إذا كنتم تعتقدون أن مبلغ الستة تريليونات دولار أو أكثر الذي خصصته الحكومات حول العالم هذه السنة لدعم بنوكها المترنحة سوف يحل كل شيء, فمن الأفضل أن تعيدوا النظر. فبينما تستمر الأزمة المالية في التوسع باتجاه الاقتصاد ##الحقيقي## وتدفع مزيدا من البلدان نحو الركود, يصطف عدد متزايد من الصناعات للحصول علي حصته من المساعدات. والأسبوع الماضي, كان دور شركات السيارات حيث يناقش الكونجرس الأمريكي (وعلي الأقل في الوقت الراهن, يرفض) ضخ 25 مليار دولار علي الفور في الشركات الثلاث الكبري لتصنيع السيارات في ديترويت. طلب صانعو السيارات الأوربيون مساعدة بقيمة 50 مليار دولار وأقرت أستراليا رزمة مساعدات بقيمة 2.3 مليار دولار وحتي صانعي السيارات الصينيين الذين صدمهم التراجع في الصادرات وفي نمو المبيعات المحلي مع ظهور فرط جديد في الطاقة, توسلوا المساعدة من بيجنج. وقد تضاف هذه المساعدات إلي مبلغ الـ70 مليار دولار أو أكثر الذي وعدت الحكومات بمنحه لصانعي السيارات أو تفكر في منحه لهم لمساعدتهم علي ##إعادة تجهيز وتنظيم المصانع## من أجل صنع سيارات أكثر فعالية في استهلاك الطاقة.
لكن خلافا لخطط الإنقاذ المالي للبنوك التي كانت ضرورية للحيلولة دون انهيار القطاع المالي العالمي, وتتحول مساعدة صناعة السيارات بسرعة إلي سباق قديم الطراز للحصول علي الإعانات الحكومية. سوف تخفف المساعدات من المعاناة ــ وهذه حجة يسهل الدفاع عنها نظرا إلي حجم الصناعة وسلاسل العرض واسعة الانتشار في هذا القطاع والوضع الاقتصادي الذي يتفاقم بسرعة ــ إنما علي حساب ترسيخ المشاكل التي تعانيها الصناعة والقائمة قبل وقت طويل من اندلاع الأزمة, والتي فضحها الاضطراب الاقتصادي الأخير وزاد من حدتها. لقد ولدت الضربة الثلاثية المتمثلة بارتفاع أسعار الوقود وأزمة القروض ومن ثم الركود, الانقباض الأكبر في الطلب منذ عقود. ففي أكتوبر, تراجعت مبيعات السيارات 32 بالمائة في الولايات المتحدة و15 بالمائة في أوربا مقارنة بالشهر نفسه عام .2007
بينما تحد البنوك من القروض التي تمنحها وذلك بهدف إعادة بناء ميزانياتها العمومية, تواجه الشركات وممولوها صعوبة في إيجاد الأموال والتأمين الائتماني من أجل تمويل عملياتها. ونظرا إلي كل هذه المشاكل, قلة من المشرعين صدقوا الرئيس التنفيذي لشركة ##جنرال موتورز##, ريك واجونر, الثلاثاء الماضي عندما قال أمام أعضاء الكونجرس إنه يحتاج فقط إلي ##قرض قصير الأجل## كي تتمكن شركته من تجاوز الهبوط الموقت في الطلب. تتوقع شركة ##جيه دي باور## العالمية للمعلومات عن التسويق ##انهيارا تاما## في مبيعات السيارات العالمية سنة 2009, مع توقع بعض المحللين انخفاض المبيعات الأمريكية بنسبة 30 بالمائة العام المقبل تضاف إلي الهبوط