##في 30 مارس 2011, ألقي في معهد واشنطن اللواء (احتياط) عاموس يدلين من ##جيش الدفاع الإسرائيلي## المحاضرة التذكارية السنوية الرابعة علي اسم زيئيف شيف حول الأمن في الشرق الأوسط. واللواء يدلين هو زميل كاي الجديد لشئون الأمن القومي الإسرائيلي, وقد تقاعد مؤخرا بعد أن خدم في ##جيش الدفاع الإسرائيلي## فترة دامت أكثر من أربعين عاما, شملت خلال السنوات الخمس الماضية منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وفيما يلي موجز المقررة لملاحظاته##.
نظم معهد واشنطن المحاضرة التذكارية علي اسم زيئيف شيف تكريما للصحفي الإسرائيلي الراحل زيئيف شيف الذي كان زميل المعهد لفترة طويلة والذي وافته المنية عام .2007
علي الرغم من أن ##الربيع العربي## هو بلا شك أهم حدث وقع في الشرق الأوسط منذ السبعينيات من القرن الماضي – وله أهمية كبري لإسرائيل – إلا أننا لا نفهم مساره حتي الآن. ومن المبكر جدا التنبؤ بتبعات الانتخابات المصرية, أو الحرب في ليبيا, أو الاضطرابات في سوريا. وعلاوة علي ذلك, إن ##القوتين العظميين## الإقليميتين الأهم في المنطقة – إيران والمملكة العربية السعودية – بالكاد قد تأثرتا من هذه الاضطرابات.
ومن أجل تقييم التبعات المترتبة عن الثورة التي تجتاح المنطقة, يجب أن نحلل كل دولة علي انفراد. علينا أن لا نفترض أن تأثير الدومينو سوف يترسخ, لأن كل دولة تواجه تحديات وانقسامات وسياقات تاريخية مختلفة. وفي حين تعاملت بعض الدول مع المظاهرات بإقالة مسئولين, أرسلت أخري قوات عسكرية إلي الشوارع, بينما دفعت دول أخري المليارات لمواطنيها لقمع رياح التغيير.
علاوة علي ذلك, هناك خلاف أساسي حول الأفكار المفاهيمية للثورة. ومن المرجح أن يقوم كل من تنظيم القاعدة وطهران بوصف ##الربيع العربي## بأنه انتصار للثورة الإسلامية. وفي المقابل, يحتفظ التصور السوري بالفكرة القائلة إن الثورات قد جاءت تعبيرا لمعارضة قيام سلام مع إسرائيل. ومع ذلك, فلعل التصور الأكثر دقة هو ذلك الذي تحمله الشعوب العربية والمتمثل بتطلعها إلي العدالة, والحرية, ومستقبل أفضل. وبطبيعة الحال, تحتاج الديموقراطية إلي بعض الوقت لكي تتطور, ويحق للعرب وضع خطط لنماذج ديموقراطية تناسب تاريخ بلادهم الخاص وتقاليدها.
وحتي الآن, يبقي ##الربيع العربي## ثورة بلا قيادة, ولا يزال العالم ينتظر ظهور أولئك القادة الذين سيحددون مستقبلها. ومن المهم الإشارة هنا إلي أن عددا من البلدان قد انضمت إلي ##الربيع العربي## لكن ليس لديها الحماس للقيام بثورة فعلية. وبالفعل, دفعت لبنان, والعراق, والشعب الفلسطيني ثمنا باهظا عن المواجهات التي دارت بين فصائلها المحلية وهذه الشعوب ليست علي استعداد للتضحية باستقرارها عن طريق تجديد هذه الاضطرابات.
ومن الناحية التاريخية, تحتوي ثورات سابقة علي العديد من الدروس والتحذيرات. أولا, إن الثورات يمكن خطفها كما حدث في فرنسا عام 1789, وروسيا عام 1917, وإيران عام .1979 وفي مثل تلك الحالات, غالبا ما تكون الموجة الأولي من الثورة بمثابة انتفاضة شعبية مستوحاة من النوايا الحسنة, بيد تجلب الموجة الثانية زعيما يبرهن أنه حتي أكثر قمعية من النظام الذي سبقه. وبالتالي, يجب أن نكون حذرين أن لا تكون الموجة الثانية من##الربيع العربي## ثورة مضادة.
ثانيا, إن التغيير الجوهري قد يصبح ظاهرا فقط علي المدي البعيد. فعلي الرغم من أن ##ربيع## عام 1948 في أوربا كان قد فشل علي المدي القريب, إلا أن الأفكار الليبرالية والوطنية التي ولدت من تلك الحركة قد أثرت علي مسار التاريخ الأوربي طوال القرن العشرين.
ثالثا, إن تحليلاتنا وتوقعاتنا يجب أن تأخذ في الاعتبار رواية النفوذ الذي لا يمكن التنبؤ به حتي الآن والذي تتمتع به وسائل الاعلام الاجتماعية والشاملة. وعلي الرغم من أن الثورة التي بدأت عن طريق موقع التواصل الاجتماعي ##فيسبوك## تسمح بقيام اتصالات سريعة بصورة يصعب تصديقها وتستطيع حشد الناس في الشوارع بأعداد كبيرة – أسرع بكثير من قابلية الحكومات علي اتخاذ القرارات وتعبئة قواتها – إلا أنها ليست ظاهرة يمكن وحدها أن تقرر مصير الثورة.
