سؤال:أحسست بأن الشيطان يرواغني ويضايقني من ناحية كيفية الاستفادة من تعاليم الكتاب المقدس فحينما أبتدئ في دراسة الكتاب يضع لي فكرة جديدة لكي ما أدرس فيها وأضيع وقتا في ذلك اليوم في هذه الفكرة ثم يأتي مرة ثانية فيقول لي إن هذه الفكرة خاطئة ويعطيني فكرة أخري وهكذا يا أبي.إلي أن اشتكيت لك فأرجوك أريد أن أتذوق حلاوة العشرة مع المسيح من خلال الكتاب المقدس في أوقات فراغي؟
الجواب:
أولا ابتداء ليس كل فكر يخطر لك معناه أنه من الشيطان,كثيرا ما يتهم الشيطان ببعض الاتهامات التي قد يكون الشيطان بريئا منها,الشيطان مجرد كائن ممكن أن يتخذ نفسه صديقا للإنسان فيكلمه أو يوحي إليه كما يوحي الصديق إلي صديقه,لكن ليس معني ذلك أن كل فكر شرير يكون مصدره الشيطان.الإنسان نفسه كائن وله روح وله عقل فممكن أن الإنسان يفكر لأنه يوجد كثير من الناس يقولون الشيطان ضللني,الشيطان غواني,الشيطان كذا…وينسب إلي الشيطان وفي بعض الأحيان واحد يقول ربنا ابتلاني,ربنا…
فأمثال هذه التعبيرات فيها نوع من التنصل من المسئولية.
فأحب فقط أن أصحح هذا النوع من التفكير,لماذا لا تكون الفكرة منك أنت شخصيا,أليس أنت إنسانا مفكرا…هذه واحدة…الحاجة الثانية أن الأفكار والشكوك التي تأتيك ليست دائما من الشيطان,ممكن أن تكون أنت نفسك بسبب قلة المعرفة أو بسبب عدم الفهم,تشك أو تثير سؤالا لماذا كل شك فيك يكون من الشيطان؟ممكن الإنسان بنفسه بطبيعته أنه كائن مفكر أنه يشك وهذا حق مشروع للإنسان لكي يبحث عن الحقيقة لذلك هناك ما قاله آباء الكنيسة أن الإيمان أنواع,النوع الأول من الإيمان نسميه الإيمان(الساذج)أو البسيط,هو عادة يسمي في المصطلح العام إيمان العوام,يأخذ هذا الإيمان نتيجة ما يسمع من الناس,كلام,وقصص خصوصا قصص المعجزات وما إليها فيصدق.هذا النوع مقبول إلي حد ما ولكنه خطر,لماذا؟لأن هذا الإيمان الساذج يتعرض لشك سواء أكان من الإنسان نفسه أو من آخرين فعادة هذا النوع من الإيمان الساذج ينتهي,لأنه مبني علي غير أساس,مجرد إيمان ساذج,ولذلك نجد هؤلاء الناس عادة يكونون مثل القصبة المهزوزة كلما سمع قصة عن معجزة معينة آمن بها وتحمس لها,ممكن يسمع قصة أخري ضد الإيمان فيشك في الحقائق التي كان يؤمن بها أولا.لا يوجد عمق الإيمان,غير مبني علي أساس عميق,مجرد إيمان سطحي ساذج…هذا هو النوع الأول.
يوجد نوع آخر من الإيمان أرقي وهو ما نسميه بالإيمان المتعقل:وهو عادة يبدأ بشك الإنسان,يشك لكي يتعلم ولكي يبحث لكي يدرس ثم يتبين الحقيقة ويعتنقها ويتمسك بها.فهذا النوع من الإيمان المتفهم أعمق جذورا من الإيمان البسيط الساذج,ليس من السهل أن الإنسان يتحول عن هذا الإيمان لأنه وصل إليه بعد اقتناع,لأنه وقع في هذا الشك وأخذ يبحث حتي توصل إلي الحقيقة,هذه الحقيقة يعتز بها ويتمسك بها.علي سبيل المثال من الكتاب المقدس…شاول اضطهد المسيحية وكان يشك فيها بل كان يعتقد أنها ديانة خاطئة وأنها انحراف عن الدين الحقيقي وهو الدين اليهودي.عندما رأي المسيح وتبين من هو المسيح كان إيمانه بالمسيح وبالمسيحية إيمانا عميقا جدا وقوي لأنه جاء بعد شكوك,وأخذ يروي قصة إيمانه ثلاث مرات في سفر الأعمال في إصحاح9 وإصحاح22 وإصحاح26.كيف أنه رأي المسيح وأبصره,وكان يتكلم أمام الملك وأمام الناس ويقول إني أنا كنت أقاوم هذا الاتجاه ولكن رأيت ورأيت وتبين لي وإلي آخره…ولذلك في وقت آخر يقول:أنا عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي في ذلك اليوم.انظر كلمة أنا عالم بمن آمنت,وليس ادعاء بالعلم ولكن نتيجة أنه شك أولا ثم بعد ذلك دخل الإيمان اليقين إلي قلبه,فيقول أنا عالم بمن آمنت وموقن إنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم.فهذا هو النوع الآخر من الإيمان والذي نعتبره أرقي من الإيمان الأول إيمان العوام أو الإيمان الساذج.
النوع الثالث من الإيمان وهو أرقي الكل,الإيمان الذي يوصف في القداس الكيرلسي بأنه الإيمان الذي بلافحص.
