عندما انعقد المؤتمر الدولي للدراسات القبطية بالأنبا رويس بالقاهرة في الفترة من 14 إلي 20 سبتمبر 2008, حضره عدد لا بأس به من المتخصصين الأجانب والمصريين, موفدين من قبل جامعاتهم ومراكز البحوث التي يعملون بها في الخارج.
والباحث الأجنبي, تعتبر الدراسات القبطية بالنسبة له وحدة من العلوم الإنسانية عن مصر كبلد حضاري, أما بالنسبة لدارسي القبطيات من المصريين عموما والأقباط خصوصا, تعتبر الدراسات القبطية جزءا من الهوية.
ولعل من المناسب أن نتعرف علي مصادر المعلومات لباحث القبطيات في مصر, وهي غالبا المكتبات, فقد حظيت مصر بعدد لا بأس به من المكتبات العريقة سواء الحكومية أو الخاصة, ففي مجال القبطيات نجد مكتبات معهد الدراسات القبطية بالأنبا رويس, ومكتبة جمعية الآثار القبطية, ومكتبة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة, بالإضافة إلي مكتبات بعض الرهبانيات مثل الفرنسيسكان والدومنيكان والجزويت, وهي مكتبات متميزة يصدر عن بعضها دوريات علمية, كما أن بعض هذه المكتبات مثل مكتبة المعهد الفرنسي للآثار لها موقع علي شبكة الإنترنت يضم فهرس المكتبة, وينضم إلي هذه المكتبات المركز الثقافي القبطي الجديد بالأنبا رويس.
فعلي الرغم من وجود هذه المكتبات المتميزة التي تقدم خدمة جيدة للباحثين المحترفين, إلا أن معظمها تتركز في القاهرة وبالتحديد في أحيائها القديمة كالعباسية والسيدة زينب مما يحرم من هم من خارج القاهرة من ارتيادها بسهولة, ثم تأتي صعوبة الحصول علي الدوريات ومكتب الخاصة بالقبطيات, وهنا ليس أمام الباحث أو الدارس إلا اللجوء إلي المكتبات المتخصصة وقضاء أوقات قد تطول أو تقصر علي حسب حاجته, ولأن طبيعة دارس القبطيات في مصر كما أوضحنا سابقا أنه في معظم الأحوال ليس موفدا من معهد علمي أو جامعة تمنحه التفرغ اللازم لذلك بل هو غالبا من الشباب الذين تدفعهم محبة المعرفة, فعليه توفير الوقت والمال اللازمين لذلك وهي المشكلة الحقيقية التي تواجه الشباب الدارس للقبطيات, لهذا يعتمد علي المعلومات من شبكة الإنترنت.
يقف حق المؤلف أو ما يسمي بالـ Copyright أمام الحصول علي المقالات من شبكة الإنترنت, فغالبا ما يظهر عنوان المقالة المطلوبة وبجانبها الثمن الذي يجب أن يدفعه, المشتري بالعملة الصعبة, وفي بعض الأحيان يترك المؤلف بعض أعماله متاحة مجانا كنوع من الدعاية الشخصية, وعلي كل الأحوال إذا أمكن تسهيل الحصول علي هذه البيانات فإن جزءا كبيرا من مشكلة الباحثين تكون قد أخذت طريقها للحل, فمن المعروف أن حجم المقالات الخاصة بالدراسات القبطية ليس ضخما في الدوريات العملية مقارنة بالتخصصات الأخري كالدراسات المصرية القديمة أو غيرها, فيمكن إتاحة جزء لا يستهان به من هذه المقالات علي أحد المواقع القبطية العلمية بعد طلب السماح بذلك, والحقيقة أن هناك مواقع قبطية مهمة نذكر منها موقع جمعية الأنبا شنودة رئيس المتوحدين للدراسات القبطية بولاية لوس أنجيلوس بالولايات المتحدة, وقد شارك الدكتور هاني تكلا المؤسس لهذه الجمعية في مؤتمر القبطيات الأخير بالقاهرة وتحدثت معه في إمكانية إتاحة مثل هذه المقالات علي موقع الجمعية, فأفاد بأن مشكلة حقوق النشر من المشاكل الكبيرة, وكان من رأيه أنه في مثل هذه الحالة يمكن إتاحة الموقع والمقالات لمن يدخل إلي الموقع علي أساس تقديم العون للدارسين, والحقيقة أن هناك بعض المؤلفين لا مانع عندهم من وضع إنتاجهم العلمي علي شبكة الإنترنت, فعندما عرضت هذا الأمر علي الأب الدكتور سمير خليل اليسوعي أستاذ الأدب العربي المسيحي والمشارك في المؤتمر أيضا, وهو من أغزر المؤلفين إنتاجا حيث تربو مقالاته علي الألف, رحب بهذه الفكرة بل إنه كمؤلف لا مانع لديه من وضع إنتاجه العلمي موضع الإتاحة للجميع.
