الحكام الديكتاتوريون في سائر أنحاء العالم يراقبون إيران من أجل تعلم الدروس من تجربتها. فهل ستؤدي حملات القمع إلي سحق المقاومة؟ أم أن الشارع سيكسب الجولة؟ هل ربما هناك ثورة خضراء أو برتقالية أو مخملية من نوع ما تنتظر لتحديهم هنا أيضا؟ فهم يعرفون أن هناك بذورا مدفونة في مكان ما في أوساط شعوبهم الشابة المتململة لمثل هذا. وهم يعرفون أيضا كم أن سلطتهم مهلهلة, وكيف ستكون إذا ما كان عليهم أن يواجهوا مظاهرات عارمة, محسوبة بدقة, ومتواصلة من النوع الذي غير وجه إيران في الفترة الأخيرة.
الأنظمة العربية في الجوار, التي هي جميعا ممالك جمهورية أو ممالك, تبدو مضطربة بصورة خاصة تجاه مشهد المقاومة السلبية واسعة النطاق. إنه نوع التحدي الذي لم يكن علي هذه الأنظمة أن تواجهه. فليس هناك تاريخ, أو احترام خاص, لطرق المقاومة التي اتبعها المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج في ثقافة يعتبر فيها الشرف علي أنه الأمر الأهم ويعتبر فيها العنف الطريقة الأمثل للحفاظ عليه. الثورة الإيرانية الجديدة, إذا ما انتصرت بطريقة ما, ستغير كل هذا في المنطقة.
وقال ناشط سياسي في الأردن طلب عدم ذكر اسمه بسبب قوله ما يلي: ##أكره أن أقول هذا ولكن الفرس هم دائما متقدمون علي العرب, سواء لناحية إطلاقهم ثورة إسلامية أو مثل هـذه المقاومة السلبية##. فمصر وسوريا والمغرب والبحرين, بل وحتي النزاع الفلسطيني مـع إسرائيـل, يمكـن أن يتحـول بما سماه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ##بالإصرار السلمي والمصمـم## علـي الحقـوق المدنيـة والإنسانيـة.
ولكن هزيمة الشارع في إيران ستقضي علي مثل هذه الآمال. وعليه فإن وسائل الإعلام الجماهيرية واسعة الانتشار في غالبية الدول العربية قامت بنقل تغطية محدودة سلبية للمظاهرات ضد الانتخابات الإيرانية التي يقال إنها كانت انتخابات مزورة. بل إن غالبية القادة في هذه الدول هنأوا محمود أحمدي نجاد, الرئيس الإيراني الذي يحبون أن يبغضوه في مجالسهم الخاصة, علي انتخابه رئيسا في الانتخابات الماضية.
ولكن ردود الأفعال الأكثر تعبيرا جاءت من تلك الحكومات التي هي, أو التي كانت (وربما تتمني لو أنها ظلت) شمولية. التلفزيون الكوبي بث تقارير موسعة عن انتصار أحمدي نجاد ولكنها لم تبث شيئا عن المظاهرات. وفي موسكو؟ أشارت جوليا أيوفي في موقع مجلة نيو ريبابليك علي الإنترنت قائلة: ##هذه لا تبدو أنها انتخابات مزورة بالنسبة إلي روسيا, لأن الروس لا يزورون انتخاباتهم, بل هم يرتبونها بصورة مسبقة##.
ثم هناك الصينيون. فمشهد ساحة تيانانمين مازال يطارد شبحه قيادة بيجنج بعد 20 سنة علي حصوله, وفكرة تكرار هذا المشهد الذي يغذيه الإنترنت والهواتف المحمولة هذه المرة تقض مضاجع الحرس القديم. وهكذا وبأقل قدر من الضجيج أصدرت سلطات الدعاية الأسبوع الماضي إشعار طوارئ أبلغت فيه الصحف ومواقع الإنترنت الصينية بأن عليها أن تخفض من حجم تغطيتها للأحداث في إيران. صحيفة ساوث تشاينا مورننج بوست, التي تصدر من هونج كونج, والمواقع الإخبارية الرئيسية مثل (Sina.com) أزالت أشرطة الفيديو التي تبثها وكالات الأنباء عما يحدث في إيران وحذفت التعليقات التي كتبها القراء عنها, ونشرت بدلا منها مواد إعلامية من صحيفة الشعب اليومية الرسمية ووكالة أنباء شينخوا الرسمية. لا بد أن بيجنج تشعر بالقلق لما يحدث.
