من الملاحظ والملفت للنظر, أن فرنسا نشطت كثيرا مع أحداث الثورات الشعبية في ما يسمي بـ##الربيع العربي##, حتي قال البعض إن باريس بدأت تنافس واشنطن في سياسة التدخل في شئون الدول الأخري. وقد بدأت فرنسا فاعليتها بعد إسقاط النظامين الحاكمين في كل من تونس ومصر, ومع بداية اشتعال الثورة الشعبية في ليبيا, واتخذت باريس موقفا مؤيدا بشدة للثوار ضد الأنظمة, وهو بالطبع موقف مناقض للموقف الروسي, الذي يري الكثيرون أنه مع الأنظمة الحاكمة ضد الشعوب.
وبعد أن حسمت الأمور بشكل كبير في ليبيا, قررت فرنسا التركيز علي سورية, وتبنت بشكل واضح خيار إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد هناك, بينما تقف موسكو علي النقيض تماما وترفض أية إجراءات دولية ضد نظام بشار الأسد.
روسيا تغيظ فرنسا بموقفها من الأحداث في سورية, فقد أثار الموقف الروسي عاصفة من الاستياء لدي وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه, ومن الواضح أن الفرنسيين المتحمسين للحلول العسكرية (بتأييد من البريطانيين), يحاولون منذ زمن بعيد تمرير وثيقة في الأمم المتحدة تدين تصرفات السلطات السورية. وهذه هي المبادرة الفرنسية الثانية خلال العام الجاري, ففي مارس الماضي نشط ساركوزي في الدعوة للضغط علي القذافي, وقد فاز في النتيجة. آنذاك امتنعت روسيا عن التصويت, وها هي الآن استوعبت الدرس, إذ تنطلق في موقفها من الوضع في سورية من رغبتها في عدم تكرار السيناريو الليبي. كما تري موسكو أن ما يحدث في سورية, لا يخلو من عنصر المؤامرة ضد النظام بشكل ما.
وسواء كانت المؤامرة من الداخل أو من الخارج, فإنها واضحة كما يقول الروس. وتنقل وسائل الإعلام عن الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف قوله ##نحن نري المشاكل في سورية, ونري استخدام القوة غير المتكافئ, وعدد الضحايا الكبير, وهذا ما لا يناسبنا أيضا. لقد تحدثت عن ذلك مرارا في تواصلي شخصيا مع الرئيس بشار الأسد, ولكنني أري أن تلك القرارات التي نتخذها لإيصال رسالة صارمة, كما يقال عادة, إلي القيادة السورية, يجب أن توجه إلي الطرفين لأن الوضع هناك ليس نقيا##. أما جوبيه فيصر علي اتخاذ ##قرار واضح كل الوضوح لإدانة العنف##, ويسعي من وراء القرار إلي ممارسة ضغوط علي النظام السوري, قد تصل إلي حد التدخل العسكري في سورية مثلما حدث مع القذافي في ليبيا. وبالمناسبة, فإن الصين تقف أيضا ضد القرار الخاص بسورية, وهي كروسيا تتمتع بحق النقض (الفيتو), الذي لم يستعمل عند التصويت علي المسألة الليبية.
إن محتوي القرار الخاص بسورية ليس واضحا تماما, وربما أمكننا القول إن سورية أيام حكم حافظ الأسد, تعرضت لشتي العقوبات الممكنة باستثناء التدخل العسكري, الذي تتخوف منه روسيا والصين اللتان رأتا كيف تتحول ##منطقة الحظر الجوي## إلي قصف عشوائي, بمساهمة من فرنسا نفسها.
في سورية تستمر الصدامات بين قوات الحكومة والمتظاهرين, في الوقت الذي تم الاتفاق خلال لقاء ضم الرئيس السوري بشار الأسد وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي, علي مجموعة من الإجراءات العاجلة لحل الأزمة السورية. وتنقل وسائل الإعلام العربية, أن المقصود بذلك سحب الجيش من المدن, وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من السجون, وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وهذه ليست المرة الأولي التي يقدم فيها الأسد علي بعض التنازلات أمام المطالب الخارجية, فقد سبق أن أعلن مرتين عن إصدار عفو عام, ووعد بإجراء إصلاحات.. ولكن ذلك كله لا يزال مجرد كلام.
* صحيفة ##كمسمولسكايا برافدا## الروسية