في ثورة 1919 لم يكن لدينا هواتف محمولة أو حتي فيس بوك أو إيميلات شخصية وخرجت وقتها المرأة قبل الرجل لتطالب حقوقها كاشفة عن وجهها فخورة بمصريتها .
قال أحمد شوقي- من شرطة ميناء القاهرة الجوي حول مظاهرات الشرطة: لم تكن هذه هي المظاهرة الأولي كما يعتقد البعض فكلنا يعلم انتفاضة الأمن المركزي سنة1986 وما حدث هو خروج أمناء وأفراد الشرطة دون الضباط في البداية مجتمعين عند وزارة الداخلية مطالبين بتحسين ساعات العمل وزيادة الرواتب بعدما عانوا لسنوات من وزير لم يلتقوا به طوال سنوات وزارته وخدمتهم, بل كان يقلل من شأنهم إذ كان يقول مثلا: وزارتي تبدأ من رتبة الملازم, وكأن الأمناء والأفراد ليسوا رجال شرطة يسهرون ويحمون, كما طالبوا بأن يعالجوا بمستشفيات الشرطة ويكون لهم امتيازات كل رجال الشرطة, وبعدها خرج الضباط مؤيدين لموقف الأمناء والأفراد ومطالبين بالتعويض الأدبي لهم كشرفاء شوه النظام صورتهم وطمس الأشقياء منهم شرف المهنة, ولأن السيئة تعم سارت هي القاعدة وضاعت هيبتهم وهم الذين لم يتركوا أماكنهم بل وأنا أتحدث عن نفسي ضمنهم ,خرجنا إلي العمل ولكن دون ملابس رسمية حتي لانهاجم من المغرضين وأيضا ممن يريدون التشفي.. وأضم صوتي إليهم في ضرورة إلحاق العقاب بمن هاجم زملاءنا في بيوتهم وهم عزل وأجبروهم علي النزول إلي الشارع عراة ليذبحوهم أمام زوجاتهم وأبنائهم ,كما أتمني أن يظل الشعب مرحبا بوجودنا واثقا في تحقيقنا لأمنه وألا يخاف أحدنا الآخر.
مظاهرات التثبيت
وفي حصر دقيق لأهم مطالب هذه المظاهرات الفئوية كان المطلب الرئيسي لمعظم هذه المظاهرات تثبيت العاملين بعقود مؤقتة أو مكافآت وكان أبرزها في قطاعات الزراعة ,مصانع الغزل والنسيج,الاتصالات ,التربية والتعليم, هيئة البريد بفروعها.الصحة….
أما المطلب الثاني الذي كان أكثر شيوعا هو زيادة الأجور بما يتناسب مع غلاء الأسعار,وكان هذا المطلب أكثر ما يكون بين العاملين في المصانع ,الإنتاج الحربي ,عدد من الشركات التي أصبحت تحت قيادة غير مصرية مثل عمر أفندي وبعض مصانع النسيج وعمال المناجم في البحر الأحمر والسويس.
وكان المطلب الثالث الشائع في معظم هذه المظاهرات عدم التمييز في الأجر بل وتضييق الفجوة في الأجور حيث توجد مبالغة في أجور بعض القيادات وما يطلق عليهم المستشارين وكان هذا المطلب قد ظهر بوضوح في مظاهرات العاملين بالبنوك,والاتصالات ,ووزارة الإسكان.. ففي حديث مع إحدي العاملات بوزارة الاتصال قالت: أحصل علي مرتب5000 جنيه وهو مرتب جيد ولا أطالب بزيادة إلا في الزيادة الطبيعية التي ستقرها الدولة ولكن تظاهرت وزملائي لأن لدينا مديرين ومستشارين قفد يبلغ مرتب الواحد منهم 20 ألف جنيه وأكثر, ونفس السيناريو ذكره بعض موظفي البنوك الذين فوجئوا بإحضار مستشارين ليسوا من العاملين بالبنوك وإعطائهم مبالغ خيالية, ونفس الشيء في وزارة الإسكان فقد أقسمت إحدي الموظفات الكبيرات بالوزارة أن هناك مديرين يتقاضي الواحد شهريا أكثر من20 ألف جنيه.. بينما أعربت فئة من المدرسين الذين يعملون في عدد من المدارس بنظام المكافأة أن بعضهم لايزيد أجره في الشهر علي 150 جنيها.وأحيانا أقل وإذا اعترض أحد يمكن أن يتم الاستغناء عنه ولايستطيع أن يلجأ لأية جهة للشكوي فهناك من سيحل محله فورا لأنه يعملظهورات
البطالة
ولكن لماذا قبل كثير من المواطنين أصلا العمل بهذه الأجور المتدنية,كانت الإجابة من معظم من تحدثنا معهملابديلوللأسف كانت الصورة أكثر سوءا بالنسبة لكثير من المدارس الخاصة أو اللغات حيث إنهم وجدوا أن المدرس الذي يعمل بنظام عدد الحصص ومكافأة آخر الشهر أفضل حيث لايوجد التزام من إدارة المدرسة نحوهم بأي امتيازات بعكس المدرس المعين من قبل الوزارة والذي سيحصل علي جميع حقوقه وامتيازاته ولايستطيع أحد التحكم فيه,والغريب أن هناك عددا من هذه المدارس يستعين بمدرسين علي المعاش وذلك لخبرتهم التعليمية وعدم تذمرهم من الأجر.
