ألقت مباراة مصر والجزائر التي أقيمت بالقاهرة يوم السبت الماضي بظلال قاتمة علي أجواء العلاقات بين البلدين, وتسبب الشحن الإعلامي الزائد في تفاقم الأمور بشكل واضح, وتعريض العمالة المصرية في الجزائر للخطر, وهو ما ينذر بحدوث كارثة في المستقبل في حالة عدم وضع سيناريوهات مختلفة للتعامل مع المشكلة خلال الفترة المقبلة.
وطني حاولت التعرف علي ملابسات الأزمة وتقديم روشتة للعلاج.
الشحن الإعلامي هو السبب!
من جانبه قال الدكتور أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إنه لا توجد أزمة دبلوماسية بالمعني السياسي, ولكن ما تسبب في زيادة التوتر هو الشحن الإعلامي المتزايد وتسيس الرياضة, مع استرجاع التاريخ خاصة في المواجهات الرياضية الحساسة بين دول شمال أفريقيا.
نوه د. أيمن إلي أن طبيعة الشخصية الجزائرية تميل للعنف, وكان ينبغي مواجهتها بشكل أكثر عقلانية وهدوء, ودخول شخصيات رياضية وفنية لتهدئة الأجواء وعدم التصعيد, فكثير من لاعبي الكرة والفنانين يحظون بثقة الجماهير في البلدين ومن ثم تدخلهم يعمل علي تهدئة الأوضاع بشكل كبير.
أشار د.عبد الوهاب إلي أن كثير من مباريات كرة القدم تقام في الجزائر دون جمهور, نظرا للتوتر السائد هناك, فخلال العامين الماضيين أقيمت 120 مباراة كرة قدم دون جمهور, ونجمت عن حالات الاحتقان هناك 7 حالات وفاة وعشرات المصابين, بالتالي كان لابد من إدراك خطورة الشحن الإعلامي, وعدم إقحامه في مثل هذه المناسبات الرياضية.
المباراة كمعركة حربية!!!
قال الدكتور عماد جاد المحلل السياسي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن الإعلام علي الجانبين ساهم في شحن الجماهير, والتعامل مع المباراة كأنها معركة حربية, دون الحفاظ علي العلاقات العربية المشتركة والتي ثبت أنها ليست جيدة, فلو كان أيا من المنتخبين سيلاقي أي دولة أفريقية مهما كانت, لم تكن لتحدث كل هذه الأمور, وهذا يوضح أسباب التشنج والحساسية في مثل هذه المباريات.
أثني د. جاد علي دور الدبلوماسية المصرية والتي أدارت الأزمة بهدوء, ولم ترغب في التصعيد, عكس وسائل الإعلام التي نفخت في النار, وهذا خلق مزيدا من التوتر في البلدين, وترتب عليه الاعتداء علي قطاع الأعمال المصري والسفارة المصرية بالجزائر, والعمال المصريين لديهم مشكلات عديدة, ولابد من بحث مصالحهم والدفاع عنهم, وحمايتهم من الاستفزازات التي يواجهونها.
دعا د. جاد إلي العمل علي إعادة الأوضاع إلي الطريق الصحيح بدراسة الأسباب التي دفعت إلي هذه الأعمال من الجانبين, وهذا لن يتم إلا يتدخل القيادات السياسية بشكل عاجل.
التدخل الدبلوماسي
وشدد إبراهيم يسري سفير مصر الأسبق بالجزائر أن التدخل الدبلوماسي في إزالة الاحتقان بين الجماهير في غاية الأهمية, خاصة أن التصعيد ليس في مصلحة أحد, فهناك عمالة مصرية في الجزائر يجب الحفاظ عليها, كما أن هناك كثيرا من الجزائرين يعيشون في مصر لابد من الحفاظ عليهم, بالإضافة إلي أن العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر علاقات متميزة لا يمكن إنكارها.