ومع ذلك, فبالنسبة إلي الآن علي الأقل, يبدو أن الأنظمة الشمولية الماضية والحالية هي التي تكسب الجولة. فالمقاومة السلبية يتم سحقها في إيران, وهذا قد يؤشر مرة أخري إلي نجاح شيء أكثر مكرا وقمعا من الديكتاتورية.
فـ##الشمولية## هي, في واقع الأمر, واحدة من الكلمات التي استعملت بصورة متكررة لوصف الكثير من الحكومات بحيث إنها لم تعد تعني الكثير الآن. ولكن في منتصف القرن الـ20, حين كتب جورج أورويل روايته الكئيبة المفرطة في رمزيتها, 1984, فإنه كان لديه إحساس عميق بالشر الذي مارسه الرجال حين سعوا إلي السيطرة علي كل جانب من جوانب حياة بلد وشعبه. ولأولئك الذين لديهم فرصة مشاهدته, هناك عرض مسرحي درامي بعنوان جورج أورويل ــ احتفال, يتم عرضه في لندن الآن. وجزء من هذا العرض, خصوصا مشهد التحقيق وغسل الدماغ المأخوذ من الصفحات الأخيرة من الرواية, يستحضر إلي الأذهان هذه النقطة بصورة لم أر مثيلا لها في الآونة الأخيرة, عدا عن أشرطة الفيديو القادمة من إيران أخيرا.
فيوما بعد يوم, حتي مع أن قدرا متضائلا من التسريبات الإخبارية يتمكن من تجاوز مسئولي الرقابة والمرشحات الرقمية غير البشرية, نستطيع رؤية الخطوط العريضة غير الواضحة تماما لدولة شمولية جديدة تتشكل. وهذا شيء جديد.
وربما تعتقد أن ذلك كان يحدث دائما في إيران, ولكن الأمر لم يكن كذلك بالضبط. فحكم الإرهاب الذي تبع الثورة قبل 30 سنة بدا وكأنه أصبح مجرد كابوس يتلاشي. والنظام في إيران, حتي في ظل الرئيس محمود أحمدي نجاد, بات نظاما يستطيع تحمل وجود وجهات نظر عدة. فقد كان هذا النظام مقيدا, ولكنه سمح لغالبية الناس أن تتنفس وأن تعيش حياتها. وحين كان المعلقون اليمينيون الأمريكيون التواقون إلي نزع المصداقية عن المسلمين في كل مكان يتحدثون عن ##الفاشية الإسلامية##, فإن الواقع الإيراني كان يميل إلي كشف زيف ادعاءاتهم, وليس منحها المصداقية. أما الآن, وللأسف, فإن كل ذلك بدأ يتغير.
فيقول محقق الدولة في وزارة الحب في رواية ##1984##, وهي التي في الواقع كانت وزارة الكراهية: ##في عالمنا هذا لن تكون هناك مشاعر سوي الخوف والغضب والنشوة والحط من الذات لمصلحة المجتمع##. ويتم نشر هذه الرسالة بقوة في المجتمع إلي أن يتم كسر كل أنواع المقاومة في المجتمع## حتي الفكرية منها. وفيما يستسلم بطل رواية أورويل, فإنه يسمح لنفسه بالاعتقاد بأن ##الحرية هي عبودية## وأن ##اثنين زائد اثنين تساوي خمسة##, إذا كان هذا هو ما تقوله له الدولة, وأن ##الرب هو السلطة##. وهو تعلم أن يحب الأخ الأكبر.
وكان هذا هو نوع الحب, القائم علي الأكاذيب والخوف, الذي كانت الحكومة الشمولية الماضية تتوقعه من شعوبها. وهذا هو نوع الحب الذي يبدو أن قادة إيران يريدونه من شعبهم اليوم. ولا غرابة إذن أن الروس والصينيين والكوبيين يصفقون لهم.
نيوزويك