اتصلت بصديقتي نيرمين لكي نصطحب أطفالنا إلي النادي في عطلة نهاية الأسبوع كعادتنا.. فإذا بها ترفض بصوت يكسوه الخوف والقلق بل والرعب أيضا وقالت لي: كيف سنذهب بأبنائنا إلي النادي في ظل هذه الأمراض المنتشرة والتي لا يمكنني إبعاد الضرر عنهم,ألم تسمعي عن حوادث اختطاف الأطفال المنتشرة في كل مكان. أنا لن أخرج بهم إلي أي مكان,فلا أريد أن أفقدهم. وقررت عدم إلحاقهم بأي دار حضانة لأنني لن أطمئن عليهم ولا أثق في تعاملهم مع الأطفال الآخرين ولا في كفاءة المشرفين… أنهينا المكالمة وتساءلت هل هي محقة أم أنها وقعت في براثن الخوف المرضي الذي يمكن أن يضر أبناؤها؟.
للإجابة علي هذا التساؤل تحدثنا إلي الدكتور جمال شحاتة الأستاذ بكلية الخدمة الاجتماعية وأوضح بقوله: هناك قدر محدد من الخوف مطلوب في كل المواقف الحياتية لأسباب معروفة وموضوعية يتفق عليها معظم الناس,وهذا يعرف بالخوف الطبيعي علي الأبناء لكن زيادة هذا القدر عن الحدود الطبيعية يحول الخوف إلي مرض يصيب الوالدين,فعلي سبيل المثال من الطبيعي نخاف علي صحة أطفالنا فنغذيهم جيدا ونقوي مناعتهم ونهتم بنظافتهم.
ولكن يتحول الخوف إلي مرض إذا منعناهم من مخالطة الناس.
كذلك نخاف علي أطفالنا من حوادث الاختطاف فنأخذ احتياجاتنا ولا نتركهم بمفردهم دون متابعة. أما المصابين بالخوف المرضي فيقومون بمنع أطفالهم من الخروج تماما كي لا يتعرضوا لهذه الحوادث.
أيضا يخشي البعض -والكلام للدكتور جمال شحاتة- من إلحاق أطفالهم بدور الحضانة لقلقهم علي صحة وسلامة أطفالهم ومن نظافة الدار وكفاءة المتعاملين معهم,وإن كان السبب في ذلك يرجع لعدم وجود رقابة علي هذه الدور. لكن الحل ليس في وضعهم بالمنزل فهذا خوف مرضي والأصح هو بذل الكثير في إيجاد دار حضانة ذات مواصفات جيدة كجودة المكان والأدوات والألعاب وكفاءة المدرسين والمشرفين ونظافة المشرفات. فوجود هذه المواصفات يكفي لحماية أبنائنا ووقاية الوالدين من الخوف المرضي.
من حالات الخوف المرضي أيضا منع الطفل من التعامل مع الآخرين والتدخل السريع والمباشر في علاقاته خوفا من أن يلحق به أذي. فالأفضل وحتي يأخذ الخوف حجمه الطبيعي أن نترك الطفل يتعرض لمواقف متعددة ويواجه مشكلاته البسيطة فذلك جزء من الذكاء الاجتماعي حتي يتمكن من الثقة في ذاته والتعامل مع من حوله,وذلك بعد تحصينه بالنصائح والتحذرات اللازمة.
بعد أن اتضحت لنا الصورة وتعرفنا علي حالات الخوف الطبيعي والمرضي…فما الذي يحدد نوع الخوف لدينا؟ ولماذا يوجد لدي بعضنا الخوف الطبيعي ويشرب البعض الآخر الخوف المرضي؟ وهل يمكن أن يؤثر علي أبنائنا؟ طرحنا هذه التساؤلات أمام الدكتور ماهر الضبع أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية فقال إنه من الأفضل أن نستبدل مصطلح الخوف الزائد بالحماية الزائدة,وإذا كانت الأم تعاني من حمايتها الزائدة لأبنائها فيرجع ذلك إلي وجود اضطرابات في شخصيتها ككونها شخصية كانت مائلة إلي الاعتماد علي والدها ووالدتها ثم نقلت ذلك إلي أطفالها. فهي لا تستطيع أن تحيا دون اعتماد أطفالها عليها كليا,وإذا شعرت بعكس ذلك ستضطرب جدا.
لكن علي هذه الأم أن تعلم أنها تسئ في تعبيرها عن حبها لأبنائها وستؤثر سلبا عليهم في حمايتها الزائدة لهم. فتدخلها في حياة الطفل لتحجب عنه أي ضرر صحي أو اجتماعي أو معنوي سيشعر بأنه ضعيف جدا وعاجز عن حل مشكلاته بنفسه وسيصبح ذو شخصية مهتزة وسيري أن كل الناس سيئيين وأن الحياة مليئة بالمخاطر والصعاب. وإنه لا يمكنه مواجهة الحياة.وهنا ستؤدي الحماية الزائدة إلي تدمير حياة مستقبل طفلها.