خلال شهر أبريل الماضي زار الرئيس السوري بشار الأسد النمسا وبشر بالدور الذي تستطيع سورية لعبه في المنطقة, وهو دور الوسيط الاستراتيجي بين دول الشرق الأوسط من جهة وأوربا من جهة ثانية بما يجعل من سورية جسرا للحوار الثقافي والسياسي بين ضفتي المتوسط. واعتبر الرئيس السوري خلال الزيارة أن التعاون الاقتصادي الذي تطمح إليه سورية يعزز فرص السلام. وقارن بين موقع سورية الوسطي في المنطقة وموقع النمسا في قلب أوروبا.
تزامنا مع الزيارة اعتبر المسؤولون السوريون أن رؤية تحويل سورية إلي محور ربط يسير بخطي ثابتة بحيث تم الاتفاق مع العراق علي ترميم أنبوب نفط كركوك بانياس وإقامة أنبوب جديد لنقل النفط بطاقة 1.2 مليون برميل يوميا وربط الغاز العراقي بشبكة الغاز السوري وإيصاله إلي تركيا عبر دير الزور إضافة إلي مشروع الربط الكهربائي العربي بالشبكة الخليجية وبأوربا عبر تركيا. وهناك مشاريع بقيمة 50 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة لتحويل سورية إلي عقدة ربط استراتيجية, ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلي تحول هائل في الشرق الأوسط..! انطلاقا من أن دور الوسيط الاقتصادي يستوجب التكامل مع دور الوسيط السياسي بين الغرب والشرق أو بين الغرب وإيران تحديدا.
أهمية هذه الرؤية أنها تلت نظرية السلام الاقتصادي التي طرحها نتانياهو توطئة لمقاربة تجارية سياحية لمسألة الجولان والرفع من الأثمان التعجيزية وفرض شروط اقتصادية من بينها إعطاء شركات دولية امتيازات هناك أو جعلها منطقة مفتوحة تحظي برعاية دولية خاصة ويدخلها الرعايا الأجانب من كل الجنسيات من دون استثناء.
واستبق الرئيس السوري الزيارة بتصريح أكد فيه أن حماس وحزب الله لن يقوما بأي عمل عسكري ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية.
بدا من الواضح أن الخيار الذي اتبعته سورية يقضي بالتجاوب مع استراتيجية أنابوليس ومبادرة أوباما بحيث لم يعد قياس مدي ابتعاد سورية عن إيران مكمن المسألة, إذ لا يحتاج المرء إلي كثير من العناء ليكتشف أن التعاون الذي توصلت إليه سورية مع الغرب انطلاقا من النافذة الفرنسية هو مدخل إلي مكانة استراتيجية تعتمد السلام منطلقا لمحاكاة المستقبل وتحقيق المصالح من دون أي تردد في المطالبة بمفاوضات علنية أو مباشرة مع إسرائيل أيا تكون حكومتها وفي الوقت ذاته فهي تسير بخطوات إيجابية تجاه الملف اللبناني وتحتفظ بالحد الأدني من الوصاية علي ما تبقي من منظومة الممانعة أو تتقاسم وإيران النفوذ عليها.
سورية هذه المتصالحة مع الغرب والمتجاوبة مع الأجندة الدولية عموما والعربية نسبيا, تبتعد في شكل مطرد عن أي صراع إقليمي مسلح قد يطرأ في لحظة من اللحظات. والمظلة التي تشكل شرعية لنظامها اليوم لم تعد مظلة تقليدية أو تتصل بالماضي وتتعلق بقدرات إيران وحماس وحزب الله إنما تحولت إلي إطار مستقبلي متصل بالحلقة الأوربية والأمريكية واستراتيجية الانفتاح الاقتصادي والسياسي والتعاون مع المجتمع الدولي والتجاوب لحل القضايا العربية الحساسة في فلسطين ولبنان إذ استطاعت سورية التأكيد أن لا سلام من دونها وأن دورها الإقليمي يمكن أن يتناسب مع متطلبات الإدارة الأمريكية الجديدة وشروط الشراكة الأوربية علي قاعدة التقدم نحو مزيد من الخطوات الليبرالية حتي لو كانت الديموقراطية أقل. وبالتالي فهذا الذي طرأ في التموضع السوري يطرح كثيرا من الأسئلة التي ترتسم حول مقدار انكشاف القوي التي ارتبطت بها أمام ما يمكن أن تحمله لها التسويات أو الاستحقاقات المقبلة.
