تحدثنا في الأعداد الماضية عن عنصر العمق وعن عنصر القوة في الحياة الروحية.ونتحدث عن صفة أخري للإنسان الروحي وهي:
القلب مع الله
* الإنسان الروحي,حياته ليست مظهرية من الخارج,ولاهي مجرد ممارسات يمارسها,ولا مجرد فروض ولامجرد ناموسأي وصايا تنفذ حرفيا,إنما حياته الروحية قبل كل شيء,هيحياة القلب مع اللهلأن الرب يقول.
يا ابني أعطني قلبك,ولتلاحظ عيناك طرقيأم23:26.
المهم أن تعطيني قلبك.وإن أعطيتني هذا القلب,سوف تلاحظ عيناك طرقي.ويقول الوحي الإلهي في سفر الأمثال أيضافوق كل تحفظ أحفظ قلبك,لأن منه مخارج الحياةأم4:23…حياة الإنسان الروحية كلها تخرج من هذا القلب.لذلك علي الإنسان أن يهتم بقلبه ونقاوته .ومن أهميته قال الرب في تطويباته في العظة علي الجبل.طوبي لأنقياء القلب,لأنهم يعاينون اللهمت5:8.
حقا ما أعظم مكافأة القلب النقي…إنه يري الله!!
فليست الحياة الروحية كلاما,ولا مظهرية خارجية…فإن المرتل يقول في المزموركل مجد ابنة الملك من داخلعلي الرغم من أنها مشتملة بأطراف موشاة بالذهب,ومزينة بأنواع كثيرةمز45:13.
ولهذا نجد أن الرب قد قال من جهة وصاياه.ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم علي قلبكتث6:6.
وقال المرتل في ذلكخبأت كلامك في قلبي,لكي لا أخطيء إليكمز119.وحينما تكون وصية الله داخل القلب,تكون مختلطة بالمشاعر والعواطف والأحاسيس وتكون أيضا مرتبطة بالمحبة التي في القلب,كما قال داود في المزمورأحببت وصاياك جداممحص قولك جدا عبدك أحبه مز 119.. القلب هو مركز المشاعر… والله يريد مشاعر قلبك..يريد محبتك ولذلك قال:
* تحب الرب إلهك من كل قلبك,ومن كل فكرك…مت22:37.
وكذلك تحب قريبك كنفسكوقال الرب عن هذه المحبة, إنه بهايتعلق الناموس كله والأنبياءمت22:40وعبارةمن كل قلبكتعني أنه لايوجد في القلب أي شخص أو أي شيء ينافس الله في محبة القلب له.ولهذا قال الربمن أحب أبا أو أما أكثر مني,فلا يستحقني.ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني,فلا يستحقنيمت10:37…كل القلب لله.
والله يطلب هذا,فيقول في سفر النشيد.
اجعلني كخاتم علي قلبك.كخاتم علي ساعدكنش8:6.
كخاتم علي قلبك من جهة الحب,وعلي ساعدك من جهة العمل.وهكذا يكون العمل الذي يقوم به الإنسان الروحي هو نتيجة طبيعية لمحبته لله وللناس…وكلما كان القلب عميقا في محبته فعلي هذا القدر يكون عمله لأجل الله قويا…
0 والقلب النقي يكون كلامه نقيا,ويكون فكره أيضا نقيا,لأن الفكر يصدر عن القلب,والكلام يصدر عن القلب.وقد قال الرب في ذلك.
الإنسان الصالح,من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاحلو6:45.
والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر.
إذن المهم هو القلب,لأن منه مخارج الحياةهو النبع الذي يخرج منه الفكر والكلام والعاطفة,بل هو المؤثر علي الحواس أيضا…إن البعض قد يدافع عن إنسان غضوب تخرج من فمه ألفاظ قاسية شديدة فيقول علي الرغم من غضبه,فإ ن قلبه أبيض!كلا,فالقلب الأبيض تخرج منه ألفاظ بيضاء مثله.وقد قال الرب:
من فضلة القلب يتكلم الفملو6:45مت12:34مت15:18.
