في إطار الرغبة في طي صفحات الماضي الأليم, والاهتمام بوجود بداية جديدة لعلاقة صحيحة بين المسلمين والأقباط أوفت القوات المسلحة بوعدها وأعادت بناء كنيسة صول.. القصة معروفة ولا نريد إعادة تفاصيلها الأليمة.. لا نريد أن نعيد إلي الذاكرة والعيون صورة الكنيسة التي تحولت إلي رماد وتراب في جريمة قال عنها شيخ الأزهر إنها لم تعرف في تاريخ الإسلام كله.. ما نريده أن يبقي في الذاكرة والعيون والتاريخ أيضا صورة المسلمين الشرفاء الذين رفعوا قبة الكنيسة ومناراتها في أيام معدود لتضيف قصة جديدة في تاريخ 14 قرنا من الزمان عاش فيها أقباط مصر ومسلموها لا يفرق بينهما إلا أن هذا يذهب إلي المسجد للصلاة, وهذا يذهب إلي الكنيسة للصلاة, وكلاهما بيوت الله.
ومع أن البداية لم تكن صحيحة فقرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإعادة بناء الكنيسة أعلنه الشيخ محمد حسان بعد أن اجتمع بمجموعة من العلماء وأصدروا فتوي بإعادة بناء الكنيسة وهو ما فهم منه أننا في دولة دينية تؤخذ فيها القرارات من أفواه الدعاة.. ولكن -إحقاقا للحق- فإن الجهد الذي بذله رجال القوات المسلحة في إعادة بناء الكنيسة خلال ثمانية وعشرين يوما فقط, وبالصورة التي خرجت بها جهد يستحق التقدير.. والأكثر أنه يصحح الصورة التي يراها بعض المحللين من انحياز القوات المسلحة لبعض التيارات الدينية الإسلامية.. وبهذه المناسبة نؤكد هنا أنه ولو صح ما يذهب إليه هؤلاء المحللون فإن هذا لا يزعجنا لأننا ومن واقع إيماننا المسيحي نثق أن كل الأشياء تعمل معا للخير (رو8: 28). ففي أعقاب قرارات سبتمبر 1981 كان حادث المنصة ومقتل السادات, وفي أعقاب مجزرة كنيسة القديسين كان سقوط النظام.. وأذكر هنا أيضا أنه في أعقاب هذه الأحداث كان سؤال واحد يطرح علي قداسة البابا شنودة الثالث.. هل أنت منزعج؟! وكانت إجابة واحدة لقداسته.. لست منزعجا لأنني دائما أدخل ربنا في الموضوع, وآخذ سلامي من ربنا.
وما دمنا نتحدث عن إيماننا المسيحي, فإنني أري في افتتاح كنيسة صول وإقامة الصلاة فيها إعلانا لوعد الله وأبواب الجحيم لن تقوي عليها (متي16: 18). وأري أنها ليست مصادفة أبدا ولكنه تدبير إلهي أن ترتفع فيها الصلوات مع جمعة ختام الصوم والتي يعقبها أسبوع الآلام, وهو الأسبوع الذي تحتفل فيه الكنيسة بذكري آلام المسيح, وينتظره المؤمنون بشوق وحنين بعد الصوم الأربعيني المقدس, وتمارس فيه الكنيسة طقسا خشوعيا يبعث في النفس الرهبة وروعة ذكر آلام المخلص لأجل خلاص البشرية.
ولهذا أري في أسبوع الآلام هذا العام أسبوعا مختلفا عن كل عام, يرتفع فيه صوت الشعب القبطي في كنيسة صول وكل الكنائس ممجدا الرب ثوك تي تي جوم فإعادة بناء كنيسة صول علي هذا النحو وبهذه السرعة هو عمل إلهي امتدت فيه يد الرب له القوة والمجد والبركة والعزة إلي الأبد.
[email protected]