علاج الأزمة
وفي تتبع لكيفية مواجهة أجهزة الدولة الرسمية لهذه المظاهرات الفئوية خاصة بعد 25 يناير حيث حاول أغلب المسئولين في تعاملهم مع تظاهرات العاملين في قطاعاتهم أن يكونوا أكثر إيجابية ووعدوا بالاستجابة للمطالب وإصدار قرارات في هذا الاتجاه فقد تم صدور قرارات بتثبيت الآلاف من العمالة المؤقتة في العديد من قطاعات الدولة خاصة الزراعة والمصانع وعدد من الشركات, بل وصدر قرار عام من وزير المالية بتثبيت من لهم أكثر من عام في أماكن عملهم وتجديد التعاقد لمدة عام لمن مر علي عملهم ثلاثة أشهر.
كذلك صدر قرار بزيادة المرتبات والمعاشات للمدنيين والعسكريين بنسبة 15% منذ أول أبريل القادم,وزيادة معاشات الضمان وضم آلاف الأسر إلي معاش الضمان, وعلي مستوي البنوك تم إلغاء التعاقد مع المستشارين الذين بعملون خارج البنوك والسؤال هل هذه الحلول كافية أم هي مسكنات؟! فأين الاعتمادات المالية التي تغطي كل هذه المطالب,وهل هذه القرارات الفورية لن تكون عبئا علي الاقتصاد المصري ستظهر آثاره علي مدي سنوات قادمة وذلك فقط لمجرد إطفاء الحرائق التي أشتغلت في كل مكان
وجاءت الإجابة من خلال رصد رسمي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للخسائر المحققة في ثلاثة قطاعات فقط في الدولة خلال فقط 9 أيام من يوم 28 يناير وحتي 5 فبراير الحالي.
البيان الذي أعلنه رسميا اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز وأهم ما جاء فيه بلغ إجمالي الخسائر 12 مليارا و900 مليون جنيه في قطاعات الصناعات التحويلية ,التشييد والبناء,السياحة, وورد في التقرير تفصيلات كثيرة منها أن أكثر المناطق المتضررة في إقليم القاهرة الكبري,ومدن القناة والإسكندرية وفي تحليل للدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة حول هذه الأرقام قال:
يوجد خسائر وهمية تمثلت في تراجع قيمة الأصول من مبان وعملة محلية ومقتنيات ذهبية وأسهم وسندات ,يمكن أن تعوض عقب عودة الاستقرار إلي الحياة في مصر.
أما الخسائر التي لايمكن تعويضها في قطاعات السياحة والصحة والتعليم والقطاع السلعي والصناعة والزراعة,ولأن الاقتصاد المحلي كان يعمل بنصف طاقته خلال 18 يوما بعد ثورة 25 يناير فإن الخسارة اليومية كانت 300 مليون دولار وبذلك فالنمو الذي كان من المتوقع أن يصل إلي6% وفق الحكومة السابقة سيهوي إلي3% مما سيزيد من البطالة بأعداد تصل إلي 250 ألف عاطل أي بنسبة1% وسيرتفع عدد المحتاجين إلي عمل من2.2 مليون عاطل إلي 2 مليون و450 ألف عاطل وهذا يلزم الحكومة الجديدة بتوفير وظائف حكومية حيث لايمكن الاعتماد علي القطاع الخاص.كما كشف تقرير حديث عن مؤسسة كريدي أجريكولأن تكلفة الخسائر في القطاعات الاقتصادية قد تصل إلي 40 مليار جنيه بعد إضافة التعويضات التي حددتها وزارة المالية للمتضررين والتي بلغت 5 مليارات جنيه,بالإضافة إلي تكاليف إعادة بناء المنشآت التي تم تدميرها في أحداث الثورة وعلي رأ سها أقسام الشرطة ومباني المحاكم والنيابات..
الانتظار
ومن وجهة نظر الدكتور صبري الشبراوي أستاذ الإدارة بالجامعة الأمريكية أنه يجب أن يكون هناك مناشدة للشعب حتي يهدأ وينتظر لمدة عام علي الأقل حتي يتم تعديل أحوال المعيشة ورفع المرتبات لجميع أفراد الشعب وليس لفئة بعينها وانتقد رغبة المواطنين في الحصول علي امتيازات سريعة في ظل ظروف التغيير الحالي حيث إن الثورة ستجتذب أموالا واستثمارات كثيرة من الخارج خلال الفترات المقبلة حتي يتم طبع أوراق مالية دون أصول فيتسبب هذا في ارتفاع الأسعار وبالتالي مزيد من الضعف الاقتصادي ,وهناك أمل كبير في عودة أموال الفاسدين من الجهات المالية في الخارج وسيتم بها إصلاح التعليم والبحث العلمي والعديد من هياكل الدولة ولابد من التحلي ببعض الصبر.
ديوان المظالم
أما عدد كبير من المثقفين ورجال الاقتصاد والحقوقيين فقد أكدوا أن الوقت قد حان لوجود جهاز أو جهة في الدولة مقسمة إلي تخصصات تغطي كل شرائح المجتمع يمكن أن يلجأ إليها المتضررون من العاملين سواء في الحكومة أو القطاع الخاص لتقديم شكوي جماعية ويتم الاستماع إليهم وتكون هذه الجهة هي المسئولة عن مطالبة أجهزة الدول المعنية بتنفيذ طلبات والتحقق من شكاوي المتضررين أي وسيط عادل بعيدا عن التظاهر في الشوارع والوعود المؤقتة.. وهي فكرة ما كان يطلق عليه ديوان المظالم.