يلتقي الرئيس مبارك مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض بعد غد الثلاثاء في زيارة يمكن وصفها بالمختلفة كثيرا عن زياراته السابقة لأمريكا, فمن ناحية فالرئيس لم يزر واشنطن منذ خمس سنوات تراجعت خلالها العلاقات المصرية-الأمريكية كثيرا, وكان النفور مستحكما بين الرئيس السابق بوش والرئيس مبارك مع إصرار بوش علي تحميل حكام الشرق الأوسط مسئولية خلق وتصدير الإرهاب عالميا حتي وصل لنيويورك ولندن ومدريد, ورغم تراجع بوش في سنتيه الأخيرتين عن مبدأ تصدير الديموقراطية بل ورعايتها ووقوفه علي أرضية الواقعية والبرجماتية السياسية إلا أن اتهامه للحكام في الشرق الأوسط بخلق البيئة الحاضنة للإرهاب لم يتراجع حتي آخر يوم في ولايته الثانية. ومن ثم تأتي أهمية زيارة مبارك لواشنطن من كونها خطوة مهمة في طريق ترميم العلاقة مع أمريكا وإعادة الدفء لها.
تأتي أهمية الزيارة أيضا من طبيعة الموضوعات التي تناقشها ورغبة إدارة أوباما في دور مصري-سعودي حقيقي,حيث إن الإدارة الأمريكية الحالية مقتنعة بضرورة اتخاذ الدول العربية الكبري, وفي مقدمتها مصر والسعودية ,خطوات رمزية معبرة تجاه التطبيع مع إسرائيل تجعل الضغوط لوقف الاستيطان مقبولة ومؤثرة علي الطرف الإسرائيلي فمن غير المقبول علي العرب أن يتحدثوا عن السلام في ظل الوقوف محلك سر تجاه بناء جسور ثقة مع إسرائيل كما تري عناصر مهمة في الإدارة الأمريكية, وفيما يتعلق بالملف الإيراني علي العرب الذين يلحون علي أمريكا باحتواء إيران أن يساهموا بخطوات حقيقية تجاه هذه الاحتواء, والسؤال المطروح من إدارة أوباما ماذا ستقدمون كعرب إذا فشلنا في الاحتواء السلمي للملف الإيراني؟. وهناك أفكار كان قد طرحها الأمير بندر بن سلطان مستشار العاهل السعودي عن المشاركة المالية, ولكن إدارة أوباما تطرح ما هو أكثر من المشاركة المالية بالسماح للطيران الإسرائيلي وطبعا الأمريكي باستخدام الأجواء الجوية لعدد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسعودية في حالة اللجوء للخيار العسكري تجاه إيران وتقديم تسهيلات عسكرية أخري, ويتردد قبول السعودية لهذا الطلب.
وهناك ملف دارفور وجنوب السودان حيث تساند إدارة أوباما هذين الملفين,خاصة وأن هناك شكاوي متعددة من دور مصري في السودان يساند الاستبداد علي حساب دماء الضحايا في دارفور, ويعرقل إقرار العدالة, مع دلائل علي وقوفه ضد إرادة الجنوبيين إذا قرروا الانفصال في الاستفتاء القادم.
ومن ناحية أخري يحمل مبارك في جعبته رؤية مصرية, يمكن اعتبارها عالمية, للمشاركة المصرية في القضايا الدولية من فلسطين إلي أفغانستان مرورا بالسودان وإيران. يطرح مبارك احتواء إيران بدون عمل عسكري يربك الشرق الأوسط كله وفي نفس الوقت يرفض إعطاء ميزة استراتيجية لإيران في المنطقة كمكأفاة علي توقف مشروعها النووي!!!..
أما من ناحية قضية فلسطين,فالكثيرون هنا ممتنون لمصر علي أدائها أثناء الحرب علي غزة, ومن ناحيتها ترغب مصر في تعزيز دورها كلاعب رئيسي في الملف الفلسطيني وعدم تجاوزها في المشاورات حوله.
أما أهم ما في هذه الزيارة فهو توقيتها بالنسبة للوضع المصري الداخلي, فهي الزيارة الأولي لمبارك منذ خمس سنوات , وهي تأتي في فترة زاد الكلام فيها عن نقل السلطة في مصر, فقد لا يتاح لمبارك زيارة واشنطن في أعوام الانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية, ومن هنا فإن ملف نقل السلطة في مصر من أهم الملفات في هذه الزيارة, وحتي ولو كان غير مدرج علي جدول المباحثات فإن التطرق إليه سيحدث بشكل أو بآخر…. وعند الحد الأدني سيكون هناك تسويق لطرف مصري ولرؤية مصرية عند الإدارة الأمريكية الحالية , وهي الإدارة التي سيتم في عهدها التغيير في شكل السلطة في مصر.
أدوات مختلفة
وليست هذه الزيارة مهمة فقط من حيث توقيتها والموضوعات المدرجة لمناقشتها ولكنها أيضا مهمة من حيث الأدوات السياسية التي استخدمتها مصر في الأشهر الأخيرة لتحسين صورتها في واشنطن (تحسين الصورة وليس إصلاح الأصل), فقد بدأت مصر منذ شهور تنفق بسخاء علي عدد من الشركات التي تعمل كجماعات ضغط من أجل تحسين صورة النظام المصري, وبدأت مصر كذلك في الاستعانة بشركات العلاقات العامة لتدريب بعض عناصر النظام للحديث مع المسئولين ووسائل الإعلام الأمريكية.
من معالم التخطيط الجيد الواعي لهذه الزيارة أيضا أن الجانب المصري نجح في تحديد ميعاد الزيارة في عطلة الكونجرس السنوية, حيث إن أعضاء الكونجرس هم الأكثر جرأة في انتقاد الأوضاع الداخلية في مصر وخاصة المتعلقة بملفي حقوق الإنسان وأوضاع الأقباط.
بقي الإشارة أن هذا التخطيط في ظني وراءه نصائح وجهود الدكتور إسماعيل سراج الدين, وهو شخصية مرموقة عاش أكثر من ثلاثة عقود في واشنطن ويعرف دروبها ومسالكها وطرق التعامل السياسي الناجح فيها, ومما هو جدير بالذكر أن إسماعيل سراج الدين جاء لواشنطن لمدة اسبوع للتمهيد للزيارة وعاد للقاهرة ليلحق مرة أخري بطائرة الرئاسة الذاهبة لواشنطن.
[email protected]