بحلول الذكري التاسعة علي أحداث 11سبتمبر عام 2001 تزداد الضغوط علي الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليتخذ الخطوات العملية الضرورية لمكافحة ما سماه بـالتطرف العنيف مستبدلا به تعبير الحرب علي الإرهاب الذي تبناه سلفه جورج دبليو بوش جاعلا من حرب العراق محطته الأولي للانتقام من إرهاب 9/11.
ربما الواجهة الأوضح في الخلافات الأمريكية-الأمريكية هي معركة أفغانستان التي يطلق عليها لقب حرب أوباما حيث يعتقد الرئيس الجديد أن القضاء علي وكر التطرف العنفي يجب أن ينطلق من هناك لكن معارك شبكةالقاعدة وأمثالها, وكذلك معارك قوي التطرف الأخري في المنطقة الإسلامية والعربية الساعية وراء السلطة, وأيضا معارك توسع الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط وفي آسيا الوسطي, كلها معارك تتطلب يقظة إدارة باراك أوباما لتقرر ما هي حقا استراتيجيتها المتكاملة بين الشقين: احتضان التحاور كـجزرة وحجب فكرةالعصا من تقدير معني رسائلها المائعة في نظر قوي الاعتدال, فالنافذة بدأت تنغلق في أكثر من مسألة وذلك بسبب التباطؤ هنا والتردد هناك, كما يحدث في الموضوع الفلسطيني- الإسرائيلي. وفي الخلاف بين العراق وسورية, وفي التطورات علي الساحة اللبنانية وحيث وكرالتطرف العنفي يتلاقي مع المعارك الإقليمية بالوكالة في اليمن بدور إيراني بامتياز, فحلفاء التطرف همشركاء غريبون في نفس الموقع إذا أنهم أساسا أعداء- والكلام هو عن التطرف الإسلامي العنيف والتطرف اليهودي العنيف والمتمثل ليس فقط بالمستوطين, بل بحكومة نتانياهو التي يدافع عنها التطرف المسيحي الأمريكي بدوره,الكلام عن تلاقي التطرف الإسرائيلي مع التطرف الإيراني في استخدام التطرف العربي-كل لغاياته المدروسة.إنما ما بدأ بإهارب 9سبتمبر وماهو ساري المفعول الآن يبقي الآتي:أن العرب أولا وأخيرا-وليس المسلمون بعامة-هم الذين دفعوا ويدفعون وسيدفعون الثمن الأغلي لـ9.3 ولذلك,حان للقاعدة الشعبية العربية أن تفكر مليا بما إذا كانت راغبة أن تدفع لأجيال ثمن ذلك العمل الإرهابي الذي ارتكبه رجالها ويمضي به رجال التطرف العنفي باسم الانتقام من أمريكا.أو إن كانت ستقف في وجه من يستخدمون العرب لارتهان أجيالهم المقبلة بشعارات ملفقة وهم في واقع الأمر حلفاء الأمر الواقع مع أعداء العرب. كذلك حان الوقت للقاعدة الشعبية الأمريكية لتكف عن دفن رؤوسها في الرمال متظاهرة بالعدل بينما تتحالف مع قوي التطرف الإسرائيلي التي تتبني العنف سياسة فاضحة وتنتهك القانون الدولي بانتظام.حان للرأي العام الأمريكي أن يستوعب أن إلحاق الهزيمة بالإرهاب الجهادي أو بالعنف المتطرف أو بالتطرف العنفي يتطلب الجرأة علي المعالجة الجذرية للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي علي السواء. وذلك ليس نزولا عند الحملة الإسرائيلية التي يسوقها متطرفون يهود أمريكيون وتزعم أن المشكلة ليست في الاستطيان الإسرائيلي وإنما في ما يسمونهالإرهاب الفلسطيني بل إن الحل العادل للمأساة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين يسحب البساط من تحد أقدام التطرف العنفي أو الإرهاب الذي أصاب وسيصيب أمريكا مجددا إذا بقيت مستلقية إما في جهلها أو في انحيازها الأعمي لإسرائيل, فالذكري الثامنة يجب أن تكون مناسبة لمراجعة الذات والتدقيق في الخيارات المتاحة لكبح جماح العنف والتطرف بكل أنواعه ولابد من أن تكون إدارة باراك أوباما في طليعة من يراجع النفس والسياسات كي تتمكن من القيادة الكفية داخل الولايات المتحدة ومن تشجيع الاعتدال العربي والإسلامي بكفاءة بدلا من الانصياع لقوي التطرف بلا محاسبة حرصا علي الحوار وتجنبا لأية مواجهة.
لنأخذ لبنان علي سبيل المثال حيث تمر التجربة الديموقراطية بعد الانتخابات الأخيرة بمخاض عسير لأسباب محلية وإقليمية ودولية, وحيث تتعرض قوي الاعتدال لتقويض مدروس علي أيدي قوي الممانعة وقوي التطرف بمساهمة من السياسة الأمريكية التي تفتقد الصرامة والاستمرارية وربما أيضا الكفاءة.
ويجب علي إدارة أوباما أن تدرك معني عدم الاكتراث بما حدث في لبنان عليها أن تفهم أن سياساتهم نحو كل من إيران وسورية-اللاعبين الإقليميين الأساسيين الداعمة للمعارضة-هي التي تساهم جذريا في استقواء قوي الممانعة علي قوي الاعتدال وفي ضرب الديموقراطية في لبنان وفي احتمال تحويله أكثر فأكثر ساحة لإيران وللميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية والفصائل الفلسطينية المعارضة ولقويالتطرف العنفي بمختلف أشكاله.