وفي هذا الإطار قال الدكتور إبراهيم محمد آدم المستشار الثقافي والمتحدث باسم السفارة السودانية بالقاهرة إنه علي رغم التوتر المصاحب للمباراة إلا أن السودان عملت بقدر المستطاع علي تهدئة الأمور, والحياد بين البلدين, وأن الرئيس السوداني عمر البشير عقد جلسة تجمع مسئولي الرياضة في البلدين لتهدئة الأوضاع, والتأكيد علي أن الرياضة خلقت لإمتاع الجماهير, وتدعيم العلاقات بين الدول ولا يمكن تجاهل كل هذه الأمور الشخصية والتضحية بها لصالح مباراة في كرة القدم.
المهم العمالة بشكل عام؟!
وفي هذا الإطار قال عبد الغفار شكر قيادي بحزب التجمع وعضو اللجنة المركزية للحزب إن المصريين في الجزائر يحتاجون للعناية بشكل عاجل أكثر من المصريين العاملين في أي دولة أخري, في ظل الأجواء الساخنة التي أحاطت بمباراة مصر مع الجزائر في التصفيات المؤهلة لكأس العالم, خاصة وأنه لا يمكن سحب الاستثمارات المصرية في أي بلد بسبب مباراة رياضية, ولكن المهم هو الاهتمام بأوضاع العمالة المصرية بشكل خاص.
نوه شكر إلي أن هذه الأجواء ما كانت تحدث لو تدخلت القيادات السياسية في البلدين, وفي الجانب المصري كان لابد من الجمهور إصدار بيان رسمي من وزارة الداخلية ينفي حدوث حالات قتلي بين الجمهور الجزائري, وإبراز عدد المصابين وأماكن وجودهم, والأمر ذاته للحكومة المصرية التي كان عليها التأكيد بحسن معاملة الجمهور الجزائري أثناء وجوده في القاهرة, حتي لا تستغل الصحف الجزائرية هذه الأوضاع لشحن الجماهير الجزائرية.
أشار شكر إلي أن الأحزاب السياسية كان عليها القيام بدور إيجابي, فعلي سبيل المثال الأحزاب الليبرالية في مصر تخاطب الأحزاب الليبرالية في الشمال الأفريقي, وحزب التجمع عليه مخاطبة حزب اليسار في الجزائر والمغرب, والحزب الحاكم عليه مخاطبة الحزب الحاكم في الجزائر ومواجهة الأزمة علي كافة المستويات, قبل أن تصل إلي ما وصلت إليه الآن.
وعن محاولة رجال الأعمال المصريين في عودة العمالة المصرية من الجزائر قال شكر إنه من المهم عدم عودة هذه العمالة والحفاظ علي الاستثمارات المصرية هناك بشرط توفير الأمان لهم, وأن الحكومة الجزائرية رفضت عودة العمالة المصرية حفاظا علي العلاقات بين البلدين, فعودة العمالة إجراء للتصعيد غاية في الخطورة.
وحول ما أثير مؤخرا عن وقف إصدار تراخيص عمل للمصريين بالجزائر نفت وزارة القوي العاملة والهجرة هذه الأنباء مؤكدة علي أن المصريين في الخارج سيلقون الحماية اللازمة خلال الفترة المقبلة.
العمالة في الجزائر
وصرح المتحدث الإعلامي لوزارة القوي العاملة أن العمالة المصرية في الجزائر والتي تبلغ 15 ألف عامل يلقون معاملة جيدة, واستمرار التصاريح الخاصة بهم, وأن مسئولي وزارة العمل في الجزائر أكدوا علي حسن معاملة المصريين ,ولا يمكن الاستغناء عن العمالة المصرية بهذه السهولة.
وتبحث الوزارة حاليا إجراء مزيد من الخطوات لمعالجة الأزمة خلال الفترة المقبلة, حسب ما تنتهي إليه نتيجة المباراة والدور الدبلوماسي في هذه المشكلة.