المسجل هذه السنة. وبما أن التساهل في منح الائتمانات للمقترضين ذوي المخاطر العالية ولد فقاعة في قروض السيارات تكاد تضاهي فقاعة الرهون العقارية (وليس فقط في الولايات المتحدة), قلة من المحللين يتوقعون عودة المبيعات في الولايات المتحدة وأوربا إلي المستويات التي كانت عليها قبل الأزمة في وقت قريب, حتي ولو كانت مصانع السيارات الجديدة التي لاتزال قيد البناء تفاقم الفائض الإنتاجي. والنتيجة هي أن فائض الطاقة العالمي قد يصل إلي 30 بالمائة أو 29 مليون سيارة سنة .2009
في هذا المناخ, يخشي الصانعون الأوربيون والآسيويون أن يواجهوا صعوبة أكبر في التنافس مع صانعي السياسات الذين يلقون حظوة لدي الحكومات. في ألمانيا, دخلت شركة ##أوبل## التابعة لجنرال موتورز في مفاوضات مع الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي للحصول علي إنقاذ مالي بقيمة 1.3 مليار دولار, والهدف الواضح للشركة هو الحفاظ علي تدفق السيولة لديها في حال انهارت شركتها الأم المترنحة. وفي إيطاليا, حذر الرئيس التنفيذي لشركة ##فيات##, سيرجيو مارشيون, من أن اقتصار الإعانات الحكومية علي شركات السيارات الأمريكية وفروعها في أوربا سوف يكون إجراء غير عادل يؤدي إلي خلل في المنافسة. وقال في اجتماع لصناعيين إيطاليين في تورينو الأسبوع الماضي: ##هذا أمر لا تستطيع فيات قبوله##. وفي بروكسل, هدد رئيس المفوضية الأوربية, جوزيه باروسو, بأنه سيقدم شكوي إلي منظمة التجارة العالمية بشأن الولايات المتحدة إذا دعمت الأخيرة ديترويت.
في أوربا وآسيا, كما في ديترويت, ليس السؤال المطروح فقط, هل نساعد صانعي السيارات؟ إنما أيضا ما الشروط التي يجب فرضها في أي إنقاذ مالي تفاديا لظهور شركات ميتة تسبب منتجاتها المدعومة من الحكومة هبوطا شديدا في الأسعار, كما حصل مثلا مع مناجم الفحم وأحواض بناء السفن الأوربية التي عاشت علي التنفس الاصطناعي طوال عقود قبل أن تموت؟ في الولايات المتحدة, يبدو أن الإجماع يتجه نحو إجراء إعادة هيكلة لبعض شركات السيارات في ديترويت شبيهة بإشهار الإفلاس وممولة من المساعدات, حتي ولو استطاعت هذه الشركات تفادي إجراءات الإفلاس الرسمية. وقد تشمل الشروط إعادة التفاوض علي العقود النقابية وايقاف الإنتاج الإضافي. وليس واضحا إذا كانت بلدان مثل فرنسا حيث نجد لدي السياسيين تقبلا أكبر بكثير للصناعات المدعومة من الدولة أو حتي المؤممة, سوف تساعد علي حل مشكلة القدرة الإنتاجية الزيادة في صناعة السيارات مقابل المساعدات. يقول كليمنس شميتز جوستن, وهو مدير تنفيذي سابق في شركة ##بي.إم.دبليو## يعطي الآن دروسا في جامعة كليمسون في ولاية ساوث كارولينا: ##إذا قدم الجميع إعانات حكومية, فسوف يحافظون علي القدرة الإنتاجية الزائدة ##.
