متي؟وكيف؟
قبل أن يبدأ الرحلة إلي بيت خاله لابان,وعده الله قائلا ها أنا معك,أحفظك حيثما تذهب وأردك إلي هذه الأرضتك28:15
فماذا كان معني ذلك الوعدأحفظك؟
ليس المعني:أحفظك من التجارب,وإنما أحفظك في التجارب.
فقد تعرض أبونا يعقوب لبعض التجارب ولكن الله كان معه في التجارب وأنقذه:لقد تعرض لصراع بين زوجتيه ولكنه خرج من هذا الصراع سليما ولم يخسر محبة أية واحدة منهما, بل انضمت الاثنتان إليه ضد أبيهما حينما انفصل عنهتك31:15,14وكان الله معه,حينما فتح رحم راحيل فولدت له أبناتك30:22وصار هذا الابن أحب أبنائه إليه,كما منحه أيضا أبناء من باقي نسائه.
وتعرض يعقوب أيضا لصراع مع خاله لابان ,كما تعرض لخوف شديد من ملاقاه أخيه عيسو وكان الله معه في كلا الأمرين,كما سنري فيما بعد.
الأمر الثاني:وعده الله بأن يعيده إلي أرضه ولكن متي حدث هذا؟
لقد قضي عشرين سنة بعيدا عن بيت أبيه.. منها سنوات اشتغل أثناءها كأجرة للحصول علي زوجتيه.. والباقي منها فترة إنجاب البنين.. وكانت العشرون سنة كلها فترة تعب قال عنها:كنت في النهار يأكلني الحر,وفي الليل الجليد وطار نومي من عينيتك31:41
وفي كل هذا التعب كان الله معه وخلال الست سنوات التي اشتغل فيها للحصول علي غنم, تدخل الله وساعده كثيرا فصار غنيا جدااتسع كثيرا جدا وكان له غنم كثير وجوار وعبيد وجمال وحميرتك30:43لدرجة أن هذا الغني أثار عليه خاله لابان ونظر يعقوب وجه لابان وإذا هو ليس معه كأمس وأول من أمستك31:2وأيضا كان الله معه.
موضوع الغنم المخططة وغير المخططة يبدو أنه أسلوب بشري لجأ إليه يعقوب ولكن الله وافق عليه ليرد إليه ما سلبه منه لابانتك30:32-40 تك31:16
إنه الله الذي يحكم للمظلومين كما سنراه فيما بعد يحكم لبني يعقوب من فرعون وشعبه, هذا الذي سخرهم في العمل بدون أجرخر12:36,35
وأمام هذا الغني,انطبقت علي يعقوب ولابان تلك العبارة المؤثرة التي قيلت عن إبرآم ولوط من قبل إنهلم تحتملهما الأرض أن يسكنا معاتك13:6فكان لابد أن يعتزل أحدهما عن الآخر..
وقال الرب ليعقوب:ارجع إلي أرض آبائك وإلي عشيرتك فأكون معك.
أخيرا بعد عشرين سنة حقق الله وعده الذي قال له فيهوأردك إلي هذه الأرضتك28:15حقا ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الأب في سلطانه وحدهأع1:8وكانت لله حكمة معينة في تحديد وقت رجوع يعقوب إلي بيت أبيه فماذا كانت؟
أولا:لكي لايرجع إلي بيت أبيه فارغا وإنما يكون معه أولاده ونساؤه وجواريه وكل غناه..وثانيا يكون الله قد هيأ قلب عيسو من نحوه,فلا يؤذيه وبدأ يعقوب يخطط لرحلة العودة ونلاحظ في ذلك:
أ- اتفاقه مع زوجتيه,والحصول علي رضاهما:
جمعهما وكلمهما في صراحة,وشرح لهما الأمر :كيف أنه بكل قوته قد خدم أباهما الذي غير أجرته عشر مرات وغدر به, وتغير وجهه من نحوه ولكن الله كان معه وقال له ملاك الله في حلمقد رأيت كل مايصنع بك لابان تك31:4-12
ووافقت ليئة وراحيل وقالتا لهليس لنا نصيب وميراث في بيت أبينا.. الآن كل ما قاله لك الله افعلتك31-16,14
ب- وحسب طبيعة يعقوب وخوفه رأي أن يكون رحيله سرا.