يمكن ببعض الجهد والاهتمام من الجهات المعنية سواء الجمعيات أو الأفراد وكذلك الكنيسة القبطية أن يكون هناك بروتوكول أو اتفاق ما لهذه الإتاحة الإلكترونية, أما بالنسبة للمواقع القبطية داخل مصر, فقد عرضت الفكرة علي جناب القمص مينا عازر المسئول عن نشاط علمي جيد وهو أسبوع القبطيات بكنيسة السيدة العذراء بروض الفرج حيث يتم تخصيص أسبوع كل عام للدراسات القبطية ويصدر عنه كتاب يحوي المقالات, فرحب بالفكرة وأكد أنه لا مانع من إتاحة هذه المقالات علي موقع الكنيسة خاصة أن معظم هذه الأعداد قد نفدت ولا سبيل لإعادة طباعتها, وهكذا يمكن أن تبدأ الفكرة بعدة مواقع محلية وخارجية ثم ما تلبث أن تزيد مع الوقت, لم تراودني هذه الفكرة بمفردي, ففي إحدي الجلسات الختامية لمؤتمر القبطيات, وقف شاب مصري وتحدث بالإنجليزية إلي الحاضرين, وقال إنه حضر خصيصا من إحدي حواضر الصعيد ربما أسيوط لحضور المؤتمر وأنه يناشد الدارسين الذين شاركوا في المؤتمر بوضع هذه المحاضرات علي شبكة الإنترنت للاستفادة بها, هذا الطلب نفسه كان غريبا علي أسماع الحاضرين من الأجانب, نظرا لأن هذا العمل بالنسبة لهم كما أسفلنا مثل أي عمل أكاديمي آخر يسير في قنواته المعتادة من نشر علمي وحقوق ملكية فكرية إلخ…., بينما الشاب القبطي الذي تحدث عن هذه الإتاحة علي شبكة الإنترنت يتحدث من منطق أن هذا التراث هو تراث الشعب المصري عامة والأقباط خاصة أن المعلومات التي أتاحها المؤتمر عن مصر تستحق أن تنشر للجميع وهذه هي نقطة الالتقاء بين الأكاديمي والعام في طبيعة الدراسات القبطية, والحقيقة أن الأمل تحقق بإنشاء الكنيسة القبية لمركز ثقافي علي مستوي رفيع وفي القلب منه مكتبة متميزة ينتظرها دارس القبطيات.
لقد كانت مناسبة مؤتمر القبطيات التاسع المنعقد في القاهرة مناسبة للتواصل مع الآخرين خاصة من المصريين الذين يعملون في هذا المجال بالخارج من أمثال د. جودت جبرة, د. أشرف صادق, د. رامز وديع, د. يوحنا نسيم, د. صموئيل معوض وغيرهم من الذين ساهموا في دفع الدراسات القبطية داخل مصر بمساعداتهم العملية ولكن يبقي أن يتحقق لدارس القبطيات المصري في الداخل فرصة للحصول علي المعلومة بسبل حديثة توفر له بعض الوقت والجهد لينفقهما في البحث نفسه.