رابعا, من المهم عدم الهلع. لا يمكن لإسرائيل أن تبقي غير مبالية لعملية الدمقرطة التي تشجع تبني قيم تؤيدها إسرائيل ألا وهي – الحرية والعدالة وسيادة القانون والديموقراطية – حتي لو تبدو هذه التغييرات خطرة علي المدي القريب. وبما أنه نادرا ما تدخل الدول الديموقراطية في حروب مع بعضها البعض, تشكل عملية التحول الديموقراطي العربي بصورة عامة تطورا إيجابيا للغاية بالنسبة لإسرائيل. وهناك عدد من الفرص الأخري التي يمكن أن تكون لها أيضا آثار إيجابية بالنسبة لإسرائيل:
? يتنامي الإدراك في الشارع العربي بأن إسرائيل ليست المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط. وفي حين يواجه العالم العربي مشاكله الخاصة به, بدأ يري أن العلل الإقليمية لن تتواري عن الأنظار ببساطة, إذا ما تم فقط حل القضايا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
? إذا كان السوريون يدركون أن مستقبل بلادهم يكمن في تحقيق انفتاح سياسي وإحلال السلام عوضا عن التوكؤ علي إيران ودعم حزب الله ومنظمات إرهابية أخري فبإمكانهم أن يحفزوا حدوث تدهور في محور التطرف في المنطقة.
? والأهم من ذلك كله أنه إذا ما انتشرت الثورة إلي إيران, فعندئذ يمكن التغلب علي المشكلة الأولي التي تواجه إسرائيل والشرق الأوسط.
وبالرغم من هذه الفرص, يجب علي إسرائيل أن تواصل دراسة النتائج الأقل تفضيلا والاستعداد لها. إن الأول من بين هذه التهديدات هو العودة إلي المواجهة العنيفة مع مصر. وعلي الرغم من أن أيا من البلدين لا يريد تجدد إراقة الدماء أو إعادة تخصيص الموارد لأغراض الدفاع, يجب علي إسرائيل أن تقوم بدراسة هذه الإمكانية لكي تبقي مستعدة.
والثاني هو التهديد الذي يشكله عدم الاستقرار المحتمل في الأردن التي تشاركها إسرائيل أطول حدودها. ومع ذلك, فقد أبدت ممالك المنطقة حتي الآن, اهتماما باحتياجات شعوبها, وصمدت أمام ضغط الثورة.
والثالث, يجب علي إسرائيل أن تبقي حذرة من ميل الأنظمة العربية إلي تصدير مشاكلها إلي إسرائيل, سواء بالقول أو القوة. فعلي سبيل المثال, يمكن أن تحاول سورية تحويل الانتباه عن الاضطرابات الداخلية, بقيامها بأعمال عنف في مرتفعات الجولان أو طلبها من حزب الله إثارة صراع في شمال إسرائيل.
والرابع, ستكون إسرائيل مهددة إذا أدت أي من هذه الثورات إلي قيام حالة من الفوضي. فعلي سبيل المثال, إذا ما تم حل الحكومات المصرية والسورية والأردنية أو إضعافها إلي أجل غير مسمي, فبإمكانها أن تفقد السيطرة علي الترسانات العسكرية التي تشمل في بعض الحالات صواريخ باليستية وأسلحة كيماوية.
من ناحية صياغة السياسة الإسرائيلية, إن أولي تداعيات هذه الدروس والتي يجب أن تأتي في المقام الأول هي اتخاذ موقف ##استراتيجيات سلبي## يتجنب الاعتراض والتدخل علي حد سواء. ولا تستفيد إسرائيل من فرض نفسها في عملية هي ليست فيها محور الهدف. يجب علي إسرائيل أن تكون حذرة أيضا في استجاباتها لاستفزازات إيران أو حزب الله أو حماس, لا سيما إذا كانت هذه الأعمال تهدف إلي تحويل الانتباه عن الاضطرابات في مجتمع معين, مثل لبنان أو غزة.
وبطبيعة الحال, لا بد من رسم خطوط في مكان ما, وإذا ما أجبرت إسرائيل علي اتخاذ إجراءات, ستحتاج أن تقود تحركاتها بحكمة. كما يجب عليها أن تواصل التخطيط علي المدي الطويل, وتحافظ علي الردع الاستراتيجي القائم بالفعل. ينبغي علي إسرائيل أن لا تفترض حدوث أسوأ النتائج, ولكن يجب عليها أن تبدأ بالأعمال التحضيرية في حالة بروز مثل هذه المشاكل.
وفي أعقاب اندلاع الثورات العربية, سقطت بعض الأنظمة وتنحي بعض الحكام, لكن لا تزال معظم المشاكل التي يعاني منها الشرق الأوسط تقليديا قائمة علي ما هي. ورغم أن إسرائيل قد تظهر الآن بأنها لا تشكل سوي قلق سطحي وسط الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة, يجب علينا ألا نسمح لهذه التطورات أن تنتقص من المسألتين الإقليميتين الأكثر إلحاحا ألا وهما: طموحات إيران النووية وعملية السلام في الشرق الأوسط. إن سعي إسرائيل لوضع سياسات فعالة خلال ##الربيع العربي## يجب أن لا يطغي علي الأهمية الحاسمة لهذين الموضوعين أو الفرص الجديدة لمعالجتهما.
* أعدت موجز المقرر شيلي شابون
معهد واشنطن