الأمومةلم تكن من الموضوعات الجديدة في تاريخ الفن-وخاصة في عصر النهضة الأوربية-بدءا من القرن الرابع عشر وحتي القرن السابع عشر في إيطاليا,وتميز بالتأثر بالمفاهيم الكلاسيكية التي كثر فيها تصوير الأمومة من خلال لوحات عديدة للعذراء مريم تحمل الطفل يسوع بكل حب وحنان,وبرع في تنفيذها كثير من فناني ذلك العصر مثل رافائيل ومايكل أنجلو وليوناردو دافنشي وغيرهم.
وبعد مرور سنوات للفن المعاصر,جاءت الفنانة الأمريكية ماري كاسات(1844-1926) لتعبر عن الأمومة بمنظور حديث بمجموعة من اللوحات عن العلاقة الحميمية بين الأم والطفل.
ولدت الفنانةماري كاساتعام1844 في ولاية بنسلفانيا حيث قضت هناك طفولتها,ثم ذهبت للعيش مع أمها في أوربا لمدة سبع سنوات من عام(1851-1858) درست خلالها الفن في مدن مختلفة(باريس-روما-برلين) ثم عادت إلي الولايات المتحدة لتلتحق بأكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة,ولكن مع التردد علي فرنسا لمتابعة أعمال الفنانين الكبار,ومواكبة المستجدات علي صعيد الحركة الفنية, وجاء أول نجاح باهر لها عام1868 حينما أشاد أحد النقاد الفنيين في مجلةالنيويورك تايمزبأسلوبها القوي في استخدام اللون وخاصة ألوان الباستيل الطازجة…ورغم إعجاب النقاد بفنها,إلا أنها لم تستطع أن تبيع أي من لوحاتها في بداية مشوارها الفني.
لم يثنها هذا عن مواصلة عرض لوحاتها في الصالونات الفنية بباريس فجذبت اهتمام الفنانإدجار ديجا(1834-1917) الذي دعاها للانضمام إلي الحركة الفنية التي عرفت وقتها باسمالانطباعية(وهي حركة ثورية حديثة نشأت في فرنسا في منتصف القرن التاسع عشر,تقول إن مهمة الفنان الحقيقية هي نقل انطباعات أحاسيسه وعقله إلي الجمهور,وليس تصوير الواقع الموضوعي),وهو الأسلوب الذي جذب اهتمامماري كاساتوجعلها تتمرد علي كل الأساليب السابقة حتي أنها تنبته,وأمطرت لوحاتها بضربات سريعة للفرشاة مستخدمة ألوانا مشرقة,كانت معظمها منالباستيلتأثرا براعيها في الفنديجاالذي برع في استخدام هذه الخامة,وهي أحد أصعب الخامات اللونية في الأداء الفني.
ولكونها امرأة لم تتكمن من التنقل بين المقاهي لرسم أوجه الحياة المختلفة للمجتمع كما فعل الفنانون في ذلك الوقت,اتخذت من أفراد أسرتها-الأم,الأخت, الأخ-موضوعا للوحاتها,وركزت علي إبراز دور المرأة والطفل.
وبقدر ما كانت ماري كاساتتشتاق في داخلها لمتعة الأمومة إلا أنها أصبحت فنانه ناجحة وماهرة في وقت لم يكن يسمح فيه للمرأة أن تتمتع باستقلاليتها أو نفوذها.
والمتأمل لإبداعاتماري كاساتيجد أنها تعبير عن حلم دفين بالأمومة لم يتحقق في الواقع…ومن خلال الفن تواصلت مع هذه الرغبة لتنقل مشاعرها علي سطوح لوحاتها,التي تميزت بقدرتها العالية وأحاسيسها المرهفة لالتقاط الرابطة الحميمية بين الأم والطفل بشكل غير مسبوق بكل ما فيها من عاطفة وتواصل وإحساس بالأمان والدفء…واستمرت في إبداعاتها حتي رحلت عام1926.
تركت الفنانة العديد من اللوحات التي تنبض بالحب والعطاء…وهي ليست مجرد رسوم إنما تجسيد لحقيقة الأمومة في شكلها الطبيعي والصادق.