إلغاء أنقرة لمناورات جوية كان من المزمع عقدها بين تركيا وحلف شمال الأطلسي بمشاركة إسرائيل ترجم مزيد من التوتر في العلاقات التركية – الإسرائيلية والذي بدأ يطفو علي السطح بعد قيام إسرائيل بضرب قطاع غزة نهاية العام الماضي دون احترام للوساطة التركية لحل الأزمة مع الفلسطينيين كما صرح آنذاك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
تصريحات المسئولين الأتراك وعلي رأسهم اردوغان لم تتوقف ولم تتوان عن انتهاز أي فرصة في مؤتمر دولي أو لقاء ثنائي وعلي أي مستوي لتؤكد أهمية الدور التركي في المنطقة و الرؤية التركية في حل النزاعات القائمة و الاستعداد الدائم للعب دور الوساطة هنا و هناك بدءا بالمفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل مرورا بالأزمة العراقية السورية ومحاولة اقناع الإسرائيليين برفع الحصار عن غزة, وانتهاء بالعمل علي محاولة رأب الصدع بين الدول الغربية وإيران بشأن برنامجها النووي ناهيك عن دورها في المصالحة الفلسطينية وتقريب وجهات النظر بين الأطراف اللبنانيين لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ولعل هذا الدور التركي الآخذ في الاتساع قد فرض وجوده و بني لحضوره بنية صلبة مستمدا طاقته و قدرته و فعاليته من التطور اللافت في العلاقات بين ##سورية الأسد## و##تركيا العدالة والتنمية## و التي بدأت تقطف ثمارها بشكل واضح و جلي, حيث كانت العامل الحاسم في رسم خريطة جيوسياسية جديدة مستندة إلي إدراك الطرفين أن كونهم معا من شانه ان يطلقهما قوتين اقليميتين واسعتي النفوذ و الشأن و التأثير . فدمشق ارادت تركيا الجغرافيا و العمق التركي المتغلغل في اوروبا و صلة الوصل بين العالم العربي و الغرب بما لذلك من آثار سياسية اقتصادية سياحية و ثقافية مهمة من جهة, و لما تحققه لسوريا من توازن استراتيجي مهم غاب نتيجة فقدان الشريك العربي القادر علي مد سوريا بذلك النوع من القوة الناعمة بعد التوتر في العلاقات السورية مع السعودية ومصر منذ حرب يوليو علي لبنان عام 2006 من جهة أخري.
أما تركيا الطامحة إلي إحياء أمجاد الحكم العثماني فقد ادركت و بشكل لم يسبق له مثيل أن قوتها في محيطها و تأثيرها في جوارها الجغرافي و خاصة في الشرق الأوسط هو مفتاح دخولها إلي الاتحاد الأوربي وإن لم يتحقق ذلك فأنها ضمنت لها علي أقل تقدير عمقا في العالم العربي يؤسس لشراكة طويلة و علاقة استراتيجية تتيح لتركيا توسيع رقعة نشاطاتها السياسية و تفتح أمامها أسواقا مهمة من شانها دعم عملية التنمية والتطوير فيها مستعيدة بذلك جزءا من هالتها التاريخية إنما هذه المرة باستخدام ادوات جديدة اكثر معاصرة و فعالية. وقد برهنت الدولتان علي الحنكة السياسية و القدرة علي اقتناص الفرصة التاريخية حيث قدما نموذجا مهما لما يمكن أن تتوصل له الدول من تحالفات و تفاهمات مبنية علي الثقة و لغة الحوار و المرونة في التعاطي و بذل كل ما من شانه تذليل العقبات و المشاكل التي واجهت الطرفين في الماضي , كحل مسألة الحدود وقضية لواء إسكندرون العالقة منذ عام 1938 و الاتفاقات المائية المتعلقة بنسب ضخ المياه في كل من دجلة والفرات والاتفاقات الأمنية و العسكرية التي وطدت ثقة الطرفين ببعضهما
ومن هنا فإن ما جاء من إعلان تركي عن إلغاء المناورات العسكرية لم يشكل أية مفاجأة فهو ياتي في سياقه الطبيعي و يبلور التوجه التركي الصادق و يعبر عن احترام لعقول الجماهير التي أثنت و باركت و هللت للموقف التركي الرافض و المندد بمجازر إسرائيل ووحشيتها في غزة .
و يكفي أن نري هذا الإعلان متزامنا مع زيارة وزير الخارجية التركي إلي سورية وتوقيع اتفاق الغاء سمات الدخول بين البلدين لنجده الدليل الأكبر علي مستقبل واعد في المنطقة يحمل في طياته الخير و الاستقرار ليكون مثلا يحتذي و صيغة يجب التعمق في دلالاتها كعهد جديد آن فيه للجغرافيا أن تتكلم…