المراكز الطبية بين الطابع الروحي وخدمة المجتمع
لا جدال في أن ثمار التنمية المجتمعية حاليا تعد قاسما مشتركا ما بين دور الأجهزة المحلية وفاعل الدور المدني..ويؤكد الكثيرون بأن الفكر التنموي التصق أساسا بالطابع الروحاني للخدمات الكنسية منذ القرون الأولي للمسيحية بصفة عامة وجذوة الحياة الرهبانية بصفة خاصة,والتي أصطبغت خدماتها للمجتمع بالبذل والعطاء طاعة وتقربا ونذرا للرب,وبدا ذلك أكثر وضوحا وجلاء في مجال الخدمات الصحية والتي اضطلعت بدوريها الكنائس والإيبارشيات من منظور المباديء الإنجيلية..رأينا في متابعتنا رصد بعض هذه الخدمات التي تؤديها ثلاثة مراكز نالت استحسانا لدي مواطني أسيوط في هذا المجال..ورابعها يفضل القائمين بالخدمة في إطار الابتعاد عن الأضواء . قمنا بزيارة بيت رهبانية المحبة لراهبات الأم تريزا بموقعه بحي السادات,ثم المستوصف الإنجيلي بموقعة بمبني الكنيسة الإنجيلية الأولي بحي غرب,وأيضا مستشفي سانت ماريا بحي شرق ثم مستشفي رئيس الملائكة التابع لمطرانية أسيوط للأقباط الأرثوذكس.
بيت رهبانية المحبة:
00 عندما طرقت الباب الخارجي لمقر رهبانية المحبة بحي السادات والمكون من ثلاثة طوابق لأنتظر إذنا بالدخول..توقفت طويلا وانبهارا أمام صورة تلك العجوز ذات الملامح الوديعة اللامعة والوجه المشع بالضياء الروحاني..حيث يعد هذا المقر الذي يشرف عليه مطرانية الأقباط الكاثوليك ويخدم أهالي الصعيد من بني سويف حتي أسوان واحدا من أربعة مقار في مصر أحدها في المقطم والآخر في حي الفجالة بالقاهرة والثالث في الإسكندرية.
تلك العجوز التي أطلت علينا سيرتها من الهند وطاف عطاؤها وخدماتها حول العالم..بثوبها الأبيض الذي أصبح من علامات رهبانيتها ذي الإطار الأزرق وشارة الصليب علي الكتف الأيسر طافت لكي يجد أفقر الفقراء والمنبوذون والمشردون وأولئك الذين يعتبرهم المجتمععبئافي مقر رهبانيتها ملجأ لهم…
فتحت لنا أثنتين من الراهبات الهنديات من ضمن 6 راهبات إحداهن إفريقية لتأذن لنا بالدخول للبيت الذي يتسم بالنظافة الشديدة والبساطة قالت إحداهن وتدعي سيرانيسكاوهي تتحدث بصوت خافتولكنهمصرية متقطعة ده هو اسمي ومعناه القديسة تدربنا علي خدمة أفقر الفقراء والمنبوذين لمدة خمس سنوات في الهند وجئنا إلي أسيوط عام ..1985بنقبل رعاية السيدات والأطفال بعد فحص الحالات بدقة..عندنا 15 سيدة من كبار السن لايوجد لهم أقارب أو أولاد..عندنا 15 حالة إعاقة وتخلف وعندنا 6 أطفال مفيش البابا والماما بتاعتهم …وكأسرة واحدة بنقوم برعاية الجميع وغسل ملابسهم ونظافتهم أضافت:بنراعي في خدمتنا أن نعمل كل شيء بأيدينا دون استخدام الأجهزة الكهربية أو الحديثة,أحيانا بيودع طرفنا طفل أو سيدة لفترة محددة ثم يتحول للمعيشة مع أقاربه.
وعن هدف قبولها لهذه الخدمة الشاقة قالت: دي دوافع إنسانية روحانية لأن أحنا قدمنا حياتنا لربنا ولنذر الرهبنة,ولنا برنامجنا الروحي اليومي ومواعيد الصلاة ونؤمن كتعاليم رهبانية المحبة والأم تريزا بأننا نصنع هذا لكي يري الناس وجهة الرب فينا ويري الآخرون هذه الصورة من خلال الأعمال الصالحة.
