علي مدار خمسين عاما دأبت صفحة الفنون بجريدة وطني خلال مشوارها الصحفي علي تقديم رسالتها بالكتابة والتعريف بالمتاحف سواء المحلية أو العالمية…في تحقيق يستهدف ارتقاء الذوق العام للمجتمع,بالإضافة إلي التنمية الحضارية…ولأهمية الدور الثقافي للمتاحف الفنية والقومية في مصر…حرص باب الفنون علي تعريف القراء بالكنوز الفنية والأثرية والعالمية التي تحتويها تلك المتاحف…بهدف تعليم الأجيال التذوق وقراءة العمل الفني…والمتاحف إحدي الوسائل الخدمية للتزود بالعلم والثقافة المباشرة التي يعطيها أي متحف…باعتباره ممثلا للثقافة من خلال المشاهدة…الأمر الذي يساعد علي اصطحاب أطفالنا وشبابنا لزيارة المتاحف…وذلك لأهميتها في تحريك الوجدان…وتوضيح أن المتاحف ليست مهمتها فقط الحفاظ علي الثروات الفنية,ولكن أيضا تعميق الثقافة الفنية والقومية…ففي ذلك ثراء وقيمة وعطاء ثقافي لا يضاهيه عطاء.
والمتاحف كما نعرف هي الأماكن التي تساعد المشاهد فنانا كان أو دارسا أو شخصا عاديا علي الاستمتاع بمحتوياتها الفنية ودراستها والاستفادة منها…فالمتحف يضم الأعمال الممتازة التي نحرص علي الاحتفاظ بها…لقيمتها الفنية,حيث تتوفر في العمل الفني صفة الخلود لما فيه من أصالة وصدق الفنان في التعبير عن مشاعره وأفكاره التي هي انعكاس لمجتمعه…وهذه الأعمال تكون دائما معبرة عن روح الشعب.
ورسالة المتاحف أيضا تتيح الفرصة لتحقيق الثراء الفني والمعرفة لأفراد الشعب بتأمل محتويات مصر ذات الحضارات…التي أمدت البشرية بالفكر والفن…وأضاءت بآثارها وكنوزها جميع دول العالم المتحضر الآن.
وتلك الإبداعات تمثل نموذجا للسمو الإنساني,حيث تجتذب النفوس فترفعها إلي مستوي أرقي,وذلك عن طريق اللقاء مع أصول الإبداعات الفنية…ومشاهدتها له التأثير المباشر والأعمق من رؤية أي مستنسخ لهذه الأعمال مهما بلغت دقته في الطباعة واللون…فالعمل الأصلي يفرض وجوده بما يحمل في طياته من جوهر له قدرة علي تحريك الذهن…وترك إحساس غريب في وجدان المشاهد يدفعه للتأمل وبذلك يعيش المتأمل لحظات سعيدة من خلال إبداع العباقرة.
وهذا ما يستهدفه أي متحف لتجديد نشاط الزائر جسمانيا وعقليا مع إيقاظ الرؤية الفنية عنده…واستثارة الوجدان.
من هنا اهتمت وزارة الثقافة بالمتاحف وخصصت ميزانيات وإدارات تضم عاملين وفنانين أكفاء…ليقوموا بالإشراف عليها وتطويرها وتنسيقها وتزويدها بما تحتاج إليه من ترميمات ووسائل إضاءة حديثة للمتاحف الفنية والأثرية والقومية والحربية والبحرية,لكي تتمكن من تأدية رسالتها التاريخية والفنية والثقافية والتعليمية علي أكمل وجه.
وأي متحف يعتبر مركزا وصرحا ثقافيا مهما يضم بين جوانبه إبداعات ومحتويات لابد أن تلقي استجابة من شباب مجتمعنا,وتفاعلا مع تلك الفنون والكنوز العالمية التي تساعد علي تأصيل القيم الروحية والفكرية بدلا من تبديد وقت فراغهم فيما لا ينفعهم ولا يرتقي بهم.
ومصر غنية بمتاحفها الأثرية التي تتسم بالحضارات الإنسانية…فضلا عن أنها منارات الإشعاع الثقافي والحضاري في مصر والعالم.
والمتاحف الأثرية وهي ستة متاحف…يقع أولها في ميدان التحرير ويسمي بـالمتحف المصري ويحتوي علي أهم ما تركه أجدادنا المصريون من آثار خالدة للفنون القديمة…من نحت ورسوم ملونة…وآلات موسيقية وأدوات الزينة…وفخار وغيرها من الأواني الخاصة بالعصر الفرعوني…وكل ما يتعلق بأزياء الأطفال والنساء والرجال.
ونجد أيضا وسائل المواصلات وكل مظاهر حياة الأفرد والجماعات…ورجال الدين والعلم والجيش في تماثيل ولوحات تمثل الطقوس في الولادة والختان والموت والمحاكمة…وكل معتقداتهم عن الخلود ممثلة في طريقة التحنيط وتقدم الطب والفلك والزراعة والتجارة…وأمجاد الانتصارات التي حققها الفراعنة في كل من الدولة القديمة والدولة الوسطي والدولة الحديثة…كل تلك الإنجازات نجدها سجلت علي جدران معابدهم…ويضم المتحف أيضا روائع من هذه الآثار الخالدة.
