عندما اشتد المرض وطال علي المتنيح نيافة الأنبا دوماديوس مطران الجيزة, رأي البابا البطريرك قداسة الأنبا شنودة الثالث أن يسيم أسقفا مساعدا له, وكان من الطبيعي أن يتجه التفكير نحو القمص ثيئودوسيوس آفامينا الراهب الذي لازم المطران طوال أزمته الصحية ساهرا علي خدمته وخدمة الإيبارشية… ومن فيض الحب الذي يملأ قلب البابا شنودة لأخيه دوماديوس الذي زامله في سكرتارية البابا المتنيح الأنبا كيرلس السادس أوفد إليه الأنبا أرميا سكرتير قداسته ليطلعه فيما ارتآه فرحب بفرح, وكان الطلب الوحيد الذي طلبه أن يبقي علي اسم ثيئودوسيوس لأنه الاسم المحبب إلي قلبه ومعناه عطية الله.
وفي عيد العنصرة- 7 يونية 2009- رسم الأنبا ثيئودوسيوس أسقفا عاما للجيزة, وفي الاحتفال الذي أقامته أسقفية الخدمات للأساقفة الجدد كانت وصية البابا شنودة للأنبا ثيئودوسيوس أن لا تغير الأسقفية من رعايته للأنبا دوماديوس… وأذكر أن نيافة الأنبا أرميا علق معربا عن ثقته في أنه سيرعاه رعاية الابن لأبيه… وللحق والتاريخ أشهد أن هذا ما رأيته بعيني.
ما من مرة ذهبت لمطرانية الجيزة ووجدت الأنبا ثيئودوسيوس جالسا في مكتبه, أو اصطحبني لنجلس في الصالون إلا فيما ندر عندما يكون مطمئنا إلي أن أباه الأنبا دوماديوس مستغرق في النوم… كان دائما جالسا في الصالة وإلي جواه ترابيزة صغيرة عليها تليفون دائم الرنين وأجندة يسجل فيها ملاحظاته, وأمامه ثلاثة كراسي للزائرين الذين يستقبلهم في عجالة, فبجوار كرسيه باب متحرك يفصل بين الصالة الذي يباشر منها أعمال الإيبارشية وبين الجناح الذي يقيم فيه الأنبا دوماديوس, وكل عدة دقائق يقوم مسرعا ليطئن علي أبيه ويعود ليواصل أعماله أو حديثه معي… وفي المقر البابوي اعتدنا أن يدخل علينا نيافة الأنبا دوماديوس علي كرسي متحرك إذ كان رغم مرضه الذي أقعده عن الحركة حريصا علي أن يحضر لزيارة قداسة البابا مهنئا بالأعياد أو مشاركا في اجتماعات المجمع المقدس, وما أريد أن أسجله شهادة للحق والتاريخ أن الراهب ثيئودوسيوس آفامينا منذ أن عرفته لسنوات بعيده كان هو الذي يحرك كرسي المطران, وهو أيضا الذي كان يحركه بعدما صار الأنبا ثيئودوسيوس الأسقف… وعندما انتابت الأزمة الأنبا دوماديوس مساء الخميس قبل الماضي- 15 سبتمبر 2011- حمله إلي السيارة مسرعا به إلي مستشفي السلام بالمهندسين, وهو المشهد الذي اعتدنا عليه كثيرا في السنوات الأخيرة كلما انتابت المطران الأزمة… أسرع به مطمئنا إلي أنه سيعوود به لكن هذه المرة كانت ساعته قد جاءت وأيام خدمته كملت فمضي إلي بيته وصوت الرب يناديه كنت أمينا في القليل فأقيمك علي الكثير ادخل إلي فرح سيدك ورأيت في الأنبا ثيئودوسيوس حزن الابن الذي فقد أبيه… رأيت جهده واهتمامه في تكريم أبيه وهو في طريقه إلي مثواه الأخير… رأيت الابن البار بأبيه حتي لحظة الوداع.
[email protected]