** جبل سامق, ودير عريق, كلاهما يحتل مركزا رفيعا ومرتبة سامية في غرائب الطبيعة وعجائب الله. الجبل متميز بإطلالته علي السهول والوديان, والدير معلم بإشراقاته علي أبناء البر والإيمان, ولكليهما تاريخ حافل بالذكريات عامر بالبركات, بها يزهوان ويتباهيان علي سائر العوالم والأكوان.
** فالجبل أصبح صنوا لجبل التطويبات الذي صعد اليه المسيح في باكورة خدمته الخلاصية, متخذا منه منبرا مقدسا طوب من فوقه مساكين الروح وودعاء القلب بإرث الأرض ونوال الملكوت, وامتدت التطويبات إلي جبل أسيوط الذي كان صعوده اليه سابقا لجبل صهيون إذ قد جاء اليه في طفولة الجسد محمولا علي يدي العذراء, تلك المحفة الملكية الطاهرة, التي استحقت هي أيضا أن تكون صنوا لمركبة الشاروبيم الحاملة للعرش الإلهي (حز 1:5) ولهذا تنال التطويب من جيل إلي جيل هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني, لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس (لو 1:48).
** وكان مشاركا لجبال البركات التي قال فيها المرنم مثل ندي حرمون النازل علي جبل صهيون لأنه هناك أمر الرب بالبركة حياة إلي الأبد (مز 133:1). وفي فيض الحب الإلهي أراد الرب لمصر وجبل أسيوط الكائن في وسط تخومها أن يكون مشاركا في نوال البركة التي سبق وأعلن عنها النبي أشعياء مبارك شعبي مصر. وقد كان رمزا إلي الجبال التي قال عنها أشعياء النبي علي جبل عال وعلي كل أكمة مرتفعة سواقي مياه (أش 30:35). وانتقلت الصحوة الروحية التي هي المسيح إلي جبل أسيوط لتستقر هناك وتعلن عن سمو هذا الجبل ورفعته وهناك فاضت ينابيعها لتصير للمؤمنين به أنهار ماء حي (يو7:8).
** ودير العذراء الذي يتوج حضن هذا الجبل ومغارته الكائنة والتي سمت مكانته فله رؤية صائبة في عيون أولاد الله, لذلك لقبوه ببيت لحم الجديد. وبيت لحم يعني بيت الخبز وهذا ما يتفق مع تقاليدنا الموروثة عن مغارة دير العذراء التي صيرها يوسف الصديق مخزنا للحنطة لخلوه من الآفات والحشرات, ولمركزه الآمن من عبث العابثين, ولتمتعه بالأجواء المناسبة لحفظ وصيانة المحاصيل التي تجمع تحسبا لأيام المجاعة المنتظرة.
** ولم تكن مدينة بيت لحم من المدن الكبيرة في الحجم والواسعة التخوم ولكنها رفيعة المقام, قوية التأثير, فمنها أصل داود الملك فوالده يدعي يسي البيت لحمي ومنها جاء المسيح حسب الجسد, هكذا دير العذراء يبدو متواضعا بوجوده في مكان قصي بصعيد مصر ولكن تأثيره الروحي علي قلوب المؤمنين جذبهم من أقاصي الأرض وبقاعها يرجون بركات المعجزات التي تجري فيه ويتمتعون بحرارة الصلوات المرفوعة علي مذابحه, ويفرحون بالعظات التي تلقي علي منابره, ويهللون بالتجليات الروحية المستمرة والتي لا تنقطع.
وأرسل الله لهذا الدير نيافة الحبر الجليل أنبا ميخائيل مطران أسيوط الذي رفع ركام الأيام ومسح غبار الزمن فمهد الطرق وأفسح جنبات الدير ورفع قباب كنائسه وأنار منائره وأعاد للدير تاريخه الروحي والحضاري, فسارت اليه قوافل الزائرين العابدين والودعاء المصلين الشاهدين لظواهر تجلياته النورانية المصاحبة لموكب المسيح وملائكته وقديسيه فيرفعون اليه صلواتهم وتضرعاتهم, أن يحفظ للدير نيافته متمتعا بالصحة والسلام ليداوم رسالته وليبارك أعمال يديه لمدي الأجيال, آمين.