صحيح أن الحرب ضد الإرهاب لم تأت أكلها كما يجب, بدليل التقرير الأمريكي الخاص حول الموضوع لعام 2006 والذي أشار إلي تزايد عمليات الإرهاب حول العالم في هذا العام مقارنة بالعام السابق له ووصولها إلي 14338 عملية, استهدفت 74543 مدنيا وأوقعت 20498 وفاة. وهناك ملاحظة جديرة بالتأمل, ولا يمكن التشكيك فيها, وهي أن المشهد العام منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 قد تغير كليا.
فقبل هذا التاريخ كانت رؤوس الإرهاب وتنظيماته تسرح وتمرح دون حسيب أو رقيب. أما بعده, فأصبحت في دائرة الرصد والمتابعة من قبل سائر أجهزة المخابرات ضمن عملية تعاون وتبادل محكم للمعلومات, الأمر الذي ساهم في اصطياد العديد من رؤوس الفتنة وعشاق الدم أو إحباط مخططاتهم الإجرامية قبل تنفيذها.
ولعل ما يدلل علي صحة هذا هو أنه لم تعد هناك اليوم دولة طالبانية تحتضن الإرهابيين وتوفر لهم المأوي والدعم, بل إن رموز هذه الدولة, وعلي رأسهم زعيمها الملا محمد عمر, يعيشون في كهوف معزولة في أفغانستان أو باكستان. كما لم يعد هناك شخص متوحش مثل زعيم ##قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين## أبو مصعب الزرقاوي الذي تمت تصفيته في يونيو 2006, من بعد أن شوه صورة المسلمين, وبطريقة لم يفعلها حتي أشد الناس عداء للإسلام. وبالمثل لم تعد هناك حرية لأشخاص من أمثال المتطرف اللبناني ##عمر بكري فستق## أو الأردني ##أبوقتادة## لنشر سمومهم وتلويث عقول بسطاء المسلمين في المهجر البريطاني, من بعد أن قررت لندن عدم السماح بعودة الأول إلي أراضيها, وتقييد حرية الثاني باعتقاله.
يقظة وتعاون المجتمع الدولي ساهمت كثيرا في إبطال مخططات الإرهابيين الدموية, فالإرهاب محاصر من كل الزوايا وأن الأعين مفتوحة عليه علي مدار الساعة.
ومن الأدلة الأخري مقتل المدعو ##قذافي جنجلاني## في يناير 2007 ولحاقه بشقيقه ##عبدالرزاق جنجلاني## مؤسس حركة ##أبو سياف## الفلبينية والتي قامت ما بين عامي 2002 و2009 بعمليات إرهابية تراوحت ما بين الخطف والقتل والاحتجاز والابتزاز وقطع الطرق باسم الدفاع عن حقوق مسلمي الفلبين.
إلي ذلك صار أحد أكبر المطلوبين للعدالة في العالم, ونقصد به الإندونيسي رضوان عصام الدين الملقب بالحنبلي, والذي وصفته مجلة تايم بأنه ##بن لادن الشرق الأقصي## كناية عن وقوفه وراء محاولة تفجير عدد من طائرات الركاب العابرة للمحيط الهادي, ناهيك عن دوره في توفير الملاجئ وتنظيم السفر لاثنين من المشاركين في أحداث 11 سبتمبر, ولواحد من المشاركين في إصابة المدمرة الأمريكية ##كول## في عدن في عام 2000 وتخطيطه لاغتيال ##ميجاواتي سوكارنو بوتري##, صار نزيل معتقل جوانتانامو الأمريكي منذ اعتقاله في 14 أغسطس 2003 علي يد قوات الشرطة التايلاندية وتسليمه مخفورا إلي الأمريكيين.
والشيء نفسه تقريبا ينطبق علي الإرهابي الخطير الآخر الذي وصف بأنه كان العقل المخطط لهجمات 11 سبتمبر, ونقصد به البلوشي أصلا والكويتي نشأة ##محمد شيخ خالد##, والذي اعتقلته باكستان في مارس 2003 وسلمته إلي الأمريكيين ليعترف لهم بضلوعه في التخطيط لأعمال قذرة عديدة.
إن يقظة وتعاون المجتمع الدولي وكفاءة مخابرات الدول المتقدمة ساهمت كثيرا في إبطال مخططات الإرهابيين الدموية. ففي باكستان التي تعتبر ساحة للإرهاب بسبب روح التشدد التي سرت في جسدها منذ انغماسها في حرب الجهاد الأفغانية, سقط زعيم حركة طالبان/باكستان ##عبدالله محسود## في عام 2007, وتلاه في عام 2009 خليفته ##بيعة الله محسود## (المتورط في اغتيال بي نظير بوتو عام 2007 والتخطيط لسلسلة من العمليات الانتحارية في عام 2009 ) بفضل ضربات صاروخية أمريكية علي معاقل الحركة في إقليم وزيرستان.
