لصوم العذراء وعيدها ذكريات لن أنساها أبدا, ومازلت أحمل هذا المخزون الديني والشعبي كوني عشت سنوات صباي بالقرب من كنيسة العذراء بمحرم بك يوم لم تكن بالإسكندرية كنيسة غيرها تحمل اسم العذراء, فيجتمع بنهضتها طوال أيام الصوم أقباط الحي والأحياء المجاورة تجذبهم الكلمات الفياضة بعمق للآباء والوعاظ المشهورين حيث يفدون كل عام فننتظرهم في شوق, وبعدها نخرج إليحوش الكنيسة نتجول بين أجنحة المعرض السنوي الذي يجمع كل الأشياء من الكتب غذاء الروح والعقل إلي الأكل الصيامي غذاء البطون والجسد, ونقضي وقتا سعيدا ننتعش فيه بنسمات الهواء القادمة من الشاطئ إلي وسط المدينة في أغسطس الملتهب.
وجاء صوم العذراء هذا العام في ظروف متغيرة فالانفلات الأمني خلق الفزع والخوف في قلوب الناس, والمستقبل المجهول خلق القلق والحيرة في النفوس…ووسط هذا الفزع والخوف والقلق والحيرة كانت العذراء هي الملاذ…وفي أحضان الكنائس التي تحمل اسم العذراء كانت الصلوات والإبتهالات ترفع بقوة وبعمق الإيمان أن العذراء التي جاءت إلي مصر بالطفل يسوع باركت وقدست الأرض, وأنها بظهوراتها وتجلياتها بالزيتون وشبرا وأسيوط وإمبابة ستظل معنا تحمينا من كل شر وسوء, وبشفاعتها سيقودنا الرب من وسط الظلام إلي النور, وسيعبر بنا من التعب إلي الراحة, ومن التشويش إلي الاستقرار.
وإلي من يرون في هذا دعوة إلي الاتكالية والاعتكاف في محراب الكنيسة أسالهم بماذا يفسرون مع قرب نهاية صوم العذراء اتفاق القوي السياسية المشاركة في اجتماع الأربعاء الماضي -17أغسطس 2011- علي وثيقة الأزهر وعلي كل ما تحتويه من مبادئ وبنود واعتبارها ملزمة للجميع, وهي الوثيقة التي تعبر عن مدنية ودستورية الدولة واحترام حقوق المواطنة وسيادة القانون…وإذا كانت العذراء مريم هي التي يشترك في حبها الأقباط والمسلمون, فإن وثيقة الأزهر قد أجمع عليها المستنيرون من الأقباط والمسلمين.
والآن بعد الصلوات والابتهالات علي مستقبل البلد والأبناء…أري أن الوقت حان للمشاركة السياسية والاجتماعية والانخراط في كل مناحي النشاط استمرارا لصورة تلاحم الأقباط والمسلمين التي رأيناها في ميدان التحرير, فالمناخ بعد ثورة يناير غير ما قبل الثورة…ولن يفيدنا البكاء والنحيب علي كل ألوان التمييز وعنف التيارات الإسلامية…والحل هو المشاركة.
[email protected]