المستوصف الإنجيلي..سمعة طيبة:
وداخل المستوصف الإنجيلي للكنيسة الإنجيلية الأولي بأسيوط والذي يعد أول المستوصفات الخيرية التي قدمت خدمتها الطبية بحي غرب أفقر الأحياء في مصر,والذي يبدو واضحا من مظهر البيوت والأزقة بالحي..التقينا بالشيخ سمير فهمي والشيخ فؤاد حنا بشتا المسئولين عن إدارة المستوصف قالا:إنشاء هذا المستوصف بدأ بفكرة القس باقي صدقة راعي الكنيسة قال:ليه مايكونش فيه خدمة صحية للفقراء بالحي رغم أن فكر خدمة الفقراء كان ضمن خدمتنا الأصيلة لأهالي الحي وتم الإعلان عن مشروع إنشاء المستوصف وبدأنا العمل في 23 مايو سنة 1983 في بدروم الكنيسة والتي يرجع تاريخ إنشائها إلي عام 1897 وهو مبني قديم وغير مستغل كانت البداية بسيطة للغاية بدأنا ومعانا إتنين طبيب وغرفة وكان يأتي إلينا ما بين 4,3 موظفين للفحص يوميا وكان سعر الكشف وقتئذ 50 قرشا ولم يكن لدينا سوي السماعة والسرير ثم بدأنا في تجهيز ثلاث غرف وصالة للانتظار وكان سندنا الوحيد في ذلك أن الله معنا وأن دورنا الإنساني يتفوق عن الإمكانيات والتجهيزات الحديثة…بدأ ينشط العمل شيئا فشيئا عندما عكف الأطباء علي زيارة المرضي وتقديم خدمة الفحص والعلاج في المنازل وبعد كده بدأ أهل الحي باختلاف عقائدهم ونوعياتهم يتوافدون إلي المستوصف وتم توفير غرف لأقسام الباطنة والأطفال والأنف والأذن والأسنان والعظام..وفي سنة 1987 افتتح المعمل المجهز الذي أصبح علامة رئيسية في خدمة المستوصف.
أخذنا عهدا علي أنفسنا أن نستقبل الناس بكل احترام ومحبة وأن نكتفي بمقابل بسيط جدا للخدمة وأحيانا نقدم العلاج بدون مقابل عندما يتوافر لدينا عينات من الأدوية ترسلها لنا بعض الشركات..شعرنا باستحسان الناس وأصبح لنا سمعة طيبة إذ أصبح المستوصف يستقبل ما يقرب 160 ألف حالة سنويا وأصبحت الخدمة غير قاصرة علي حي غرب الفقير بل أتي المرضي من أماكن بعيدة وهم يشهدون بأنهم يجدون الراحة والسلام في هذا المكان,وأننا من جهتنا نعتبر المستوصف الخيري قطعة من الكنيسة وليس مؤسسة منفصلة,وأصبحنا نقوم باستدعاء الأطباء من أبنائنا للحالات الطارئة وأخذ عينات الفحص بالمعمل في منازل المرضي غير القادرين علي الذهاب للمستوصف وأصبحت قيمة الفحص لاتزيد عن 10 جنيهات أحيانا يسددها المريض له ولفحص أسرته أيضا.
شهد بذلك الأستاذ الدكتور أحمد فايد أحد أساتذة جامعة أسيوط وله عيادة بنفس الحي بالقول:أنا لا أهنئكم علي المكان الذي يفوق الخمس نجوم ولا العمل المنضبط الذي يشهد له الجميع لكن أهنئكم علي المعاملة الحسنة التي تتميزون بها بين أهالي الحي..أضاف :وهذه شهادة نعتز بها..أشار بالقول بأن طاقم الأطباء والمساعدين والفنيين يعلمون أنهم يقدمون الخدمة لربنا وليس من أجل الكسب وده يعطي معني آخر سواء في استقبال والتعامل مع المرضي أو كتابة الروشته الطبية أو المتابعات أو متابعة الإسعافات والجروح والحروق…
مستشفي سانت ماريا..الكنيسة والأزهر:
00 وفي مستشفي سانت ماريا بشارع الجمهورية بحي شرق إلتقيت بالأستاذة الدكتورة مديحة محروس أستاذ التحاليل بجامعة أسيوط والمشرفة علي المستشفي التابعة لدير العذراء المحرق العامر قالت:جاءت فكرة سيدنا الأنبا ساويرس أسقف ورئيس الدير لإنشاء هذه المستشفي للخدمة العامة مستندا إلي لائحة الدير والتي تنص علي إمكانية إنشاء المستشفيات والمدارس والملاجيء لخدمة البيئة المحيطة..في الأساس برزت خدمة المستشفي لخدمة الرهبان ورجال الدين بصفة عامة الإسلامي والمسيحي طبعا بجانب الفقراء والمعوزين من كل الطوائف..أضافت نقدم خدمات الفحص الطبي المجاني وإجراء التحاليل والأشعات اللازمة وأحيانا إجراء العمليات الجراحية وأحيانا بيلتزم المريض بسداد ثمن الأدوية والمستهلكات..