من ناحية أخري أبدي اتحاد الصحفيين العرب انزعاجه الشديد من الشحن الإعلامي في مصر والجزائر وما ترتب عليه من تأجيج مشاعر الجماهير, ونشر أخبار كاذبة تتعلق بسقوط قتلي جزائريين في مصر, وهو ما أدي إلي حصار الشركات المصرية, معربا عن أمله في أن تقوم وسائل الإعلام في تحري الدقة قبل نشر أي أخبار يمكن أن تلقي بظلال قاتمة علي العلاقات بين البلدين.
ودعا اتحاد الصحفيين العرب كل من الصحافة المصرية والجزائرية لضبط الأعصاب ومعالجة الموقف بالحكمة المطلوبة, وأن ما حدث لا يمكن أن يكون نتيجة لمباراة رياضية, وأن الاستمرار في نشر الأخبار الكاذبة يدخل في إطار الجريمة وتعاقب عليها القوانين المنظمة للعمل الصحفي.
استثمارات مصر في الجزائر
أرجع محمد السيد صالح نائب رئيس تحرير المصري اليوم ما حدث مؤخرا إلي عدم حرفية الإعلام الجزائري, فلو رأي صحيفة مصرية نشرت أخبار كاذبة لتعرضت لعقوبات قد تصل إلي وقف إصدار الصحيفة, نظرا لتاريخ الصحافة المصرية المتميز, بينما الصحف الجزائرية يغلب عليها طابع الهواة وليس الاحتراف.
دعا صالح إلي ضرورة الاهتمام بمستقبل الاستثمارات المصرية في الجزائر والتي تصل إلي 22 مليار دولار, وتعد الدولة العربية الأكثر استثمار في الجزائر, ونظرا للحوادث الإرهابية في التسعينيات لم يذهب المستثمرين الأجانب للجزائر بالشكل المتوقع, وفي حالة خروج الاستثمارات المصرية سيعاني الاقتصاد الجزائري كثيرا, ومن ثم لابد من وضع ذلك في الحسبان.
دور منظمات حقوق الإنسان
من ناحية أخري دعا حافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الحكومة الجزائرية للتدخل من أجل حماية أرواح المصريين المقيمين في الجزائر, وحماية المصالح المصرية هناك, وقيام الحكومة المصرية بتوفير جسر جوي لنقل العاملين بالجزائر من الراغبين في العودة إلي بلدهم.
أشار أبو سعدة إلي أن الحكومة المصرية مطالبة بضرورة التدخل العاجل لحل هذه الأزمة وتأمين حياة مواطنيها بالجزائر, وتوفير الإمكانيات اللازمة لنقل المصريين وأسرهم,ومطالبة الحكومة بتوفير الحماية للمصريين والسماح للعاملين بالجزائر بحرية الحركة والتنقل والعودة لمصر إذا رغبوا في ذلك.
أوضح أبو سعدة أن المنظمة تلقت شكاوي من مصريين يعملون في الجزائر, وهناك أكثر من 1950 عاملا مصريا يعملون في شركة واحدة للمقاولات, وتعرضوا للعديد من المضايقات, وبالتالي تسعي المنظمة لمساعدتهم في حل المشكلات التي يتعرضون لها.
نوه إلي أن المنظمة خاطبت كل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية والسفير الجزائري بالقاهرة, والمجلس القومي لحقوق الإنسان لاحتواء الموقف وسرعة معالجة الأزمة.