فغرام إدارة باراك أوباما بالتحاور وغض نظرها عن التجاوزات حماية لهذا الحوار أنما يشكلان ذخيرة لتمادي إيران وسورية في تعطيل الحكم الشرعي في لبنان عبر حلفائهما في المعارضة وشروطها التعجيزية.
وهذا ما يجب علي إدارة باراك أوباما تداركه والإسراع في تصحيحه قبل فوات الأوان. فرسائلها التوفيقية يتم استغلالها إلي أقصي الحدود فيما هي تتباطأ وكأن شراء الوقت لمصلحتها.بينما شراء الوقت يخدم فقط صفوف الممانعة والتطرف علي حساب الاعتدال الذي تزعم إدارة أوباما إنها تسانده.
ولبنان ليس المحطة الوحيدة في هذه المسيرة الخاطئة, بل أيضا العراق وفلسطين, فعندما شكا رئيس الحكومة العراقية من سورية وطالبها بتسليم بتفجيرات بغداد.جاء الموقف الأمريكي وكأنه يعطي الضوء الأخضر للتمادي السوري, إذا دعا إلي الحوار بين البلدين واكتفي في مجلس الأمن بتوزيع رسالة المالكي- بصفة الولايات المتحدة رئيسا للمجلس هذا الشهر-علي الأعضاء بتجنب تام لأي دعم للتحقيق الذي طلبه المالكي أو لإنشاء محكمة دولية تعاقب المتورطين. وحتي عندما سلمت دولة الإمارات رسالة تضمنت معلومات عن إيقافها حمولة أسلحة من كوريا الشمالية إلي إيران. تفادت السفيرة سوزان رايس وصف ذلك بأنه انتهاك لقرارات المجلس حرصا علي الحوار مع إيران والذي بدوره يهدف إلي تجنب تشديد العقوبات عليها إذا استمرت في رفض الامتثال لمطالب تجميد تخصيب اليورانيوم.
إيران تتدخل في العراق بهدف الإمعان في الهيمنة عليه. سورية تتدخل في العراق في ما يشبه توزيع أدوار بينها وبين إيران ضمن معطيات العلاقة التحالفية بينهما. كلاهما يتدخل في لبنان. وكلاهما يستغل المرونة الأمريكية ليتصلب أكثر توظيفا للنافذة المتاحة. وكلاهما مستمر في تعطيل جهود السلطة الفلسطينية باعتبارها في صفوف الاعتدال المرفوض من قوي الممانعة التي تضم ليس فقط سورية وإيران وإنما إسرائيل أيضا.
فالحكومة الإسرائيلية بدورها تستفيد من تباطؤ إدارة أوباما وترددها وأخطائها ولذلك تزداد تصلبا في مواقفها من الاستيطان وكأنها علي كامل الثقة بأنها لن تحاسب. أنها علي كامل الثقة بأن لا الإدارة الأمريكية ولا الكونجرس الأمريكية ولا الشعب الأمريكي سيتجرأ علي تحديها إلي صنع السلام ولا حتي إلي وقف الاستيطان الذي يتنافي أساسا مع القانون الدولي فقد نجحت في شراء الوقت-سبعة شهور كاملة منذ زخم الانطلاقة الجديدة للرئيس باراك أوباما- وها هي تراهن علي تدريجية سخيفة تأمل أن يسوقها دتيس روس, الذي يقال الآن إنه بات لولب السياسة الأمريكية نحو كامل منطقة الشرق الأوسط في عهد أوباما…التدريجية في تجنب قيام دولة فلسطين بجانب دولة إسرائيل.
مثل هذا التطرف في المواقف الإسرائيلية أمام إعفاء أمريكي كامل من المحاسبة سيؤجج المزيد من التطرف في الساحتين العربية والإسلامية, وهكذا نعود إلي الحلقة المفرغةأيهما أولا فيما تدفع الشعوب الأمريكية والعربية والمسلمة والإسرائيلية-ثمن شراكة التطرف العنيف الذي يمكن التعرض له لو كان هناك وعي وعزم وحرم حكومي وشعبي.
وبالتأكيد أن حل الموضوع الفلسطيني-الإسرائيلي لن يؤدي وحده إلي إنهاء الإرهاب لكنه بالتأكيد سيساهم جذريا في معالجة 50 في المائة منه بقية المعركة بحد ذاتها ضخمة وخطيرة وهي تمتد إلي السعودية واليمن بعضها توحي بهالقاعدة وأمثالها, وبعضها يأتي بإيحاء وتعليمات من إيران وبعضها تستفزه إسرائيل عملا بسياسيات مدروسة كي يبقي الإرهاب ملتصقا بالعرب فيبرر مشروعها الاستيطاني والتوسعي ولا تمانع إسرائيل في أن يتفشي الإرهاب والتطرف والعقلالجهادي والسلفية والعنف الطائفي في كامل الدول العربية, ذلك أن هذا يخدم مشاريع التقسيم والشرذمة ويمنع أي دولة عربية من القيادة علي المستوي العالمي والسعودية في طليعة القائمة لأنها في مجموعة العشرين ولأنها صاحبة المبادرة العربية للسلام ولأن هناك من يعتبر دورها رائدا في الشراكة مع الولايات المتحدة لمنع التطرف من الانتشار- أن كان تطرفا عنيفا أو دمويا أو إرهابا.
لكل هذه الأسباب يجب أن تكون الذكري التاسعة لـ 9/11 مناسبة للتدقيق الضروري في وسائل استدراك السياسات الخاطئة وللتفكير العميق في معني المضي بالأمور كما هي عليه وعواقبها وهذا ينطبق علي جميع المعنيين عربا كانوا أم أمريكيين.