ولذلك فخطية اللسان هي خطية ثانية ,أو خطية تابعة أما الخطية الأولي السابقة لها فهي في القلب…القلب فيه نفاق,تخرج منه ألفاظ نفاق. القلب فيه غضب,تخرج منه ألفاظ غضب.القلب فيه حنو وعطف,تخرج منه ألفاظ حنو وعطف….وهكذا مع باقي الأمور…وهكذا يقول المرتل في المزمور.
فاض قلبي بكلام صالحمز45:1
هذا يكون مع الصالحين ,الذين قلوبهم وألسنتهم في مجري واحد,كما نقول في التسبحةقلبي ولساني يسبحان القدوس.وعكس ذلك المراءون الذين قلوبهم غير ألسنتهم!أولئك الذين وبخهم الرب قائلا…كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار؟!مت12:34هذا المرائي الذي يتكلم بغير ما في قلبه,قد تكشفه نظرات عينيه.فإن العين كثيرا ما تكون مرآة للقلب تظهر فيها أحاسيسه كلها..وقد تكشف ملامح وجهه أونبرات صوته.
والإنسان الروحي بسيط القلب,لا يضمر غير ما يظهر!
هو إنسان صريح.ما يقوله لسانه هو نفس الذي في قلبه إذا امتدح إنسانا فهو يثق به هكذا في قلبه. وإن اعتذر لإنسان عن خطأ يكون هذا الاعتذار صادرا حقا من قلبه بينما غيره قد يعتذر ولا يكون اعتذاره مقبولا لأنه لم يصدر من القلب!وقد يقول لشخصالله يسامحك وهو يقصد الله يجازيك حسب عملك!!.
إن الله أعلم بما في القلب فهو وازن القلوبأم21:2.
وقد قال الكتاب عن الله إنهفاحص القلوب والكليأر11:20هو يعرف خفيات القلبمز44:21الرب يعرف أفكار الإنسانمز94:11وقيلالقلب أخدع من كل شيء,وهو نجس. من يعرفه؟!أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلي لأعطي كل واحد حسب طرقه…أر17:9.
أما الإنسان الروحي فقلبه مستقيم أمام الله
والرب يعرف القلوب المستقيمة,والقلوب الملتوية.
ويقول الكتاب نور أشرق للصديقين,وفرح للمستقيمي القلبمز97:11ويقول كراهة الرب ملتوو القلب1م11:20…والمستقيمون بقلوبهم يقول عنهم الكتاب إنهم يدعون الرب من قلب نقي2تي2:22.
وعن هذا القلب يقول داود النبي في مزمور التوبة:
قلبا نقيا اخلق في يا الله,وروحا مستقيما جدد في أحشائيمز51:10.
0 وهذه النقطة تنقلنا إلي التوبة وعلاقتها بالقلب…التوبة الحقيقية ليست هي مجرد ترك الخطية بالفعل, إنما ترك الخطية من القلب.أي أن القلب لم يعد يحبها وكمال التوبة هو كراهية الخطية.وإذا كره الإنسان الخطية,فلن يعود إليها مرة أخري.وهكذا تصبح توبته هي خط فاصل بين حياة بعيدة عن الله,وحياة جديدة تشتاق إلي الله.وعن هذه التوبة القلبية قال أحد القديسين إن التوبة هي استبدال شهوة بشهوةأي يترك الإنسان شهوة العالم,وتصبح كل شهوته هي الحياة مع الله وهكذا قال الرب في التوبة:
ارجعوا إلي بكل قلوبكميوء2:12.
مزقوا قلوبكم لاثيابكم,وارجعوا إلي الرب إلهكميوء2:13فالتوبة هي اشتياق للرجوع إلي الله,واستجابة لصوته ولعمل نعمته في القلب.أما الإنسان الذي لايستجيب لصوت الله,فهو إنسان قاسي القلب.وفي ذلك يقول الرسول:
إن سمعتم صوته ,فلا تقسوا قلوبكمعب3:15.8.
