يتميز عالم اليوم بالتغيرات السريعة والتقدم المذهل في أساليب التواصل, وبالتالي تأثرت العلاقات بين الآباء والأبناء, ومع إحساس البعض بصعوبة ملاحقة هذه التغيرات بسبب تعقيدها أحيانا, أو لضيق الوقت أحيانا أخري فقد انسحبوا بهدوء من الساحة, وتركوا أبناءهم يصارعون بمفردهم في عالم مملوء بالاتجاهات الفكرية التي لا تتفق مع قيم الوالدين الدينية والأخلاقية.. والنتيجة اختيارات خاطئة, وفجوة ظاهرة بين جيلين يتهم كل منهما الآخر بأنه لا يفهم!
لقد تربينا وتعلمنا وكبرنا في ظل مجتمع ينتمي فكريا إلي القرن الماضي. نعم.. هذا يجعل الكثيرين منا لا يستطيعون استخدام كل أو بعض إمكانات الكمبيوتر, وإذا استطعنا, فإن ما يستجد من تطبيقات يكون عادة أسرع مما تسمح به قدراتنا أو اهتماماتنا الأخري بأن نتعلمه. لكن مع كل هذه التغيرات الهائلة والسريعة بقي شيء واحد لم يتغير بكل تأكيد, وهو أن الوالدين هما أول وأهم من يؤثر في حياة الأبناء في مراحل نموهم العمرية المختلفة.. وما يمكن أن يقدمه كل أب وأم من تعاليم وقيم داخل الأسرة, خاصة وإن كانت تترجم عمليا في نموذج حياتهما, له قوة تأثير غير محدودة علي صياغة الشخصية وتطوير الاتجاهات الفكرية للأبناء. فليس مثل الحوارات الأبوية يمكن أن يفجر الطاقات والمواهب الكامنة, وليست هناك قوة تماثل في تأثيرها علي إعداد الأبناء للمستقبل مثل قوة الحب والقبول غير المشروطين لكل ابن وابنة.
وإذا استطعنا أن نراقب مقدار سعادة أو بؤس الأزواج الذين يعيشون من حولنا سنري أن معظمها يستمد جذوره من البيئة الأسرية التي نشأ فيها الأشخاص, بغض النظر عن الظروف المعيشية لكل منهم. فالأبناء ليسوا بحاجة إلي أب خبير في ##الإنترنت##, أو إلي أم تتواصل معهم من خلال ##الفيس بوك##- مع أن معرفة وإجادة مثل هذه المهارات إن أمكن يكون مفيدا وممتعا بشكل إجمالي.. إلا أن الأبناء يحتاجون إلي والديهم أكثر من أي شخص أو شيء آخر كي يتعلما منهما مهارات التفكير, وحكمة الاختيار. ولعل التدريب علي مثل هذه المهارات يبدأ من سنوات العمر الأولي. فالأبناء يحصلون علي المعرفة من مصادر مختلفة سواء من وسائل الإعلام, أو المدرسة, ومن خلال التواجد مع الأصدقاء. هنا يأتي أحد أهم مسئوليات الوالدين في إعدادهم للحياة من خلال تدريبهم علي مهارة الربط بين المعرفة ومتطلبات الحياة, وتحدي اختبار سلوك شخص ما, والامتناع عن آخر طبقا للمقاييس الإيمانية والاجتماعية التي يعتقد بها الوالدان.
الأبناء يكبرون بأسرع مما نظن, ومرارا سيجدون أنفسهم علي مفترق طرق, عنده لابد من اتخاذ قرار لاختيار ما للحياة. بعض هذه القرارات لها تأثير قصير المدي, وتتعلق بظروف أو نشاط مؤقت, أو ببدائل غير متناقضة, لكن بعضها مصيري, مثل اختيار شريك الحياة, ويؤثر علي الحياة بالكامل.. فإما أن يأخذ الشخص في طريق يذهب به إلي قصة عمر ملؤها الشبع والازدهار, أو إلي أحد أشد ساحات معارك الحياة شراسة! وإذا كان الأمر يمثل هذه الخطورة, فلننتهز الفرصة إذا ونبادر بأن ندرب أولادنا في كل يوم ومن خلال كل موقف كيف يفكرون مقدما في الأمور.. كيف يتوقعون المشاكل ويفكرون في الحلول, وكيف يتعرفون علي الفرص ويفاضلون بينها بتقييم المعطيات الإيجابية والمحاذير البديهية.. وكل هذه التدريبات, سواء المخطط لها أو تلك التي تأتي عفويا, من شأنها أن تدعم ثقتهم بأنفسهم, وتنمي داخلهم الإحساس بالمسئولية تجاه اختياراتهم.
إذا كنا نريد أن نري أبناءنا في أفضل مواقع الحياة لنتبن هذا التوجه التربوي, ونجعله تدريجيا أسلوب حياة داخل عائلاتنا. لا تظن أن الوقت قد تأخر لتبدأ, وسيدهشك الاستعداد التلقائي والتجاوب السريع لأبنائك مع هذا الأسلوب من التفكير التربوي الخلاق. ففرحك بحكمة أبنائك, واطمئنانك لاختيارات مستقبلهم سيفوق شعورك بالفخر لأجل أي إنجاز آخر يصلون إليه في الحياة.. ##الابن الحكيم يسر أباه, والابن الجاهل حزن أمه.## أمثال( 10: 1).
www.FocusOnTheFamily.me