وحول ما أثير مؤخرا بشأن موقف الاتحاد الدولي لكرة القدم في التعامل مع مثل هذه المباريات الحساسة قال محمد عبيد الخبير الكروي إن لائحة الاتحاد الدولي لكرة القدم واضحة, وأن الاتحاط الدولي يفصل بين الرياضة والسياسة, ولكنه يضع ذلك موضع الحسبان في المباريات الحساسة, فعلي سبيل المثال طلب الجانب الجزائري قبل المباراة بأكثر من أسبوعين اعتبار المباراة عالية الخطورة طبقا للمادة 28 من لائحة الاتحاد الدولي المنظمة للمباريات, وقام الاتحاد الدولي بالتعرف علي العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين, ووجد الاتحاد الدولي أن هذه العلاقات متميزة, وبالتالي استبعد اعتبار المباراة عالية الخطورة, لأنه في حال إدراجها في نطاق هذه المادة فكانت المباراة مرشحة لإقامتها دون جماهير أو علي ملعب محايد.
أوضح عبيد أن الاتحاد الدولي اكتفي بإرسال مراقبين لمراقبة المباراة وإرسال تقاريرهم للاتحاد الدولي, وتسجيل كل الملاحظات, علي أن يتم اتخاذ قرارات نهائية فيما حدث خلال الفترة المقبلة.
المصريون العائدون من الجزائر
وللتعرف علي حجم المأساة التي عاني منها المصريين في الجزائر التقت وطني ببعض العاملين العائدين للتعرف علي حقيقة ما جري.
يقول محمود حمدي 25 عاما: اضطررت للعودة إلي مصر عقب أحداث الشغب التي اندلعت في أماكن تجمعات المصريين في معلومات كاذبة في الصحف الجزائرية تفيد وقوع حالات قتلي بين الجماهير الجزائرية التي شهدت المباراة في القاهرة وانتهاك السيدات وهتك أعراضهن, وهو ما أدي إلي شحن الجمهور الجزائري المولع بالكرة وقيامه بالاعتداء علي كل ما هو مصري, سواء العاملين المصريين, أو الشركات المصرية, وقام الأمن الجزائري بحماية مجموعة من المصريين ووضعهم في عربة تحمل أعلام الجزائر وتبث أناشيد وطنية حتي تم تسهيل وصولهم للمطار للعودة إلي مصر.
محمد خضر 43عاما: العلاقات المصرية هي علاقات متميزة, وحتي موعد المباراة كان العاملين المصريين في الجزائر يتمتعون بمعاملة جيدة, حتي انتهاء المباراة وبث أخبار في الصحف الجزائرية تفيد بوقوع حالات وفاة للجماهير الجزائرية, وهو ما أدي إلي حالة الاحتقان, واندلاع أعمال العنف, وحدوث تلفيات كبيرة في الشركات المصرية, وحاولنا الاتصال بالسفارة المصرية والشرطة الجزائرية لإنقاذ الموقف إلا أن أعمال التخريب كانت أسرع من أي تحركات رسمية.
أضاف ميخائيل عزت أحد العائدين المصريين بالجزائر بقوله: عودة بعض المصريين من الجزائر أقرب للمعجزة نظرا لتردي الأوضاع الأمنية هناك, وأن الإعلام الجزائري شحن الجماهير مما جعلها تخرج في شكل مجموعات والاعتداء علي التجمعات المصرية, مما جعل العاملين المصريين يرغبون في العودة في أسرع وقت وتركوا ممتلكاتهم ومتعلقاتهم نظير العودة سالمين للقاهرة, وبمجرد العودة لأرض الوطن أعربنا عن عدم رغبتنا في السفر مرة أخري للجزائر بعد أن شاهدنا الموت بعينه هناك.
واتفق معه في الرأي أحمد مسلم بقوله: لا يمكن أن نعود للجزائر بعد ما حدث مؤخرا, خاصة وإن الجمهور الجزائري لن ينسي ما حدث, ولن يرحم مساكن وشركات المصريين, وأن الأمن الجزائري حاول السيطرة علي الموقف إلا أن الأمور كانت خارج السيطرة, ولولا صرخات وشكاوي أهالي المصريين في القنوات الفضائية لكانت الأمور ازدادت سخونة وسقوط قتلي في هذه الأحداث, إلا أن العناية الإلهية كانت موجودة.