أثارت حركة التغييرات الجديدة التي أقرها المجلس الأعلي للصحافة جدلا واسعا في الأوساط الصحفية,فيما بين مؤيد ومعارض تباينت الآراء, ومثل الجميع طالعت أسماء القيادات الجديدة فرؤساء التحرير الجدد هم: طارق أحمد حسن رئيسا لتحرير الأهرام المسائي خلفا لمرسي عطا الله,أنور محمود الهواري رئيسا لتحرير الأهرام الاقتصادي خلفا لعصام رفعت,ومحمد عصام عبدالمنعم رئيسا لتحرير الأهرام الرياضي خلفا لإبراهيم حجازي. كما شمل التغيير محمد رشاد محمد علام رئيسا لمجلة آخر ساعة بدلا من محمد الشماع, وحمدي عثمان رزق رئيسا لتحرير المصور بدلا من عبدالقادر شهيب, وعادل عبد الصمد أحمد رئيسا لتحرير مجلة الهلال خلفا لمجدي الدقاق, ومجدي السيد محمد الدقاق رئيسا لتحرير مجلة أكتوبر خلفا لإسماعيل منتصر, ومحمد عبدالنور رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير خلفا لرشاد كامل.
بمقارنة هذه الأسماء بمن كتب لهم البقاء في مواقعهم, وبمن رحلوا عن مقاعدهم وجدت أنه لا يوجد رئيس تحرير واحد مسيحي بين رؤساء تحرير الصحف القومية بعد أن جاء محمد عبدالنور رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير خلفا لرشاد كامل, إذ أن الأخير كان الوحيد المسيحي بينهم, وتساءلت في نفسي: تحت أي مسمي نضع هذا القرار,هل تحت عدم اللياقة السياسية أم التعسف وإقصاء الأقباط عن المواقع القيادية,خاصة التي تتولي تشكيل الرأي العام, أم أنه نتيجة طبيعية لسياسات تجفيف المنبع التي اتبعتها كافة أجهزة الدولة علي كل الأصعدة في عدم تمكين الأقباط من مناصب تصل بهم يوما إلي القيادة؟ ألا يوجد قبطي واحد يستحق رئاسة تحرير صحيفة أو مجلة قومية في مصر؟ يا للعجب!, فإذا صدق ذلك التخمين تكون الكارثة فلن يتحمل المجتمع منح الشرعية لسياسات التمييز السلبي ضد الأقباط من خلال تولي ذوي الأفكار السلفية الهدامة زمام الأمور, خاصة أن القرار لا يعتمد في مجمله علي من يتخذ الصيغة النهائية له بقدر ما يعتمد علي من يمدون صانعه بالمعلومات والبيانات والتقارير التي تدفعه لاتخاذ قرار بعينه, وهذا ما أقصده بزمام الأمور, وفي حالة اختيار رؤساء لتحرير الصحف القومية تأتي التقارير من جهات متعددة, ولأن المعايير غير معلنة لا يستطيع أحد الجزم بمن تلقي علي عاتقه المسئولية.
ولكن هل تقبل جموع الصحفيين المستنيرين هذا التهميش والإقصاء؟ وإذا لم يقبلوا فهل يستمع أحد إليهم؟ هل من إمكانية لتغيير واقع رفضه الجميع (مسلمون ومسيحيون) عندما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في البرنامج السياسي للجماعة استبعاد الأقباط من تولي المناصب القيادية في الدولة, ويرجع ذلك -طبقا لأفكارهم- إلي أن مصر دولة إسلامية دستورها ينص علي أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, بينما نجده جليا بلا مقدمات ولا إعلان علي مستوي الممارسات الحكومية التي لا تخجل من التغني بالوحدة الوطنية واللقاءات المفتعلة في المناسبات للطرفين ثم تهوي بصفعة علي حقوق الأقباط ما دامت الأمور تتقاطع مع الأفكار السلفية والروح المتعصبة.
لقد استمر الأقباط عقودا طويلة يؤثرون في الحياة العامة والسياسية في المجتمع المصري إلي أن تصاعدت حدة التوترات الطائفية وتدين الشارع, وارتدت العقول حجابا تعاظم سمكه حتي بات الطرفان لا يري كل منهما حقيقة الآخر فتقوقعت الغالبية العظمي من الأقباط وانعزلت. ولكن لم يحدث ذلك إلا علي مستوي العامة من الأقباط ولم ينسحب أبدا علي المستنيرين ولا المثقفين, تلك الفئة التي ينتمي إليها الصحفيون, وتزخر بهم الجرائد القومية, ولكن تحت السطح.
فإذا كان القرار يرجع إلي سياسة الإقصاء والتهميش,فهل نسي القائمون عليه أن الصحف القومية تعود ملكيتها للشعب بنص القانون, وأن الأقباط جزء أصيل من نسيج هذا الشعب حتي لو تضاءل عددهم بالنسبة للمسلمين؟ والمفترض وضعهم في الاعتبار بنسب توازي كفاءاتهم وليس عددهم, جميعها تخمينات إذ لا توجد معايير شفافة واضحة معلنة تحكم الاختيار,بل إن السرية والغموض يغلفان هذا القراركلما اتخذ سواء الآن أو في أوقات سابقة, مما يدعو المجال خصبا للتخمين بالمعايير المتبعة حال اتخاذ القرار والتي يرجح الكثيرون غياب الموضوعية عنها مادامت الشفافية قد غابت, وفي هذا الصدد اتذكر ما قاله كارم يحيي الصحفي بجريدة الأهرام ومؤلف كتاب (حرية علي الهامش في نقد الصحافة المصرية): إن المهم هو أن التغيير قد حدث, فلن نناقش أسماء من أتوا, لأنهم زملاء أعزاء نتمني لهم التوفيق في مهامهم الجسام, ولكن يجب أن نناقش أسلوب الاختيار, فالمشكلة الأكبر أننا حتي الآن لم نر صيغة الديموقراطية تعتمد علي الشفافية في اختيار المسئولية داخل هذه المؤسسات, والطريقة التي وضعت منذ عام 1960 تقوم علي السرية,وعلي أن القرار يأتي من أعلي وهذا النظام يسمح بأن يكون هناك دور كبير لقوي غير دستورية.