مثل إيمان إبراهيم عندما يقول الله لإبراهيمخذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق وقدمه لي محرقة علي أحد الجبال الذي أعلمك بهحتي لم يسأله أي جبل,إلي أحد الجبال الذي أعلمك به…يقول الكتاب فخرج إبراهيم باكرا يشير إلي الطاعة بل إلي الاستعداد المطلق بلا تفاهم أو بلا جدل بلا مناقشة وبدون أن يتردد,خرج باكرا وأسرج دابته وذهب ورأي المكان من بعيد,انظر كلمة رأي من بعيد.الله كشف له,ويوجد تقليد يقول إنه جبل الموريه الذي أقيم عليه هيكل سليمان,ويسمي أيضا جبل صهيون,يوجد تقليد قديم يقول إنه رأي علامة من نور أو صليبا من نور,فعرف أن هذا هو الجبل الذي يريده الله أن يقدم عليه ابنه ذبيحة,فخرج وهو لا يعلم إلي أين يمضي مثلما قال بولس الرسول إنه عندما أمسك السكينة ليذبح ابنه اسحق,وناداه الملاك وقال لهارفع يدك ولا تلمس فتاك ولا تصنع به شرا,يقول بولس الرسول إنه قدم ابنه إسحق ذبيحة لأنه كان يؤمن بالقيامة من بين الأموات.هذه لم يقلها الكتاب في سفر التكوين لكن قالها بولس الرسول بالعبرانيين من أين جاء إبراهيم بإيمانه بالقيامة من بين الأموات,لا يوجد أي نص كتابي موجود يشير إلي الإيمان بالقيامة من بين الأموات,فالكتاب المقدس أيام إبراهيم,لم يكن كتب بعد,أول من كتب أسفار التوراة هو موسي النبي الذي جاء بعد إبراهيم بمئات السنين ولم يكن إبراهيم رأي أحدا قبل ذلك حدثت له قيامة من بين الأموات,إذن من أين جاء بهذه اليقينية,إن إسحق يقوم من بين الأموات,من أين عرف؟ثقته المطلقة وإيمانه الكامل الذي بلا فحص في أنه ما دام قال له بإسحق يدعي لك نسل.وإسحق يذبح إذن لابد أن إسحق هذا يقوم من بين الأموات,فتصور الإيمان الخصب الذي جعل إبراهيم يؤمن بحقيقة القيامة قبل أن يقرأ عنها ومن دون أن يقولها له أحد…هذا هو الإيمان الذي بلا فحص.هذه ثلاثة درجات من الإيمان:الإيمان الساذج أو البسيط وهو إيمان العوام الذي ممكن في أي وقت من الأوقات يتزحزح,ثم الإيمان المتعقل وهو أرقي,وهو الإيمان الذي يأتي نتيجة شك وبعد ذلك الإنسان يبحث إلي أن يتوصل إلي الحقيقة,والنوع الثالث بعض الناس يصلون إليه بالروحانية وبعد أن يمروا بالمرحلتين السابقتين يصلون إلي الإيمان بلا فحص.
فأنا أريد أن أقول لهذا الابن الذي كتب هذا السؤال إنك لا تنزعج عندما يكون عندك شك,لا تعتبر أن الشك جاء من الشيطان,ممكن هذا الشك يكون من الشك العملي أو الشك الذي يقود إلي الإيمان المتعقل,ابحث عن الأجابة علي هذه الأسئلة بأنك إما تقرأ كتبا تجيب علي الأسئلة الحائرة التي أنت لا تعرفها والتي صارت في نفسك وتريد لها جوابا.أو أنك علي الأقل تسأل أصحاب الاختصاص الذي يمكن أن يردوك إلي الإيمان مرة أخري,ولذلك نحن نرحب بالأسئلة ونعتبر أن هذه الأسئلة ليست تضييعا للوقت ونحن لا نرغب ضياع الوقت ولكن لكي نربح الناس.وهذا الكلام من القديم لدرجة أن في تاريخ الكنيسة أحيانا كان إنسان يسافر من بلد إلي آخر لأنه سمع عن معلم له الكفاءة وله القدرة علي أن يجيب علي أسئلته,ومن هؤلاء الناس مثلا بنتينوس ذكر أنه كان أصلا من جزيرة صقلية وأخذ يبحث حتي وصل إلي الإسكندرية وأيضا العلامة أكليمنضس في هذا الوقت أخذ يبحث حتي وجد الإجابة لأسئلته عند بنتينوس وهكذا بالنسبة لأوريجينوس وبالنسبة لكثيرين عبر العصور في التاريخ,كان هناك من الباحثين وراء المعرفة هؤلاء لا يقرأون الكتب فقط,بل أيضا إذا لم يجدوا في الكتب ما يريحهم أو مايجيب علي أسئلتهم فكان إذا سمع عن معلم كبير مشهور,كان يكلف نفسه مع ما يتحمله من مشكلات تتصل بصعوبات السفر في الأيام القديمة,فمع ذلك كان الإنسان يركب الصعب في سبيل أن يصل إلي هذا المعلم ليسأله عن أسئلته,يوجد عشرات من الأمثلة في التاريخ عن أشخاص تركوا أماكنهم وأخذوا يتنقلون كالنحلة من مكان إلي مكان حتي يجدوا الإنسان الذي يقدر أن يجاوبهم علي أسئلتهم.
فلا تغضب من الشكوك ولا تعتبر كل الشكوك من الشيطان,ممكن إذن أن هذه الشكوك تكون عبارة عن نفسك الحائرة تطلب إجابة علي أسئلة.لا تغضب من هذا وإنما عليك أن ترحب بهذه الأسئلة ثم تبحث لتجد الجواب عنها إما في الكتب أو بمقابلتك لأشخاص يمكنهم أن يعرفوا كيف يجيبون علي أسئلتك.