رغم نفي وزير خارجية إيطاليا فرانكو فراتيني لما تصفه حاليا وسائل الإعلامبحرب العقودبين فرنسا وإيطاليا للفوز بنصيب الأسد في كعكعة بترول ليبيا وعملية إعادة إعمار ما دمرته المعارك الحربية إلا أن ما يصدر عن الدولتين بشأن ليبيا أن الدول الغربية بدأت المرحلة الأهم في حقبة ما بعد القذافي وهي استعادة أضعاف ما أنفقته في تمويل الحملة العسكرية التي شنها حلف شمال الأطلنطيالناتولمساعدة الثوار في إسقاط نظام القذافي.
ففي الوقت الذي رفض فيه فراتيني المعلومات التي تتحدث عن دخول إيطاليا وفرنسا في سباق محموم للفوز بالعقود الليبية لم يعد لوسائل الإعلام الإيطالية من حديث بعد سقوط العاصمة الليبية طرابلس في أيدي الثوار سوي تناول وتحليل التنافس الشديد بين إيطاليا المستعمر السابق لليبيا وفرنسا أول من اعترف بالثورة الليبية لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في مرحلة ما بعد القذافي سواء فيما يتعلق بالنفط أو عملية إعادة الإعمار.
فلم تستطع تصريحات فراتيني لراديورايالحكومي والتي نفي فيها وجود معركة استعمارية بين فرنسا وإيطاليا للاستيلاء علي ثروات ليبيا إقناع صحيفةلاستامباالإيطالية بعدم وجود ما أسمته الصحيفة بالحرب الاقتصادية الحقيقية التي تشنها الدولتان علي بعضهما لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب بعد اقتراب النظام الثوري من السيطرة علي كامل التراب الليبي.
وتقول لاستامبا في افتتاحيتها لقد بدأت الآن المرحلة الثانية من العملية بعد أن أوشكت المعركة الحربية علي الانتهاء بسقوط العاصمة الليبية طرابلس واختفاء القذافي.
وتضيف الصحيفة علي لسان الصحفي باولو باروني المتخصص في الشئون الليبية أنه إذا كانت فاتورة ما أنفقته كل من روما وباريس في الحرب علي نظام القذافي يندرج في خانة الملايين فإن المعركة الاقتصادية وهي الأشرس تحسب الآن في العاصمتين بالمليارات نظير إعادة ما دمرته الحرب من طرق وموانيء ومنشآت صناعية وبترولية ومدن بأكملها.
واعتبرت لاستامبا أن باريس كانت الأسرع في التحرك للفوز بالنصيب الأكبر من الكعكعة الليبية فيما تبدو روما وكأنها قد اقتنعت بمركز الوصيف رغم ما يربطها من علاقات تاريخية بليبيا.
واستشهدت الصحيفة في ذلك بأن محمود جبريل الرجل الثاني في نظام القذافي وقع اختياره علي باريس لتكون محطته الأولي في أول جولة خارجية له بعد سقوط طرابلس.
حيث التقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بقصر الإليزيه في حين كانت روما محطته الثانية رغم ما أبداه من حميمية خلال لقائه برئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برولوسكوني.
يشار إلي أن فرنسا كانت بالفعل السباقة في التفكير في الكعكعة الليبية فباريس أنهت بسرعة كبيرة كل الاستعدادات اللازمة لاستضافة أول مؤتمر بشأن إعادة إعمار ليبيا المقرر عقده يوم الخميس القادم تحت عنوانأصدقاء ليبيا.
كما أن فرنسا لم تكن فقط أول دولة في العالم تعترف بالمجلس الانتقالي الليبي بل كانت صاحبة مبادرة إقناع دول الناتو بمساعدة الثوار لإسقاط نظام القذافي فلولا سرعة فرنسا في التحرك لكان من السهل علي كتائب القذافي تحويل بنغازي.معقل الثوار إلي بحار من الدماء.
واعترفت مصادر إيطالية بأن حكومة سيلفيو برلوسكوني كانت تقدم قدما وتؤخر أخري في المشاركة في حملة الناتو في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تشارك بطائراتها وبوارجها الحربية في منع القذافي من تدمير بنغازي ولايخفي المحلل السياسيي الإيطالي سيسي بيلومو مخاوفه علي عقود البترول مع ليبيا في المستقبل…وتساءل بيلومو ألم يطالب باولو ساكاروني مدير مجموعة إينيالنفطية الإيطالية في مارس الماضي بوضع حد للعقوبات علي القذافي في الوقت الذي كانت تعمل فيه فرنسا علي فرض مزيد من العقوبات علي ليبيا؟ولا يستبعد ألبرتو نيجري خبير شئون الشرق الأوسط بصحيفة روماالإيطالية الاقتصادية أن تدفع إيطاليا غالبا ثمن موقفها الغامض تجاه الصراع في ليبيا لاسيما وأن رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفي عبد الجليل وعد الدول التي وقفت بجانب الثورة الليبية بأولوية التعاون مع حكومة الثوار بعد سقوطها القذافي.وقد حاول بيرلوسكوني إصلاح ما أفسدته حكومته بالإسراع بتقديم المساندة المالية للمجلس الانتقالي بالإفراج عن 350 مليون يورو كدفعة أولي من أموال ليبيا المجمدة في إيطاليا.