ويكرر ذلك فيعب4:7وهذا نفس ما قيل قديما في المزموراليوم إن سمعتم صوته,فلا تقسوا قلوبكممز95:8,7إذن فالله ينظر إلي عدم التوبة من خلال القلب الرافض قبل العمل العاصي ولذلك فهو في قيادتنا إلي التوبة يعدنا بتغيير هذا القلب.فإن تغير يتغير السلوك طبقا لذلك وهكذا يقول الرب:
أعطيكم قلبا جديدا وأجعل روحا جديدة في داخلكمحز36:26.
وانزع قلب الحجر من لحمكم,وأعطيكم قلب لحمفهو يعتبر التوبة تبدأ من القلب.والقلب التائب هو قلب حجر,قلب صخر قلب قاس,كما كان قلب فرعون قلبا قاسيا.
ويكرر الرب نفس الكلام في سفر أرميا النبي فيقول وأعطيكم قلبا ليعرفوني أني أنا الرب,فيكونوا لي شعبا,وأنا أكون لهم إلها لأنهم يرجعون إلي بكل قلوبهمأر24:7.
ورجوع الإنسان معناه أن إرادة قلبه تتحد مع إرادة الله.
الله يعمل في قلبه,وهو يرجع بقلبه إلي الله.وهكذا يقول الرب في سفر يوئيل النبيارجعوا إلي بكل قلوبكميوء2:12ويقول في سفر حزقيال النبياطرحوا عنكم كل معاصيكم التي عصيتم بها.وأعملوا لأنفسكم قلبا جديدا وروحا جديدةحز18:31وعن نتائج هذا القلب الجديد,يقول القديس بولس الرسول..تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكمرو12:2فإن القلب إذا تغير من الداخل تتغير أفكاره أيضا.لأن الأفكار الشريرة تخرج من القلب,كما قال الربمت15:19إذن لابد من تغيير القلب.
عيب الكثيرين أنهم يظنون التوبة مجرد الاعتراف بالخطايا ويستبقون خطية محبوبة في القلب.
وبسبب هذه الخطية المحبوبة يرتدون عن توبتهم ويسقطون مرارا كثيرة لأن القلب ليس كله لله,ولأنهم لم يرجعوا إلي الله بكل قلوبهم..ولم تتجدد أذهانهم, إذ لايزال الفكر متعلقا بالخطية كالقلب أيضا هؤلاء توبتهم من الخارج وليس من الداخل .وينظر الله إلي الداخل ويقول يا ابني أعطني قلبك…حنانيا وسفيرا وضعوا المال تحت أقدام الرسل ولكن لم يضعوا الله في قلوبهم. كانت في قلوبهم محبة المال,ولو بعض المالأع5:1-4
كثيرا ما ندعو أولادنا إلي الحشمة في ملابسهم,دون أن ندخل الحشمة إلي قلوبهم.
بينما لو دخل الله إلي قلوبهم لاقتنعوا بالحشمة قلبا وفكرا,وحينئذ تأتي الحشمة في الملابس والزينة كعمل تلقائي طبيعي دون ضغط من الخارج,يكون فيه القلب مشتاقا إلي ذلك!
* ينبغي أن نسمو عن مستوي الأعمال الظاهرة إلي مشاعر القلب من الداخل.
يوجد ابن قد يطيع أباه خوفا أو لمجرد فضيلة الخضوع بينما قلبه متمرد من الداخل علي أوامر أبيه ولم يخضع بعد قلبا ولا فكرا…وقد يدفع إنسان العشور,وقلبه غير مستريح فهو قد دفعها من جيبه,وليس من قلبه …أما الإنسان الروحي إذا أعطي يعطي من قلبه برضي وسرور حسب قول الكتاب المعطي بسرور يحبه الرب.
