انتخب الرئيس أوباما لأنه وعد بالتغيير, وفي معظم المجالات, لم يتردد في الوفاء بوعده. لكن أحد الاستثناءات المهمة هو شرق آسيا. الكلمة الأساسية هناك هي الاستمرارية. منذ أن فتح ريتشارد نيكسون الباب أمام العلاقات الطبيعية مع الصين, عملت كل الإدارات الأمريكية علي ترسيخ العلاقات الاقتصادية وتشجيع اندماج الصين في النظام الدولي, متوخية حذرها في الوقت نفسه من خطر استعمال الصين لنفوذها المتنامي بطرق تضر بالمصالح الأمريكية. أوباما لم يشذ عن هذه القاعدة. والأمر نفسه ينطبق علي المطالبة بتسوية سلمية لمسألة تايوان, والتشديد علي أهمية التحالف مع اليابان.
لكن الاستمرارية يجب أن تتضمن التقدم والتكيف مع الظروف المتغيرة ولا تعني فقط الاستمرار في تطبيق سياسات وممارسات الماضي. لقد وصل أوباما إلي الحكم عازما علي الابتعاد كليا عن السياسات التي اعتمدها جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. في شرق آسيا, التحديات أكثر دقة, وكذلك يجب أن تكون التعديلات في السياسات المتبعة. لكن الرهانات عالية بالقدر نفسه: فآسيا تعتبر اليوم محرك النمو الاقتصادي في العالم وهي أيضا منطقة تسود فيها مخاطر انتشار الأسلحة النووية وتبرز فيها قوة عظمي (الصين) ولا تزال جارتها اليابان ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
الخطر يكمن في أن إدارة أوباما, التي تلهيها الأحداث الملحة في أنحاء أخري من العالم ـ في أفغانستان والشرق الأوسط وغيرهما ـ قد لا تقدر أهمية المنطقة وتعامل شرق آسيا بنوع من الإهمال الحميد. هذا خطير, لأنه سيضع الإدارة في موقع يجبرها دائما علي محاولة اللحاق بالتطورات التي تحدث في هذه المنطقة الحيوية والمتغيرة بسرعة بدلا من المساهمة في تحديد مسار هذه التطورات.
الحاجة الأكثر إلحاحا هي للتوصل إلي استراتيجية شاملة فيما يتعلق بمسألة كوريا الشمالية. عندما زرت بيونج يانج في فبراير عام 2009 للمشاركة في حوار تراك 2 مع كبار المسؤولين الكوريين الشماليين, قيل لمجموعتنا بشكل واضح إن شروط النظام للتخلي عن أسلحته النووية تتضمن رفع المظلة النووية الأمريكية عن كوريا الجنوبية. الكوريون الشماليون يعرفون أنهم لن يحصلوا علي ذلك, لكنهم يحاولون استغلال أوراقهم الضعيفة قدر الإمكان, آملين أن يستنتج أوباما أن عليه التعامل مع كوريا شمالية تمتلك أسلحة نووية, حتي وإن اعتبر امتلاكها لهذه الأسلحة أمرا غير مقبول. الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كان يمكن إقناع الكوريين الشماليين بالتخلي عن سعيهم للحصول علي أسلحة نووية هي التكلم معهم حول شروط اتفاقية شاملة. وفي الوقت نفسه, علي إدارة أوباما أن تطمئن اليابان وكوريا الجنوبية بأن الولايات المتحدة جادة في تعهدها بحمايتهما ضد هجمات أو ابتزاز نووي وعليها أن تحرص علي أن تكون سياسات الولايات المتحدة والصين متناغمة وتمنع كوريا الشمالية من تصدير الصواريخ والأسلحة والتكنولوجيا النووية. وحده الرئيس الأمريكي قادر علي لعب الدور الريادي المطلوب لصياغة سياسة ناجحة فيما يتعلق بكوريا الشمالية.
التفكير علي أصعدة عدة في الوقت نفسه أمر أساسي للتوصل إلي استراتيجية ناجحة في شرق آسيا, لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع الصين واليابان. علي أوباما أن يطمئن اليابان بأن توطيد العلاقات الأمريكية الصينية لن يقلل من أهمية علاقة واشنطن بطوكيو, وفي الوقت نفسه يجب أن يتجنب دفع بكين إلي الظن بأن واشنطن تقوي التحالف مع اليابان من أجل احتواء الصين. تشكيل شراكة جديدة بين الصين والولايات المتحدة لمعالجة المسائل الثنائية والمسائل الإقليمية والعالمية أيضا ـ كما اقترح الكثير من الخبراء ـ هو فكرة سيئة. مفهوم ##مجموعة الدولتين## يبالغ في تضخيم قوة الصين فالصين بلد نام يواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية جمة. ومن الغباء تشجيع الصين علي الاعتقاد بأنها تتمتع بنفوذ للتأثير في الشئون الدولية يفوق نفوذها الفعلي. لكن البديل ليس هو إضفاء الطابع المؤسسي للمشاورات الثلاثية بين الولايات المتحدة والصين واليابان. فلن يكون الكوريون الجنوبيون مسرورين باستثنائهم عن ذلك, وستبقي الصين واليابان قلقتين من إمكانية انحياز الولايات المتحدة إلي الطرف الآخر. وفي الوقت نفسه, علي الأمريكيين أن يحذروا من ألا يتم دفعهم إلي الانحياز, وذلك لأسباب وجيهة.
ما يجب أن تعيه إدارة أوباما هو أنه في عالمنا المترابط والمتكافل, فإن عملية المفاوضات الثنائية تشبه لعبة بلياردو بقدر ما تشبه لعبة شطرنج. عندما تصطدم كرة بأخري, تتحرك الكرة الثانية التي بدورها ستضرب وتحرك كرات إضافية. النتيجة, عندما يتم تطبيق ذلك علي السياسات الدولية, هي لعبة يشارك فيها أطراف عدة, تتوسع بسرعة لتتخطي اللاعبين الأساسيين. يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع آسيا بشكل مرن وخلاق. الأهم هو عدم جعل موضوع شرق آسيا في أسفل لائحة الأولويات السياسية أو ترك السياسة تأخذ مجراها بشكل تلقائي. التغيير هناك هو أولوية حاليا. وعلي الرئيس الذي وصل إلي منصبه بفضل وعوده بتحقيق ذلك أن يتولي زمام الأمور ويعمل علي الوفاء بها.
كورتيس, أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا وحائز علي منحة بورجيس.
نيوزويك