هل يمكن أن يتسبب فيلم في اندلاع ثورة؟! طرق هذا السؤال ذهني بعد مشاهدتي لفيلم هي فوضي؟ تأليف ناصر عبدالرحمن وإخراج يوسف شاهين وخالد يوسف. وكان السبب الرئيسي لطرحي هذا السوال موقف الرقابة المتسلط تجاه الفيلم الذي يشعرك بأننا مازلنا في أوائل القرن العشرين حيث يعجز المشاهد عن التفريق بين واقعية الفوتوغرافيا والواقع الفني. فقد أصرت الرقابة أن يتم وضع علامة استفهام بعد اسم الفيلم لكي لا يصبح الاسم هي فوضي تقرير واقع ولكن مجرد سؤال! وفي مشاهد تم حذف الصوت. وفي مشاهد أخري تم كشط الصورة.. كل هذا بشكل بدائي حيث تظلم الشاشة أمامك وكأن المونتاج الإلكتروني لم يخترع بعد! وذلك بالرغم من التنويه المكتوب في بداية الفيلم عن احترامهم للشرطة, وأن الفيلم يدور حول فرد يمثل ذاته فقط وهذا يأخذنا إلي أحداث الفيلم. الذي يدور حول جبروت وتسلط أمين شرطة يدعي حاتم – استطاع الفنان خالد صالح أن يقدم شخصيته المركبة في تألق وإبداع يصل بالمشاهد لحد الإبهار – أمين الشرطة, يبث الرعب في نفوس الجميع ويحصل علي الإتاوات من الأهالي, ويقوم بتعذيب المحبوسين في زنزانة سرية فهو يري في نفسه القانون والحكومة ومصر, ويردد علي أسماع ضحاياه إيفيه ذا دلالة حيث يقول إللي مالوش خير في حاتم… مالوش خير في مصر وإلي جانب كل هذه الشراسة والقسوة نجده يحب بشغف ومعاناة جارته – منة شلبي – مما يجعله يطرق أبواب المشايخ ويذهب لكنيسة سانت تريزا ويبحث عن أي وسيلة سحرية لكي تقع جارته في حبه. ولكنها كانت تحب بالفعل – يوسف الشريف وكيل النيابة وابن ناظرة المدرسة التي تعمل بها – هالة صدقي – والذي يقدمه الفيلم كشخص ملتزم جدا في عمله ولكن في حياته الشخصية غير مثالي فقد كان علي علاقة بفتاة مستهترة – فليس مطلوبا من المنقذين أن يكون ملائكة – وبعد أن يقطع علاقته بهذه الفتاة يرتبط بـ منة. الأمر الذي يشعل النار في نفس حاتم ويحول الصراع العام بين عمل وكيل النيابة الذي يمثل وزارة العدل وبين أمين الشرطة الذي يمثل وزارة الداخلية إلي صراع خاص أيضا رأت فيه الرقابة أمرا تحريضيا, فقامت بحذف بعض جمل الحوار ومشاهد المواجهة بينهما. ويصل هذا الصراع إلي ذروته عندما يقوم حاتم باغتصاب منة. ولابد هنا من الإشادة بأداء الفنانة هالة فاخر التي قامت بدور والدة منة واستطاعت بعينيها أن تجسد حالة الهلع التي انتابتها عندما رأت ابنتها والدماء تلوث ملابسها. يستطيع حاتم بمعاونة المأمور وضابط القسم أن يثبت أنه كان في مأمورية رسمية وقت وقوع الجريمة. وعندئذ تتذكر منة شخصا كان يعاون حاتم أثناء خطفها وعن طريق أجهزة الكمبيوتر بالداخلية يتم تحديد شخصيته – لماذا لم يتم اعتبار هذا المشهد إشادة من صناع الفيلم باستخدام وزارة الداخلية للأساليب العلمية الحديثة, بما يعني أنه ليست هناك حالة تصيد للأخطاء فقط – كما كتب البعض – وتتوالي الأحداث حيث يثور أهالي الحي علي القسم ويستطيع وكيل النيابة الوصول إلي الزنزانة السرية بعد أن يكشف له الساعي العجوز عن مكانها.
الفيلم يعد من أجرأ الأفلام التي قدمتها السينما المصرية وقد دمج بين روح وخبرة يوسف شاهين واللقطات السريعة التي تمتاز بها أفلام خالد يوسف. وهو يحقق متعة فنية كبري علي مستوي الأداء والطرح ولعل الإقبال الجماهيري الكبير علي الفيلم يؤكد أنه لمس وترا حساسا في الواقع المعاش عبر عنه الواقع الفني بصدق شديد.
EM: [email protected]