افتتحت المستشفي عام 1992م بعد تجهيزها لتخدم أعدادا كبيرة من المرضي ليس فقط من مدينة أسيوط ومراكزها بل الأكثر من جنوب الصعيد ولاتفرض دخول حالات إصابات الطرق والحالات الحرجة ..حاليا لدينا 7 غرف عمليات ومعمل تحاليل مدعم بأحدث الأجهزة..إضافة إلي كل التحصصات المتاحة 24 ساعة متصلة..
وعن الاختلاف بين هذه المستشفي ومستشفيات وزارة الصحة والجامعات قالت: طبعا الأسعار رخيصة جدا..وغرف العمليات بالمستشفي مفتوحة لجميع الأطباء لاستقبال الحالات الخاصة بهم وأحيانا بناء علي طلب مرضانا نستضيف أساتذة كبارا من جامعة أسيوط وأعضاء هيئة التدريس لإجراء الجراحات ومتابعة الحالات..وتجهيزات المستشفي أعتقد أنها أعلي بكثير من المستشفيات العامة لأن سيدنا نيافة الأنبا ساويرس يحرص علي دعمها بأحدث التجهيزات الفنية وأضيف إليها مؤخرا المنظار الجراحي كارستورزوجهاز أشعة القلب ورسم المخ..وعناية مركزه للقلب وللأمراض العصبية..
أضاف الراهب باخوميوس وكيل الدير المحرق بالقول:سيدنا بصدد تزويد المستشفي بأجهزة غير متوافرة بمستشفيات الصعيد مثل جهاز تشخيص الأورام بدون جراحة كما أننا نتعاون مع كل الآباء الأساقفة والكهنة ومختلف الإيبارشيات ..وأيضا الشيوخ الأفاضل للأزهر والأوقاف..يكفينا خطاب مختوم من أي هذه الجهات لعلاج الشخصيات الدينية ومرضاهم بدون مقابل بل ونتكفل بمصاريف العلاج والجراحة والمستلزمات الطبية.
أضاف:يدخل المستشفي 190 مريضا يوميا بالقسم الخارجي و20 حالة بالقسم الداخلي ولو دخلت المستشفي في أي وقت تشعر بأنها مستشفي إسلامي أكثر من إنها مستشفي تابعة لدير العذراء المحرق لزيادة عدد روادنا من الأسر المسلمة..
مستشفي رئيس الملائكة..وخدمة التكريس:
00 سعينا في زيارتنا لمستشفي رئيس الملائكة التابعة لمطرانية أسيوط للأقباط الأرثوذكس للقاء قدس أبينا ثاؤفيلس كاهن بمطرانية أسيوط وعضو مجلس إدارة المستشفي..
قال:أنشئت مستشفي رئيس الملائكة بحي النميس ببركة صلوات نيافة أنبا ميخائيل مطران أسيوط وذلك بعد ازدهار خدمة مستشفي الإنسانية والتي تخدم وسط حي السادات والمحطة منذ التسعينيات وأضاف والمستشفي منذ إنشائها عام 2000 تسعي جاهدة لتقديم خدمة طبية متميزة في جميع التخصصات ,كما تسعي لتطوير الخدمة داخل الأقسام ورغم موقع المستشفي بحي شرق إلا إنها تخدم نسبة كبيرة من الطبقات الفقيرة بحي غرب…نختار أطباءنا بحرص علي طابع المستشفي الإنساني الخدمي وروح السيد المسيح في الإيمان العامل بالمحبة..والدليل علي الخدمة الطبية المتميزة زيادة عدد المرضي بصورة كبيرة مع تزاحم المرضي في المستشفيات العامة والجامعية نؤدي دورا لايمكن إنكاره للمرضي الوافدين بصورة كثيفة من جنوب الصعيد.. وتقدم المستشفي خدماتها في التخصصات المختلفة للأسر المسيحية والإسلامية ويمكن لأي زائر للمستشفي ملاحظة ذلك الأمر بوضوح عند غرفة حجز التذاكر..
إحنا بقدر الإمكان نلتزم برعاية الفقراء خاصة بالنسبة لأسعار الكشف..دخل حديثا ضمن طاقم العمل بالمستشفي عدد من الأخوات المكرسات لمجالات الرعاية والتمريض وذلك كما يؤكد المرضي أضفي طابعا روحانيا للخدمة ومعاملة المرضي وحسن استقبالهم..يدخل المستشفي يوميا قرابة 125 حالة..بجميع التخصصات..