ما حدث في قنا كان مفزعا…كانت رسالة سلفية بلا توقيع: أمس هدمنا كنيسة أطفيح, واليوم نرفض المحافظ القبطي, وغدا لا مكان لكم بيننا…ومع هذا لم يفزع الأقباط…والذين فزعوا هم المسلمون المستنيرون لأنهم يرون في الإسلام دين السماحة والمودة وليس العنف والتشدد.
والذي لابد أن يعرفه الجميع الآن بعد أن انتهت الزوبعة أن الذين أنهوا الأزمة هم الأقباط, فمصر عندهم كما هي عند أبيهم وراعيهم-البابا شنودة- بلدا يعيش فينا وليس بلد نعيش فيه…كان من الممكن أن يتفجر الموقف حتي ولو قدم الأقباط مئات الشهداء كما قدموا من قبل في الكشح ونجع حمادي والعمرانية وأمام كنيسة القديسين وفي منشية ناصر أمام جبل المقطم….سيل الشتائم والسباب الذي أطلقه السلفيون كان كافيا ليحرك الأقباط من صعايدة قنا, ووقتها ربما كنا سنعود قرونا إلي الوراء أيام دقلديانوس عندما غطت الدماء شوارع مصر.
بحكمة عالج الأنبا شاروبيم أسقف قنا الموقف وأعاد الهدوء إلي نفوس المسلمين المتشددين والأقباط الغاضبين… مصادفة أن جاءت الأزمة في منتصف أسبوع الآلام والصلوات ترتفع في الكنائس لساعات طويلة نهارا وليلا…فكانت رسالة الأسقف إلي الآباء الكهنة أن يجسموا أمام الشعب عمل الفداء وما تحمله الرب من آلام حتي تنصهر نفوسهم في أتون حبه الدافق الذي غمرنا به فأخلي ذاته وأسلم نفسه لأجلنا, ويرتلون مع داود النبي يعسكر ملاك الرب حول كل خائفيه وينجيهم, ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب, طوبي للإنسان المتكل عليه( مز34:7-8).
وعلي الجانب الآخر أرسل إلي السلفيين المتظاهرين أمام مبني المحافظة القمص بيشوي ناروز وكيل المطرانية فحدثهم عن العلاقات الطيبة الراسخة بين أقباط ومسلمون قنا, وذكرهم بما بينهم من مودة ومحبة فهدأت نفوسهم وهتفوا للهلال مع الصليب..وعندما زار الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء قنا الثلاثاء الماضي كانت مطرانية قنا, ول مكان يزوره بعد أن زار مسجد سيدي عبد الرحيم القنائي وأدي به صلاة الظهر. وكانت مصادفة الخروج من المسجد إلي الكنيسة فرشت بساط النسيج الواحد أو كما يحب أن يقول الأنبا شاروبيمجسد واحد وفي حديثه مع رئيس الوزراء قال لهنحن جميعا أعضاء في جسد واحد اسمه مصر وأن مطالبتنا بحقنا كمصريين في المناصب لايعني أننا نوافق علي أن تكون قنا كوته للأقباط ونحن مع إخواننا المسلمين.
هذا التصرف الحكيم لنيافة الأنبا شاروبيم برصد لنا باختصار التطور الذي لحق بالكنيسة القبطية عندما جذب البابا شنودة الثالث الشباب المتعلم إلي سلك الرهبنة, وكان الدكتور صبحي حنا باخوم واحدا منهم…ترك كل ماله في قنا عام1975 واتجه إلي دير أبو مقار بوادي النطرون ليعيش حياة الوحدة التي أكسبته الحكمة, وحياة الصلاة التي أكسبته المحبة, وحياة النسك التي أكسبته التواضع…ومع بداية عام 1984 انتقل إلي دير الأنبا بيشوي واختاره البابا شنودة عام 1991 ليكون أسقفا لإيبارشية قنا وتوابعها…ومن يومها وهو يكتسب محبة الجميع مسلمين وأقباطا…فالمحبة لاتسقط أبدا…ورابح النفوس حكيم.
[email protected]