غير أن المسألة الأبرز التي يفشل الإنقاذ المالي في معالجتها هي مستقبل الصناعة في ذاتها. فصانعو السيارات يواجهون أكثر من مجرد أزمة اقتصادية. ويواجه الصانعون الأمريكيون علي وجه الخصوص زوال نموذج الأعمال التقليدي القائم علي إنتاج نماذج سيارات أكبر مع محركات أقوي تعمل علي الوقود. يقول أوجوست جواس, رئيس القسم المعني بصناعة السيارات العالمية في الشركة الاستشارية ##أوليفر وايمان##: ##لا أحد يعلم إذا كان المستقبل ملكا للسيارات الهجينة أو الكهربائية أو النماذج التي تعمل علي الغاز وشديدة الفعالية في استهلاك الطاقة##. وهذا سبب آخر وراء إحجام المستهلكين عن شراء سيارات جديدة, فهم ينتظرون إطلاق تكنولوجيات جديدة في السوق. يريدون أن يكونوا صورة أوضح عن نوع السيارة المصنوعة بحسب المواصفات التكنولوجية الحديثة التي من شأنها أن تحتفظ بقيمتها عند إعادة بيعها, وليسوا متأكدين من تأثير الخطط الحكومية الهادفة إلي إدارة هذه الآلية من خلال الضرائب والمحفزات, علي النماذج التي قد يرغبون في شرائها.
وسط كل هذه الضبابية, ليس أكيدا علي الإطلاق أن السياسيين يملكون المعرفة اللازمة لتحديد الشركات التي يجب دعمها. فشركة أوبل في ألمانيا, التي هي في طليعة الشركات التي تقف في الصف للحصول علي إنقاذ مالي, هي منذ وقت طويل الأضعف والأسوأ إدارة بين صانعي السيارات في البلاد. وقد تراجعت حصتها في السوق الألمانية من 20 بالمائة عام 1972, عندما كانت تقود السوق متقدمة علي ##فولكسفاجن##, إلي 7 بالمائة فقط الشهر الماضي, مع انخفاض حصة شركتها الأم من المبيعات الأمريكية من 50 بالمائة في الستينيات من القرن الماضي إلي 21 بالمائة فقط حاليا. يقول خبير السيارات في جامعة إيسن, فرديناند دودنهوفر: ##إنها ليست قصة نجاح##.
لدي السياسيين بالتأكيد تاريخ طويل في دعم الشركات الفاشلة, ومن خلال ذلك إثقال كاهل الشركات الأكثر تنافسية (فضلا عن المالية العامة). ولذلك يقول جواس إن السياسة الأكثر حنكة -وإنصافا- تقتضي دعم السوق عبر تمويل مشتري السيارات بدلا من صانعيها, وتركهم يقررون بأنفسهم ما النماذج والشركات التي تستحق أن تبقي. هذا هو الاتجاه الذي بدا أن المفوضية الأوربية والكثير من الحكومات الأوربية تسير فيه الأسبوع الماضي إذ أصرت علي وجوب أن يتم تطبيق رزمة المساعدات علي مستوي أوربا ككل وليس علي صعيد كل بلد علي حدة. وإلا فقد تتحول طفرة عمليات الإنقاذ المالي جولة مدمرة من سياسات ##إفقار الجار##, كما حذرت مفوضة الاتحاد الأوربي لشئون المنافسة نيلي كروس, وهي سياسات شبيهة بحروب التعرفات في الثلاثينيات القرن الماضي التي أدت إلي تفاقم الركود الكبير وإطالة أمده.
هذه مقدمة, لكن الأزمة تتيح فرصا علي الدوام. ولدي الولايات المتحدة فرصة لا تتكرر كي تفرض علي صناعة السيارات التقيد الحقيقي بمعايير الفعالية في استهلاك الطاقة. وعلي نطاق عالمي, يمكن إرغام صانعي السيارات علي الحد من فائض القدرة الإنتاجية. سوف يكون علي شركات السيارات الأمريكية والكثير من شركات السيارات الأوربية أن تبذل مجهودا إضافيا لإيجاد نموذج أعمال أفضل من صنع سيارات أكبر فأكبر وبكميات متزايدة. وقد يتيح ذلك مجالا أكبر للمنافسين الذين ينتجون سيارات أكثر فعالية في استهلاك الطاقة. لا شك في أنه سيكون من الصعب الحفاظ علي هذه المحبة القاسية في حال تفاقم الركود. لكن من الجيد أن يبقيها السياسيون نصب أعينهم بينما يستقلون قطار الإنقاذ المالي.
نيوزوييك