أبناؤنا وبناتنا, في مختلف مراحل العمر, يطيرون بخيالهم من حين لآخر للتفكير في الزواج! فيبدأ هذا بالفرح الطفولي مع حضورهم أول مرة لزفاف أحد الأقارب, ثم تتصارع عواطفهم مع تحرك الدوافع الجنسية داخلهم في فترة المراهقة بفعل الهرمونات.. وبينما يكبرون تتولد لديهم مشاعر رومانسية عن العلاقة بين الرجل والمرأة تسهم عادة بشكل إيجابي في تطوير شخصياتهم, لكنها قد تحبطهم أحيانا عندما يصطدمون بما يناقض تصوراتهم غير الواقعية عن الزواج. فكيف نزيل الغموض, ونعدهم تدريجيا لمستقبل أفضل؟
في حوار مع ابني قال مازحا: ##أتمني أنام وأصحي ألاقي نفسي علي كرسي الفرح!## فأجبته بمزيج من المزاح والجدية: ##المهم تختار إللي هاتقعد جنبك قبل ما تنام فلا تفاجأ بها!## إذن فالموضوع يشغل تفكير أبنائنا أكثر كثيرا مما نظنه نحن الآباء! فقبل أن تجري الأيام كحلم, ونجدهم فجأة جالسين في ##كوشة## الفرح, لا بد أن نبادر بإعدادهم ليخوضوا مغامرة الزواج بنجاح; فهذا جزء أصيل من مسئوليتنا لا يقل أهمية عن حرصنا علي صحتهم, واجتهادنا لإعدادهم دراسيا وثقافيا لمستقبلهم العملي.
ولأن الأبناء يتعلمون بشكل تراكمي, فإن غرس القيم التي نريدها أن تصبح اتجاها سلوكيا في حياتهم لا يمكن أن يتم في جلسة حوار واحدة. فمن يغرس بذار المعرفة في قلوب أبنائه يحتاج أن يرويها يوميا بالحب والتشجيع; ويحرث بالحوار المفتوح ما قد زرعه حتي لا يأتي من يخطفها من عقولهم قبل أن تتعمق جذورها, ويتابع باستمرار حتي لا تخنقها حشائش وجهات النظر التي لا تتفق مع إيماننا أو قيمنا.. فالتربية بيئة زراعية تأخذ وقتا طويلا, وتحتاج لجهد ومراعاة مستمرة قبل أن تأتي بثمارها.
في الحوار المتجدد مع أبنائنا عن أحلامهم للمستقبل لا بد أن نرجع مرة بعد الأخري لتأكيد حقيقة ##لا فيض قبل الامتلاء##! فالعلاقة مع شريك الحياة, ومع الآخر بصفة عامة, لا يمكن أن تفيض بالحب والاحترام المتبادل قبل أن يمتلئ القلب بمحبة الله, وتتغير الحياة الشخصية بطاعة وصاياه.. بهذا النوع من الملء فقط يستنير العقل, ويستقيم طريق الحياة.
من الأب يتعلم الابن كيف سيتكلم مع زوجته.. كيف يعبر لها عن حبه واهتمامه, كيف يكرمها ويقدمها علي نفسه كرجل تعهد أن يكون مسئولا عنها بعد أبيها. وبمشاركة الأم تتعلم الفتاة أنه بقدر احتياجها لمحبة زوجها فإن ما يضمن تدفق هذا الحب, واستمرار دفء العلاقة معه هو الاحترام الذي يسعي الرجل بطبيعة تكوينه للحصول عليه دائما من زوجته قبل أي شخص آخر خارج البيت.
الابن يحتاج لمعرفة أن الله قد خلق الفتاة بتكوين خاص يختلف عنه.. فكما يحتاج الرجل إلي من يستند عليه, ويتمتع بالعشرة معه, ويشاركه رؤيته للحياة, ويتقاسم معه همومه.. تحتاج هي لمن يشبعها بحبه, ويوفر لها الاستقرار, والثقة بالنفس التي كانت تجدهم في أبيها منذ طفولتها. الصبيان أيضا يحتاجون للتدرب علي تحمل المسئولية منذ الصغر; فالرجل هو المسئول الأول عن توفير أفضل معيشه ممكنة لأسرته, وهذا يتطلب منه عادة أن يضحي ويتعب ويثابر.. ونجاح الأب في خلق روح المبادرة في ابنه هو أفضل إعداد له ليواجه ظروف الحياة عندما لا تكون مثالية. أما الفتيات فقد اختصهن الله بمسئولية أن يعطين حياة لكل إنسان جديد يولد في العالم! ومع أن هذه المسئولية يصاحبها تعب, وآلام, وسهر ليال طويلة; إلا أنها امتياز تحتاج الابنة أن تعرف عنه مبكرا.. فما يمكن أن تختبره من خلال ولادة الأبناء لا يتاح لأي رجل فرصة أن يعرف عمق روعته!
الصبي يحتاج لأن يتعلم من أبويه مبكرا كيف يكون ##جنتلمان##.. كيف يتعامل بلياقة مع الجنس الآخر. والفتاة التي تتعلم آداب السلوك الاجتماعي الحضاري ستكون موضع فخر لزوجها في المستقبل. ما كنا نسميه قبلا ##الإتيكيت## يتحداه اليوم هوجة ##الروشنة##.. التي تبدو في ظاهرها تبسيطا للأمور, بينما تحطم في واقعها ما يعطي مذاقا خاصا للحياة الراقية. فمن يعامل زوجته بمقاييس السلك الدبلوماسي, سيكون هو أميرها المتوج!
من أهم ما يمكن أن نؤكده لأبنائنا أن أفضل من قراريط الألماظ, وكل ذهب العالم الذي قد يقدمه العريس لعروسه, هو أن يقدم نفسه لها وتعطيه هي نفسها عند زواجهما بدون أي خبرة جنسية سابقة! فليس لعروس أو عريس فرح بهدية يوم الزفاف أعظم من هذه.. فلنعلم أبناءنا وبناتنا كيف يحتفظون بعذريتهم لتكون هي هديتهم التي لا تقدر بثمن لشريك العمر. العذرية قيمة لا ترتبط بنوع الجنس, كما أنها ليست جسدية فقط كما يظن البعض, بل أولا معنوية وأخلاقية.
هناك الكثير الذي يمكن أن نحكي عنه مع أولادنا لنعدهم للزواج.. فلنبدأ قبل أن نتأخر, ولنواصل حواراتنا معهم بلا حدود إذا كنا قد بدأنا, ولا نتوقف حتي يأتي اليوم الذي فيه نراه في البدلة الرسمية, ونراها في ثوب الزفاف الأبيض, يقفان هناك في الأمام, في حضور الأقارب والأصدقاء ليتعهدا أمام الله والناس بأن يكون زوجا وتكون زوجة لمن اختاره القلب والعقل للعيش معه بقية العمر. ما أروع هذا الحلم لكل أب وأم.. وما أمتع مسئولية التربية!
www.FocusOnTheFamily.me