وقد يصوم إنسان عن الطعام بفمه,وقلبه غير زاهد في هذا الطعام,وهو يتحايل علي الطعام بألوان وطرق شتي فيبحث عن المسلي الصيامي والجبنة الصيامي,والشكولاتة الصيامي. كما يبحث عن طريقة الطهي التي تجعل الطعام الصيامي شهيا..!! أين جوهر الصوم هنا؟ما علاقته بالقلب؟!
وقد يضرب إنسان مطانية بجسده ,بينما قلبه لم ينحن مثل انحناءة رأسه.
ولا تكون في مطانياته روح الندم,ولا روح الخشوع ولا روح التوبة.ولذلك حينما يعتذر لغيره بمطانية لاتكون مقبولة منه …وقد يعترف إنسان بخطاياه وقلبه غير نادم عليها وقد يصمت إنسان عن الكلام بلسانه ,ويكون في فكره كلام كثير!
وقد يتكلم إنسان بكلام اتضاع,ولا يكون قلبه متضعا وقد تكون كلماته الين من الزيت,وهيمز 55:.وفي كل ذلك يقول الربيا ابني أعطني قلبك
* الإنسان الروحي يعطي القلب لله,لأن القلب فيه كل المشاعر والروحيات.
خذوا الإيمان مثلا:فرق كبير بين المؤمن اسما وبين المؤمن من أعماق القلب,الذي يظهر إيمانه في كل أعماله يع2:18….المؤمن الذي يري الله أمامه في كل حين. ووجود الله بالنسبة إليه,ليس مجرد عقيدة ,بل هو حياة يحياها ويحسها…
والغيرة المقدسة ليست مجرد عمل أو كلام,بل من القلب تصدر.
والوداعة والاتضاع وباقي الفضائل ,ليست هي مجرد أعمال ظاهرية فهناك فرق كبير بين المتواضع بلسانه,والمتواضع بقلبه المقتنع في داخله بأنه خاطيء وضعيف ولولا نعمة الله التي تسنده ليسقط كغيره…
والقلب أيضا هو مصدر الأحلام والظنون والأفكار والشكوك…وهو أيضا مصدر كل ثمار الروحغل5:23.22
المحبة مثلا,والفرح,والسلام…كلها صادرة من القلب..وطول الأناة واللطف والصلاح والتعفف ….كلها صادرة عن القلب,وإلا فإنها تفقد معناها وما فيها من بر..
الصلاح ليس قبورا مبيضة من الداخلمت23:27,وإنما هو صلاح القلب…والطهارة ليست مجرد الهرب من الخطية,إنما هي نقاوة قلب…
الإنسان الروحي في كل عمل يعمله,يدرك أن الله ناظر إلي قلبه وإلي نيته وقصده.
ومن كنز قلبه الطاهر ,يخرج كل عمل طاهر.حيث يكون كنزه,يكون قلبه أيضامت6:21وكنزه الوحيد هو الله…وهو في كل حين يقول للربمستعد قلبي يا الله مستعد قلبيمز57:1حتي إن نام تقول نفسه للهأنا نائمة ,وقلبي مستيقظنش5:2.
* الإنسان الروحي في صلاته,تكون صلاته خارجة من قلبه.
وليس مثل أولئك الذين قال عنهم الربهذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فمبتعد عني بعيداأش 39:12مت15:8.إنما قلبه متصل بالله تماما. وهو يتكلم ويشعر بوجوده في حضرة الله,وإنه يكلم الله ويقول قلبي ولساني يسبحان القدوسويردد مع داود قوله في المزمور.
من كل قلبي طلبتكمز119.
حتي في القداس ,وفي التسبحة,لاتكون صلاته مجرد لحن,أو مجرد ألفاظ يرددها أو تلاوة ,إنما هي مشاعر قلب انسكب أمام الله…في انسحاق ,في خشوع,في إيمان, في حب,في فهم في تأمل,في حرارة والتهاب قلب.
ويتقدم واحد من الأربعة والعشرين قسيسا,ويأخذ صلاته في مجمرته الذهبية ويصعد بها إلي فوق.