في ظروف يتمخض فيها الوطن لولادة مستقبل جديد, من الطبيعي أن يعاني المجتمع من سمات مرحلة ما قبل الاستقرار, ونضج ثمار التحول الذي بدأته ثورة 25 يناير.. وربما أكثر ما يربك الأسرة المصرية في هذه الأيام هو الصراع الدائر الآن مع الفوضي والبلطجة, بالإضافة إلي الغموض الذي يحيط بالبدائل السياسية التي تحملها الأيام القادمة لوطننا.
وليس بغريب في مثل هذا الجو العام, الذي يفتقد مؤقتا إلي الشعور بالأمان, ومع غياب الكثير من القيم السلوكية للأفراد والجماعات أن يفكر الكثيرون في الهروب.. سواء داخليا بالانسحاب من التواجد الفعال في مجتمعاتهم نتيجة للوقوع في دوامة الخوف وخيبة الأمل; أو خارجيا بالبحث عن وطن جديد جغرافيا بالهجرة, آملين أن يجدوا فيه فرصة أفضل!
وإذا استسلمنا نحن الكبار لمخاوفنا وحيرتنا, فستنعكس مواقفنا هذه علي أبنائنا تدريجيا, حتي أنهم قد يفقدون ثقتهم بالوطن, وبذلك تضيع فرصتهم للتواصل الإيجابي مع المجتمع, وتقديم نموذج لحياة مختلفة تصنع ثمرا وفرقا أينما وجدت.
في قصة الدخول الانتصاري للسيد المسيح إلي أورشليم نجد نموذجا لتوجه سلوكي فريد; ومع أن هذا السلوك بدا مخالفا لما توقعه الناس منه آنذاك, ولمظاهر صراع القوة في العالم في هذه الأيام.. إلا أن مناقشة هذا التناقض تتيح لنا أن نستكشف مع أبنائنا بالحوار تطبيقات سلوكية لتحديات الحياة العملية التي تثبتهم علي أرض الواقع في المجتمع الذي يعيشون فيه.
في يوم الدخول الانتصاري أتي المسيح إلي أورشليم راكبا علي حمار الوداعة والبساطة, وليس علي ظهر فرس القوة والإبهار! لم يكن لابسا رداء ملكيا, بل مرتديا ما كان يلبسه الناس في أيامه! لم يغلب باستخدام القوة, مع أنه استطاع أن يأسر الناس بالحب والرحمة والنعمة, مضحيا بنفسه من أجلهم!
لم يسع المسيح بدخوله الانتصاري لتأسيس مملكة تدعمها الجيوش, وتعلن عظمتها بتحرير الشعب من طغيان الرومان.. لكنه قدم نموذجا خالدا لملك يقوم علي التواضع, ويؤسس علي الخدمة, ولا يفرض نفسه بالقوة والقهر علي الناس.
لقد أراد السيد المسيح أن يسود علي القلوب والعقول, وليس علي العباد! فبعد أن أعلن نفسه ملكا للسلام في ذلك اليوم, مات علي الصليب بعد أيام ليصنع سلاما بين الله والناس, ويمهد طريقا أمام البشر ليعيشوا في سلام مع أنفسهم ومع الآخرين.
يا كل أب, وكل أم.. إذا كنتم تتمسكون بالبقاء في هذا الوطن, فوجودنا فيه لا يتأكد في زمن تتصارع فيه التوجهات المختلفة لتفرض وجودها إلا عندما نعلم أولادنا وندربهم كيف يعيشون اليوم تلك القيم التي قدمها لنا المسيح بدخوله الانتصاري.
في صلاة رائعة كتبها القديس فرانسيس الأسيسي, مؤسس خدمة الفرنسيسكان العالمية, وجدت بعضا من التطبيقات العملية لهذه القيم الإلهية, والتي يمكن أن تكون نقطة انطلاق لحوار مع أبنائنا لإخراجهم من دوامة الحيرة, ودعمهم بأمل متجدد.. أمل لا يرجو مجرد العيش الآمن في وطن, بل ويسعي أن يستثمر كل فرصة للعطاء والمشاركة في جميع المجالات من أجل خيره. وأمام كل طلبة في هذه الصلاة نحتاج أن نناقش مع أبنائنا كيف يمكن أن نعيش هذا عمليا كل الوقت وفي كل مكان:
##يا رب..
اجعلني أداة تنشر سلامك..
أينما توجد كراهية ساعدني أن أزرع حبا,
وعندما أجرح أعني لأقدم عفوا.
يا رب..
أعطني مع كل شك أن أثبت في الإيمان,
وعندما تحيط بي خيبة الأمل أن أتمسك بالرجاء.
حيثما توجد ظلمة اجعلني نورا,
وفي وقت الحزن اجعلني مصدرا للفرح.
يا رب..
ساعدني أن أسعي لفهم الآخر قبل أن أطلب منه أن يفهمني,
وألا أتوقع محبته قبل أن أعبر له عن محبتي.
ومتي شئت أن أذهب إليك,
فذكرني عند موتي أنني ولدت من أجل حياة أبدية!##
وكل عام وأنتم بخير,,
www.FocusOnTheFamily.me