أخذت مغادرته بيت خاله لابان شكل الهروب وخدع يعقوب قلب لابان الآرامي إذ لم يخبره أنه هاربتك31:20
صراع مع لابان
لم يكن لابان مخلصا في علاقته مع يعقوب
علي الرغم من أنه قبله فرحا في باديء الأمر باعتباره ابن اخته إذ:ركض للقائه وعانقه وقبله وأتي به إلي بيته وقال لهإنما أنت عظمي ولحمي تك29:14,13 وعلي الرغم من أنه لما اشتغل يعقوب في رعي غنم لابان قال له لابانألأنك أخي تخدمني مجانا؟!أخبرني ما هي أجرتك؟تك29:15إلا أن لابان لم يكن مخلصا ليعقوب كما قلنا والأدلة كثيرة منها:
1- خدعه في زواجه من راحيل
فبعد أن خدعة بها سبع سنوات, أدخل إليه ليئة بدلا منها ولما احتج علي ذلك يعقوب وقال لهلماذا خدعتني ؟!أجابه لايفعل هكذا في مكاننا أن تعطي الصغيرة قبل البكروألزمه أن يخدمه سبع سنوات أخر,في مقابل الابنة الثانيةتك29:30,27أي أن لابان قام بالخداع ,وقام يعقوب بدفع الثمن.
2- ولم يكن مخلصا ليعقوب من جهة الأجرة وطبيعة العمل, فمن جهة الأجرة قال عنه يعقوبغدر بيوغير أجرتي عشر مراتتك31:41,7ومن جهة العمل كان يحسب علي يعقوب وحده كل خسارة مشتركة فعلي الرغم من أن غنم الاثنين كانت ترعي معا إلا أنه كان يحسب علي يعقوب كل الأغنام المسروقة والتي افترستها الوحوش. وهكذا قال له يعقوب في عتابه معهنعاجك وعنازك لم تسقط.. فريسة لم أحضر إليك, أنا كنت أخسرها من يدي كنت تطلبها:مسروقة النهار,ومسروقة الليل..لولا أن إله أبي, إله إبراهيم وهيبة إسحق كان معي لكنت الآن قد صرفتني فارغاتك31:38-42.
3- كان لابان أنانيا في معاملته ليعقوب
يكفي إنه قال له,وهو مزمع علي العودة إلي بيت أبيهالبنات بناتي,والبنون بني وكل ما أنت تري فهو ليتك31:43.
عجيب أن يصدر هذا من خال نحو ابن اخته,من شخص قال له قبلاإنما أنت عظمي ولحميتك29:14ولكن يبدو أنه حينما تتدخل الذات ومحبة المال والقنية تسقط القيم والمباديء وحتي رابطة القرابة أيضا..
4- ولم يكن لابان مخلصا في مطاردته ليعقوب
أخذ إخوتهأي أقرباءهمعه وسعي وراءه مسيرة سبعة أيام فأدركه في جبل جلعادتك31:23لحق به وقد ضرب يعقوب خيامه في الجبل فضرب لابان خيامه في جبل جلعاد وواجهه واتهمه.. اتهمه بالخداع وبالغباوة وبأنه ساق بناته كسبايا السيف, وبأنه حرمه من توديعه بنيه وبناته وتقبيلهم وتشييعه هو أيضا بالفرح والأغاني,وبالدف والعود!!تك31:26-28
ولم يكن صادقا في كل ذلك.
علي أن الرب الإله تدخل لانقاذ يعقوب من لابان:نعم الله الذي ينقذ الضعيف ممن هو أقوي منهأتي الله إلي لابان الآرامي في حلم الليل.وقال له:احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر تك31:24 وأحدث هذا الإنذار تأثيره إذ أن لابان في مواجهته ليعقوب قال له في قدرة يدي أن أصنع بكم شرا ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلا:احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر تك31:29.
نلاحظ هنا إنه يقول إله أبيكم كلمني ولم يقل الله أو إلهنا!!