وفي إندونيسيا التي ابتليت بالجماعة الإسلامية بقيادة رجل الدين المتشدد ##أبوبكر باعاشير##, تمكنت قوات الأمن بعد عمليات بمساعدة استخباراتية إقليمية من تحديد أسماء الإرهابيين الضالعين في مجزرة بالي في أكتوبر 2002 , والتي راح ضحيتها 202 مواطن وسائح أجنبي, وأسماء الضالعين في سلسلة من أعمال تفجير الفنادق العالمية في جاكرتا في 2003 و.2005 وهكذا تم في نوفمبر 2005 قتل الإرهابي الماليزي ##أزهري حسين##, الذي ظل طويلا علي قائمة المطلوبين, كما تمت محاكمة الإندونيسيين الثلاثة المتهمين بارتكاب مجزرة بالي (عمروسي وشقيقه مخلص وإيمان سامودرا) وصدر حكم بإعدامهم, وهو ما نفذ في نوفمبر .2008
وفي بنجلاديش, تمكنت السلطات في 2005 من القبض علي 45 مشتبها في مناطق متفرقة بعيد وقوع 350 تفجيرا متزامنا في عدد من المدن, وخلفت هذه التفجيرات وراءها عددا كبيرا من القتلي والجرحي. وفي 30 مارس 2007 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في ستة متهمين بارتكاب تلك الجريمة كان من بينهم زعيم جماعة ##جاجراتا## المتشددة ##بنجالا باي## وشايق عبدالرحمن الزعيم الروحي لجماعة المجاهدين.
أما في السعودية, التي باتت هدفا أساسيا للمجرم بن لادن وأتباعه, فقد تمكنت الأجهزة الأمنية في السنوات القليلة الأخيرة من القبض علي المئات من الإرهابيين, ناهيك عن نجاحها في إحباط العديد من عملياتهم الإجرامية مثل عملية 20 فبراير 2006 التي كانت تستهدف منشآت نفطية في بقيق. وفي اليمن المجاورة تمكنت السلطات من اعتقال الإرهابي المصري الجنسية ##أحمد بسيوني دويدار## أو العقل المدبر لثلاث هجمات انتحارية إحداها ضد سياح غربيين في مأرب في يوليو .2007
وفي بريطانيا المنعوتة بالمرتع الأكبر في أوربا للإرهابيين بفضل تساهل حكومتها أولا, ثم بفضل وجود بريطانيين كثر من ذوي الأصول الباكستانية ممن يترددون علي وطنهم الأم ويستقون منها مفاهيم الجهاد والتطرف ثانيا, فككت المخابرات عشرات الخلايا الإرهابية قبل إقدامها علي أعمال تفجير الطائرات وصنع القنابل وضرب المعالم السياحية, واعتقلت عناصر مهمة ضمن تلك الخلايا ممن ثبت اتصالهم بتنظيم ##القاعدة## أو بتنظيمات إسلامية متطرفة في أوربا ولاسيما في ألمانيا التي قدمت مخابراتها مساهمات فعالة في إلقاء القبض عليهم علي ضوء ما توصلت إليه من نتائج في أعقاب تحقيقاتها في عام 2007 حول أكبر مخطط إرهابي كان يستهدف مواطنين أمريكيين في الذكري السادسة لهجمات 11 سبتمبر.
والحقيقة أن نظرة تأمل لما حدث خلال شهر سبتمبر الماضي فقط, يكفي للقول بأن الإرهاب محاصر من كل الزوايا وأن الأعين مفتوحة عليه علي مدار الساعة. ففي سبتمبر حققت إندونيسيا نجاحا باهرا آخر بقتلها للمجرم الماليزي المراوغ ##نور الدين محمد توب##, الذي ظل مطاردا لسنوات طويلة. وفيه أيضا أحبطت السعودية عملية مبتكرة لاغتيال مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف. وفي منتصفه أعلن الأمريكيون أنهم قتلوا في غارة جوية في الصومال أحد الإرهابيين المطلوبين لديها (صالح علي نبهان) لدوره في تفجير فندق في مومباسا في عام .2002 أما في أواخر الشهر ذاته, فقد تمكنت السلطات الأمريكية من إحباط محاولتين إرهابيتين: الأولي كان يفترض أن ينفذها مهاجر أفغاني في نيويورك, والثانية كان يفترض أن ينفذها شاب أردني في دالاس عبر استهداف ناطحة سحاب بسيارة مفخخة. إلي ذلك قيدت باكستان في سبتمبر تحركات حافظ محمد سعيد مؤسس جماعة عسكر طيبة المسئولة عن هجمات بومباي 2008 الدموية.
مفكر وأكاديمي متخصص في الشئون الآسيوية