لحظة في غاية السعادة حينما طرقت طفلتي باب التعليم وكلي حماس لأدفعها للتفوق عاما بعد العام… وبعد أن مر الشهر الأول من الفصل الدراسي بدأت طفلتي التي لم تبلغ الرابعة من عمرها في تعلم الحروف والأرقام وكلفت بواجبات منزلية. جلست جوارها حتي تنهي واجباتها, وإذ بي دون أن أشعر أمارس ضغوطا عليها وأقوم بالصراخ في وجهها كلما ارتكبت خطأ صغيرا أو لم تكتب بالسرعة التي أريدها. في تلك اللحظة ظهرت علامات التوتر والفزع علي وجه صغيرتي فتوقفت سريعا, وتساءلت : ما الذي أفعله بطفلتي ولماذا؟ حتما ستكره المذاكرة إذا استمريت في هذا, فهي صغيرة جدا علي كل هذه الواجبات. أسرعت بالاستعانة بالمتخصصين فتحدثت إلي الدكتور ماهر الضبع أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية ففجر في وجهي هذه المفاجأة.
أطفالنا في سن الرابعة والخامسة يجب فقط أن يلعبوا ويغنوا ويمرحوا وينطلقوا ليعيشوا طفولتهم, وعلينا أن نخفف من جو المذاكرة والحفظ والواجبات المدرسية والامتحانات أو أي شئ من هذا القبيل. لكون الوقوع في مثل هذه السلوكيات يعد جريمة تسرق مرحلة الطفولة من صغارنا.
ففي هذه المرحلة يحتاج الطفل لمتابعة سماته الشخصية وتنمية مهاراته وزيادة ثقته بنفسه وعلي أولياء الأمور ملاحظة ما أن المدرسة تثقل هؤلاء الصغار بهذه المسئولية من عدمه وفي حالة فرض ضغوط من أعباء يتحملها أطفالنا عن طاقتهم فيجب التوجه للمدرسة ورفض ذلك, بل المطالبة من المدرسة القيام بدورها التربوي تجاه هؤلاء الصغار من بناء شخصيتهم وإثقالهم بأمور تعليمية تسيطر من خلال اللعب والأغاني, فالعالم المتقدم كله يعامل الأطفال تحت سن الخامسه والنصف بهذه الطريقة ولم يكبلهم لا بالجمع ولا بالطرح ولا الإلزام بالواجبات المنزلية, وإنما ترك المساحة لديهم للاستمتاع بطفولتهم.
أما عن خوف أولياء الأمور بأن تجنب طفلهم لتلك الأعباء التعليمية المبكرة قد يقلل من مستواه التعليمي عن باقي أقرانه في الفصل مما يفقده ثقته بنفسه, فهذا الأمر غير صحيح ليكون الطفل في هذه المرحلة ليس لديه القدرة علي المقارنة بين مهاراته أو قدراته أو مستواه مع زملائه. إلا بتخطي سن الثامنة والتاسعة من عمره. محذرا خطأ وقوع بعض الأمهات في مقارنة أبنائهم مع من هم في ذات أعمارهم في محيط العائلة والانصياع وراء حجج واهية غافلين ما هو أهم من ذلك بكثير وهو تنمية مهارات الطفل الحياتية وإمتاعه ودفعه للانطلاق والاستكشاف. فأقران الطفل يدفعه للملل بالمذاكرة, في حين أن التعامل بمرونة مع الطفل في مسألة المذاكرة تحديدا سيجعله أكثر قدرة علي التجاوب وتفضيل المذاكرة ولا سيما عندما يصل للسن المناسبة وهو بحد أدني خمس سنوات ونصف. بعدما أصبحت لديه شخصية أكثر نضوجا من ذلك الطفل الذي ألزم علي المذاكرة مبكرا.
اتفق مع الرأي السابق الدكتور فيكتور سامي رئيس قسم الأمراض النفسية والعصبية بجامعة المنوفية مؤكدا علي الفشل التربوي الصريح في التعامل مع صغارنا داخل مدارسنا لكونهم يحتاجون إلي التعلم باللعب فلا مانع من أن تذهب بهم إلي حديقة الحيوان لتستمتع معا بالحيوانات الموجودة وأهم سماتها, أو أن نجعلهم يشاهدون عرضا للدرافيل لتزودهم ببعض المعلومات عن الحياة البحرية إلي جانب مجال الاستكشاف من خلال الألعاب والصلصال والطين والتلوين.
وهذا بالطبع بخلاف ما يحدث علي أرض الواقع والاكتفاء فقط بحشو دماغه. دون أن يعوا أن الطفل في هذه المرحلة في حاجة ماسة إلي الإحساس بالأمان والثقة بالنفس ولا يحتاج للحفظ والمذاكرة ولا لإرهاب المدرسين.
ويضيف د. فيكتور سامي قائلا: إنه لحين وصول الطفل إلي السن المناسبة للمذاكرة يجب علينا أن نحترم ضعفه ونشجعه دون لوم أو عقاب, والإدراك بأن مالا يستطيع الطفل تحصيله وإنجازه هذا العام سيحصله وسيدركه العام المقبل. كذلك يجب أن تتم المذاكرة بطريقة محببة دون إرهاب بالتشجيع وبالمكافآت حتي لا يصبح ذو شخصية مهزوزة فعلي الأم أن تبذل مجهودا مع طفلها لكي تجعله يحب المذاكرة مثلما تفعل لكي يأكل أو يشرب…. وأن تعي جيدا أن لديها رأسمال كبير مهمتها الأولي في الحياة تربيته بنجاح علي كافة المستويات إلي جانب المتابعة مع مدرسة الفصل مستواه التعليمي في حدود قدراته وعن سماته الشخصية وسلوكياته, من أجل مساعدته علي استيعاب ما هو صعب لديه بالتكرار وشرح ما يريده مرة وعشرة وبود واهتمام وهدوء.
توجهنا بالسؤال إلي إحدي معلمات رياض الأطفال فقالت: عدم إلزام الطفل بالمذاكرة والحفظ في هذه المرحلة شيئا طبيعيا, وما نفعله مع الأطفال خطأ. لكننا نمهده لدخول المدرسة ونعمل علي تدراك ذلك من خلال تعلمهم الأشياء باللعب وبالأغاني فمن خلالها يستطيع الأطفال أن يستوعبوا أفضل وأسرع. أما بالنسبة للواجبات المدرسية التي نكلفهما بها في المنزل فهي قليلة وأي شئ يؤديه الطفل ويكتبه في كراسته من الواجبات حتي ولو لم يتعد السطرين من صفحة كاملة أو صفحتين فلا نعلق عليه بالسلب بل نصححه ونميزه من خلال إعطائه نجمة و اسيتكر دون أن يشعر أنه لم يكتب كل واجباته. أو أن أحد زملائه كتب أفضل منه. كذلك نركز علي أن يستوعب الأطفال جميعا ما يشرح لهم ولكن إن وجدنا أن طفلا قدراته لا تسمح أو رغباته ليست في هذا الإطار فلا نضغط عليه ولا نشعره أن لديه مشكلة. لنتدارك مشكلة التعليم المبكر للأطفال.
إذا كان نظام تعليمنا المتردي يجعل الأطفال يتعلمون في سن ثلاث سنوات ونصف وهم غير مؤهلين فيجب أن نرفق نحن بهم, فسلامة شخصياتهم أهم من العلم.