هل عجيب أن الله يكلم لابان علي الرغم من شره وعبادته للأصنام؟
كلا فإن الله قد يكلم الخطاة والأشرار يعاقبهم أو ينذرهم أو ينصحهم لكي يتركوا ما هم فيه, لقد كلم آدم وحواء في خطيئتهما ,كما كلم الحية أيضا وفي كلامه عاقبهم جميعاتك3:9-19وكلم الرب قايين مرتين: قبل قتله لأخيه لكي ينذره وبعد قتله لكي يعاقبهتك24:6-12 بل أن الله قد تكلم مع الشيطان نفسه في قصة تجربة أيوب الصديقأي2,1
ليس العجب إذن في أن يكلم الله مخلوقا شريرا إنما المهم هو نوعية الكلام وهدفه.. فما أكثرالذين كلمهم الله وهلكوا أو كلمهم ثم سقطوا.
العجيب أن لابان..بعد أن كلمة الله قال ليعقوب لماذا سرقت آلهتي!! تك31:20 إذا كانت له آلهة أخري كانت له أصنام سبق أن سرقتها راحيل تك31:19كيف أمكن لهذا الرجل أن يعبد آلهة يمكن أن تسرق؟!ولكن أن لابان كان يؤمن بتعدد الآلهة.
واضح هذا من قولهآلهتيومن قوله في اتفاقيته مع يعقوبإله إبراهيم وآلهة ناحور,وآلهة أبيهما,يقضون بينناتك31:53.
وقد ثار يعقوب علي خاله لاتهامه بسرقة أصنامه
لأن اتهامه بالسرقة عموما أمر مشين لكرامته واتهامه بسرقة الأصنام أمر ضد كرامة الله,وضد علاقته الشخصية بالله التي كان يحرص عليها.. لذلك قال له الذي تجد آلهتك معه,لايعيش قدام إخوتناأي أقاربناانظر ماذا معي وخذه لنفسك ولم يكن يعقوب يعلم أن راحيل سرقتها تك31:32
ففتش لابان كل الأمتعة ولم يجد شيئا وخدعته راحيل بأن وضعت الأصنام في حداجة الجمل وجلست عليها..
علي أن حكم يعقوب أبي الآباء -كنبي لله-لم يضع عبثا لقد قال للابانالذي تجد آلهتك معه لايعيشومع أن لابان لم يجدها مع أحد لكنها كانت موجودة مع راحيل.. ومع أن يعقوب لم يحكم علي راحيل بالذات, إذ أنه لم يكن يعلم أنها سرقت أصنام أبيها.. إلا أن حكمه وصل إلي سمع الله فاستجاب.. وهكذا ماتت راحيل في طريق أفراتة التي هي بيت لحمتك35:19ولم تكمل معهم الرحلة.
ما كان ممكنا أن تدخل بالأصنام إلي أرض الموعد وبخاصة عند بيت لحم التي كان سيولد فيها المسيح.. هذه الأصنام تدل علي أن راحيل قد تأثرت بالوثنية التي كانت في بيت أبيها.. وكان لابد أن يخلص الله يعقوب منها قبل عودته إلي بيت أبيه..
علي أن يعقوب عاتب خاله لابان وقال له
إنك قد جسست جميع أثاثي.. ماذا وجدت من جميع أثاث بيتك؟!ضعه هنا بين إخوتي وإخوتك لينصفوا بينناتك31:37ولم يكن ليعقوب إخوة في تلك المناسبة.. ولم تكن له إخوة أيضا في وقت إقامة شاهد بينهما من الحجارة حينما قال يعقوب لإخوته التقطوا حجارة تك31:45.ولكن عبارة إخوته كانت تعني الأقرباء ذوي القرابة الشديدة.
وأبرم يعقوب ولابان اتفاقية بينهما وعهدا:
جمعوا حجارة وأقاموها رجمة وعمودا وقال لابان ليعقوب شاهدة هذه الرجمة وشاهد العمود: إني لا أتجاوز هذه الرجمة إليك.. إنك لا تتجاوز هذه الرجمة وهذا العمود إلي الشرتك31:52وحلف يعقوب علي ذلك بهيبة أبيه إسحق.
وتم هذا الفصل الذي هو صراع يعقوب مع خاله لابان.. وبقي أن ندخل في فصل آخر من صراعه في اللقاء مع أخيه عيسو,وما سبق ذلك من صراعه مع الله.فإلي اللقاء في عدد مقبل,إن شاءت محبة الرب وعشنا.