أين حزب الله و مظلته من كل ذلك؟
لقد أظهرت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية وما تبعها من حركة مشاورات محلية وإقليمية أن الهاجس الذي حكم حركة حزب الله كان مسألة الضمانة أو الحماية التي استوجبت من الحزب اعتماده مقاربة جديدة علي ضوء معطيات عدة منها إعادة التموضع السوري ونتائج الانتخابات اللبنانية وأزمة إيران الداخلية ثم الأهم من هذا كله هو محاولة استشراف الاستحقاقات التي سيواجهها حزب الله في المستقبل مثل القرار الظني للمحكمة الدولية أو الاستهداف الإسرائيلي للبنان والإلحاح الدولي الذي يلقي ترحيبا من دمشق بإدخال لبنان إلي المفاوضات مع إسرائيل وموضوع التوطين.
يظهر حزب الله وكأنه يبحث عن تفاهم إقليمي يقر بقدرته علي لعب دور إيجابي في لبنان والمنطقة وبدا أنه يدفع باتجاه رعاية سعودية واحتضان عربي يمهد لترميم علاقته بالعمق السني انطلاقا من إقراره بنتائج الانتخابات اللبنانية, ومن ثم تخليه عن الثلث المعطل في حكومة سعد الحريري. لكنه من جهة ثانية بدا ضحية ارتباطه بحلف 8 آذار الذي يمنعه من العمل وفق خصوصيته ووضعيته الإقليمية التي تتطلب منه الدخول إلي الحكومة وترميم علاقته بالسنة والدروز الذين يشكلون الحاضنة الديموغرافية الأقرب فيما لو تكررت حرب تموز ونزح الجنوبيون من قراهم.
لقد أراد حزب الله من الانتخابات النيابية أن تشكل استفتاء علي سلاحه فجاءت النتيجة معاكسة وذهب إلي درجة التحدث عن تغيير يطاول مصادر تسليح الجيش اللبناني بعد الانتخابات. من جهة أخري راحت الديبلوماسية الإيرانية إلي درجة المقايضة المسبقة مع الغرب علي اعتبار أنها وصلت إلي شاطئ المتوسط ديموجراطيا. زاد الرهان الإيراني علي الديموقراطية اللبنانية من تعريتها وظهر أن الوسيلة الوحيدة لزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة تتم بالوسائل والأطر غير الديموقراطية.
الخطر في الموضوع أن تبني إسرائيل علي هذه المستجدات وأن تذهب باتجاه استفراد حزب الله علي قاعدة أنه معزول داخليا ومتخلي عنه إقليميا, فيما تبتعد إيران عن دائرة التأثير كلما اقتربت سورية من الغرب والعرب. ومن هذه الزاوية يمكن فهم الحركة التي يقوم بها بعض أركان 14 آذار الذين, وعلي رغم اصطدامهم سياسيا وعسكريا مع حزب الله في السابق, يدفعون اليوم باتجاه عدم انكشافه أمام إسرائيل وفقا للقاعدة التي تقول إن ضمانة حزب الله تتلخص بالإجماع اللبناني علي دوره والذي تقرره طاولة الحوار. إنما غير المفهوم لحد الآن هو أن يعمل بعض حلفاء حزب الله علي الاستقواء به مجددا ودفعه إلي خيارات صعبة تزيد من خصوماته وبالتالي انكشافه أمام التحديات.
* كاتب لبناني
نقلا عن جريدة الحياة