كما أعطت الحكومة الإيطالية الضوء الأخضر لمجموعةإينيلتزويد ليبيا بالغاز والبترول في المرحلة الحالية بعد توقف ضح النفط الليبي بسبب الأحداث المصاحبة للثورة علي أن يتام تعويض إيني من بترول ليبيا عندما تستعيد ليبيا كامل طاقتها الإنتاجية من النفط.
وتعهدت إيني بأن تساعد المجلس الانتقالي في إعادة تأهيل المنشأت البترولية الليبية في شرق ليبيا.
ومن جانبه رفق برلوسكوني مع محمود جبريل علي تشكيل لجنة اتصال بين البلدين لسرعة تلبية احتياجات الشعب الليبي سواء فيما يتعلق بالاحتياجات الأساسية أو فيما يتعلق بإعادة الإعمار.
تجدر الإشارة إلي أن إيطاليا هي أكبر مستورد للبترول الليبي بنحو 376 ألف برميل خام يوميا قبل فرنسا التي تستورد 205 آلاف برميل وكانت ليبيا تحتل قبل اندلاع الثورة المرتبة السابعة عشرة علي قائمة الدول المصدرة للبترول بنحو 1.55 مليون برميل في اليوم بواقع 2 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط ولايشعر باولو ساكاروني مدير مجموعة إيني الإيطالية بقلق كبير بسبب تأخر بلاده في دعم الثوار معتبرا أن مجموعته هي أكبر منتج للنفط والغاز في ليبيا التي تمثل بدورها 15 في المائة من إجمالي إنتاج ريني النفطي حول العالم وشدد ساكاروني علي أن ريني وعبر خطجرين ستريمتحت مياه البحر المتوسط لتصدير الغاز الليبي مرتبطة بليبيا بشكل غير قابل للفك يشار إلي أن إنتاج ليبيا من النفط قد تراجع بسبب الحرب إلي 50 ألف برميل يوميا فقط,وتؤكد شركات البترول الكبري أن ليبيا بحاجة إلي عدة سنوات وإنفاق الكثير من المليارات قبل أن تستعيد كامل طاقتها في الإنتاج بسبب ما خلفته الحرب من دمار علي البنية التحتية النفطية.
ولا تخشي إيطاليا كثيرا علي وضعها في ليبيا من منافسة فرنسا لكونها الشريك الاقتصادي الأول لليبيا فهناك أكثر من180 شركة إيطالية تعمل علي الأراضي الليبية,وتأمل إيطاليا في المحافظة علي وضعها المتميز في ليبيا بتفعيل اتفاقية الصداقة الموقعة بين القذافي وبيرلوسكوني في عام2008 خاصة بعد أن أعلن المجلس الانتقالي عن احترامه لجميع التفاقيات التي وقعها القذافي وتنص هذه الاتفاقية علي قيام إيطاليا باستثمار 5 مليارات دولار في ليبيا علي مدار 25 عاما تعويضا عن الحقبة الاستعمارية كما تنص هذه الاتفاقية التي تصب في واقع الأمر في مصلحة إيطاليا أكثر مما تصب في مصلحة ليبيا علي استثمار هذه التعويضات في تحسين مستوي البنية التحتية الليبية من طرق وسكك حديدة فبمقتضي هذه الاتفاقية نجحت العديد من الشركات الإيطالية العملاقة في الفوز بعقود في ليبيا مثل شركةفينميكانيكاالتي تعمل في مجال السكك الحديدية وإنشاء الطرق وشركةإمبريجيلوالتي تعمل في مجال بناء محطات الكهرباء والمطارات والمستشفيات وتحلية مياه البحر.
وتأمل الدول الغربية في أن تتم تمويل عملية إعادة إعمار ليبيا في المرحلة الأولي من خلال أصول ليبيا في الخارج والتي تقدر قيمتها بأكثر من 168 مليار دولار لاسيما من خلال أموال صندوق الاستثمار الليبيليبيان إنقستيمانت أوثوريتيالذي يبلغ رأسماله53 مليار دولار.وكان القذافي قد أسس هذا الصندوق عام2006 قبل أن يترك مهمة إدارته لابنه سيف الإسلام الوريث السابق لحكم ليبيا ويري المحلل السياسي الفرنسي بيير بيريجوفوا أن أمريكا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام المنافسة الشرسة التي تجري الآن بين فرنسا وإيطاليا لالتهام أكبر قدر ممكن من الكعكعة الليبية.
وأضاف أن واشنطن أبلغت شركاءها الأوروبيين بشكل غير مباشر بحقها في الجزء الأكبر من الكعكعة الليبية بوصفها الأكثر تحملا لتمويل الحملة العسكرية للناتو علي ليبيا وكانت صحيفةكريستيان ساينس مونيتورالأمريكية قد كشفت عن إن واشنطن تري أن الأوروبيين لم يسهموا بالقدر الكافي في تمويل تلك العمليات التي لعبت دورا مهما في مساعدة الثوار علي سقوط نظام القذافي ويبقي السؤال المهم وهو هل ستنجح السلطات الثورية في ليبيا في الدفاع عن أموال ليبيا من أطماع الغرب أم أن الدور الرئيسي الذي لعبته الدول الغربية في إسقاط القذافي سيعطيها الحق في إلتهام كامل الكعكعة الليبية.