علي امتداد ستة أشهر تشابكت أيدي المسيحيين والمسلمين في ميدان التحرير يدعون إلي الحرية والعدالة.. واعتقد البعض أنهم نجحوا وأن عهدا جديدا ينتظرنا جميعا, بينما وقف البعض يرصد ما يحدث ويري فيه أحلاما كأحلام الليل.. إلي أن جاءت جمعة لم الشمل كما زعموا أو جمعة الوفاق كما خدعونا.. فإذ بالصورة كلها تتبدل وتتغير حتي ما كان يراه البعض مجرد أحلام رأوه خرابا ينتظرنا جميعا.. اللافتات كشفت الحقيقة نريد حكم الله علي الأرض.. الشريعة فوق كل شئ…. ومن أغمض عينيه عن الهتافات لم يسد أذنيه عن السمع, فالهتافات تردد إسلامية إسلامية وحتي الهتاف الجميل الذي خرج من قلوب الثوار ارفع رأسك فوق أنت مصري استبدلوا به ما هو أكثر تحديا لا إله إلا الله العلماني عدو الله.
المصادفة أنه بعد ثلاثة أيام من هذا هل علينا شهر رمضان.. ولرمضان عند المصريين معان كثيرة, فرمضان عند المسلمين صيام وصلاة, وعند غير المسلمين مودة ومشاركة, وهذا وذاك صنعا من رمضان تراثا مصريا فريدا.. أذكر أنه وحتي سنوات قليلة كانت هدية أولادي المفضلة من جارتنا المسلمة فانوسا يلهون به في فرح مع أولادها, وكم كنت سعيدا بهم وأنا أتذكر ما هو أكثر من هذا في طفولتي أيام كنت طالبا في مدرسة النيل المشتركة وهي مدرسة كانت تمتلكها الكنيسة الكاثوليكية وتجمع في رحابها المسلمين والمسيحيين, فإذا جاء رمضان أقضي وزميلي أحمد طوال اليوم نترقب صوت مدفع الإفطار فإذا انطلق هللنا له, ونعاود السهر انتظارا للمسحراتي.. وغيرها من الذكريات التي أصبحت جزءا في التشكيل الوجداني للمصريين مسلمين ومسيحيين, ومازالت رغم ظهور النعرة الطائفية لدي البعض, فالمصري لا يستطيع أن يعيش بعيدا عن الجماعة, ولهذا بقي وسيبقي رمضان شهرا دينيا للمسلمين ووطنيا لكل المصريين.. تؤكد هذا دعوة قداسة البابا شنودة الثالث إلي مائدة إفطار تجمع كل أطياف الوطن في مودة وألفة, بدأت عام 1986 في قاعة صغيرة بالمقر البابوي, وانتقلت إلي قاعة أكبر, وعندما زادت أعداد المحبين رأي قداسته أن ينقلها إلي قاعة أفسح بالكاتدرائية المرقسية.. ومازلت أذكر كلمات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في إفطار العام الماضي ارتباط الإسلام بالمسيحية لا ينفك أبدا لأنهما مظهران للدين الإلهي, فالأنبياء إخوة أمهاتهم شتي ودينهم واحد.. وإذ كان قداسة البابا قد رأي هذا العام أن يعتذر عن مائدة الإفطار لأول مرة بعد ربع قرن من الزمان تجاوبا مع مشاعر أسر الشهداء, وأن يوجه تكاليف الحفل إلي المحتاجين والفقراء من المسلمين والأقباط, فهو موقف حميد يحسب لقداسته في هذه الظروف, وقد عبر عن مشاعره الطيبة في ثلاث برقيات أرسلها إلي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وإلي شيخ الأزهر, وإلي وزير الأوقاف مهنئا بحلول شهر رمضان.
وأعود إلي ما حدث يوم الجمعة الأسبق في ميدان التحرير وفي ميادين كثيرة بمحافظات مصر.. وأتساءل في حيرة ماذا أصابك يا مصر؟!.. في يقيني أن شهر رمضان بما يحمله من مناسك صلاة وعبادة كفيل بأن يطهر العقول والقلوب ويرشدها إلي معاني الإسلام السمحة.. ومن جهة أخري علي كل الليبراليين والاشتراكيين والمسيحيين والمسلمين المصريين وكل أطياف الشعب المصري المنخرطين في 32 حزبا وحركة سياسية والذين انسحبوا من المليونية وتركوا ميدان التحرير للسلفيين والإخوان المسلمين أن ينظموا صفوفهم ويكثفوا جهودهم.. وليستيقظ الغافلون.
[email protected]