أخيرا أدرك النظام بعد مسلسل وعيد السلفيين, وحرق الكنائس, والاعتداءات المستمرة علي الأقباط أن مصر بمسلميها وأقباطها ستفقد كل شئ.. ومع كل الأبعاد المأساوية لما دار فوق أرض إمبابة فإن ما حدث جاء دون قصد من مدبريه ليضع الدولة أمام خيار وحيد, إما أن نكون أو لا نكون.. وحرك دم الشهداء الصارخ ونيران الأيقونات المشتعلة كل ما كان يعاني منه الأقباط من تمييز وإهدار للحقوق والتي ظلت لعقود تنمي الشقاق وتولد الفتنة.
أخيرا أعلن مجلس الوزراء في بيان صدر ظهر الأربعاء الماضي تصميمه علي درء الفتنة, وشكل لجنة تحمل اسم العدالة الوطنية وهو اسم جديد يبدو أنه بديل عن الوحدة الوطنية الذي فقد مصداقيته.. المهم أن المجلس أعلن في بيانه أن هدف اللجنة هو التصدي لمحاولات الفتن الطائفية, ورسم خريطة للمشكلات والقضايا الخاصة بهذا الملف, وأن الحكومة في سبيلها لإصدار قانون موحد لدور العبادة, وقانون آخر ضد التمييز والتحريض الديني, وغيرها من القضايا التي طالما طالبنا بها دون مجيب اللهم إلا سلسلة من البيانات.. وهكذا جاء حادث إمبابة ليكون علامة فارقة تنهي كل أسباب التمييز.. أو هكذا يبدو.
أقول هكذا يبدو لأننا تعودنا علي مثل هذه البيانات في أعقاب كل حادث مشابه بدءا من بيان لجنة تقصي الحقائق في أحداث الخانكة عام 1972 والمشهورة بلجنة جمال العطيفي إلي بيان هذا الأسبوع في أعقاب حادث إمبابة.. حقيقي أن المناخ لم يعد هو المناخ.. وأن ثورة 25 يناير كسرت حاجز الخوف ودربت الناس علي المطالبة بحقوقهم.. ولكن في إطار العلاقة بين المصريين أبناء الوطن -أقصد المسلمين والأقباط- لا نستطيع أن نغمض عيوننا عن أنه وإن كانت الأيام من 25 يناير إلي 11 فبراير شهدت تلاحما بين المسلمين والأقباط وصار هناك كيان واحد هو الإنسان المصري, فإن الشهور الثلاثة التالية شهدت عشرات الحوادث والتمييز التي وصلت إلي حرق بيوت الله لأول مرة منذ دخول الإسلام أرض مصر, وإلي تطبيق الحدود بقطع أذن قبطي, وإلي المظاهرات الصاخبة الداعية إلي تفتيش الأديرة والكنائس بحثا عن الأخت كاميليا وباقي أخواتها اللاتي أسلمن وأعادتهن الكنيسة إلي إيمانهن وعقيدتهن كما يزعمون.. من هنا فنحن لا نطمئن إلي البيانات التي تصدر في أعقاب الأحداث لأنها غالبا ما تصدر لتهدئة الأجواء المشتعلة وترضية النفوس الغاضبة.. وعلي هذا فليس المهم هو البيان مع كل ما فيه من حلول لمشكلات ظل الأقباط يعانون منها طويلا وكثيرا. المهم هو أن نلمس واقعا يشعر فيه المسلمون والأقباط أنهم معا مصريون بلا تمييز.. ونحن في انتظار.. وليعطنا الرب صبر أيوب.
[email protected]