والمتحف الأثري الثاني هو المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية…ويضم عددا من الآثار المتمثلة في التماثيل الضخمة…وبعض الوجوه…كما يحتوي علي مجموعة من التماثيل الصغيرة النادرة من الفخار التي تمتاز بالجمال الرائع,حيث تتعدد أنواعها بألوانها الزاهية…وهي تزود المشاهد بفكرة كاملة عن مظاهر الحضارة الفنية والمعتقدات الدينية والجو الثقافي في الإسكندرية من خلال العصر الإغريقي الروماني…ويرجع تاريخها إلي ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي.
وثالث المتاحف الأثرية هو المتحف القبطي الذي يقع بجوار الكنيسة المعلقة بمصر القديمة…ويحتوي علي بعض من فن العمارة وطرق زخرفتها سواء بالنحت أو الرسم…كما يضم المتحف روائع من الفنون الشعبية والاجتماعية…كفن النجارة وقطع النسيج الرائعة…وبعض المشغولات الخشبية والمعدنية…وكذلك الأواني الفخارية وألوانها ورسوماتها المعروفة…كما نجد لوحات هي بداية فن الرسم الملون وفن الأيقونة وبعضا من أدوات زينة المرأة تشبه إلي حد كبير الأدوات المستعملة في الريف المصري.
والمتحف الإسلامي هو رابع المتاحف الأثرية ويقع بميدان باب الخلق…ويضم بين جوانبه روائع من الفن الإسلامي…مثل الخزف والمعادن والنسيج والسجاد محلاة بالزخارف النباتية والحيوانية والهندسية,كما نلاحظ دقة الرسومات علي الأواني الزجاجية والخزفية والمشكاة بأنواعها.
والمتحف الأثري الخامس هو متحف آثار النوبة بأسوان الذي افتتحه الرئيس محمد حسني مبارك في 23نوفمبر عام 1997…ويعتبر مركزا ثقافيا له أهمية وعنوانا مشرفا لحضارة مصر…وما قدمته من إنجازات إنسانية…ويضم المتحف بين جنباته نماذج أثرية لتطور وتعاقب الحضارات علي بلاد النوبة…بدءا من عصر ما قبل التاريخ والحضارة الفرعونية مرورا بالفن القبطي والإسلامي والتراث الشعبي والعادات التي تتميز بها بنت الشمس النوبة.
ومتحف الإسكندرية القومي هو سادس المتاحف الأثرية افتتحه رسميا الرئيس حسني مبارك في 31أغسطس عام 2003…ويضم 1800 قطعة أثرية نادرة تم اختيارها من مختلف العصور يتميز بها هذا المتحف القومي عن المتحف اليوناني الروماني الذي يحتوي علي الحقبة اليونانية الرومانية فقط.
ويوجد بالإسكندرية أيضا متحف المجوهرات والذي يضم مجوهرات أسرة محمد علي النادرة…وأيضا المتاحف التاريخية مثل متحف المنيل ومتحف محمد علي بالقلعة…ومتحف عابدين…وهذه المتاحف تضم مجوهرات ومخلفات من أثاث ولوحات وزخارف علي العمارة التاريخية في تلك الحقبة وتاريخ أسرة محمد علي الاجتماعية والاقتصادية والحربية والتجارية والفنية.
وبعد أن استعرضنا المتاحف الأثرية بالإيجاز أقدم لك المتاحف الفنية والقومية مثل متحف محمود خليل وحرمه بالجيزة ويحتوي علي روائع الفن بالقرن التاسع عشر مع مجموعة من الخزف والفخار اقتناها محمد محمود خليل ثم أهداها للدولة بعد رحيله هو وحرمه.
والمتحف المصري للفن الحديث ويقع بجوار دار الأوبرا…يضم إبداعات الفنانين المصريين لفن النحت والرسم الملون والجرافيك والخزف من جيل الرواد الأوائل حتي جيل الشباب.
وثاني المتاحف الفنية متحف محمود مختار ويحتوي علي معظم إبداعاته الفنية لفن النحت…وثالث المتاحف الفنية متحف محمد ناجي بالهرم…يضم كل متعلقات الفنان الفنية والشخصية. ورابع المتاحف الفنية متحف محمود سعيد بالإسكندرية ويضم إبداعاته الفنية مع أدواته الشخصية,كما يضم مجموعة من إبداعات الفنانين سيف وأدهم وانلي التي تظهر مدي حبهما لمدينة الإسكندرية وفن الباليه…وخامس متحف فني هو متحف سعد الخادم وعفت ناجي بالزيتون.
ومتحف الجزيرة هو سادس متحف فني ويضم بين جدرانه إبداعات لفنانين عالميين,من بينها لوحة لروبنز ورينوار وديلاكروا وكوربيه ومانيه وغيرهم من روائع الفن العالمي.
أما المتاحف القومية فتتمثل في متحف بيت الأمة ومصطفي كامل وأمير الشعراء أحمد شوقي ومتحف الحضارة المصرية والذي يفتتح قريبا…ومتحف أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرها من المتاحف الحربية والبحرية ومتحف بورسعيد القومي…ومتحف ابن لقمان بالمنصورة.
ولكي يرتوي المواطنون من الفن وكنوز مصر القديمة من الأقاليم والمحافظات…أرجو أن يتضاعف عدد متاحفنا بحيث تنتشر في كل المحافظات لكي يسعد أبناء كل محافظة بمشاهدة آثار وكنوز مصر الفنية والأثرية…ويتعمق التواصل بين الزوار والفنانين…وتنبت مواهب جديدة لتتواصل حلقات الحياة ويقام جسر بين الأجيال لتبقي شعلة الفن علي أرض مصر مضيئة ومشعة.