حظي خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه يوم الخميس الماضي في جامعة القاهرة باهتمام بالغ في وسائل الإعلام الغربية حيث أفردت مساحات واسعة لتحليل الخطاب, وأشادت وسائل الإعلام بمحتوي الخطاب الذي تناول قضايا متعددة تحدد علاقة الولايات المتحدة بدول المنطقة وشعوبها, كما حملت التغطية الإعلامية كذلك بعض التحفظات.
كتبت صحيفة ##نيويورك تايمز## الأمريكية أن رسالة أوباما كانت قوية وشاملة وفي بعض الأحيان كانت لاذعة وهجومية, فدعت إلي نشر الديموقراطية في مصر واحترام حقوق المرأة وحذرت الإسرائيليين من بناء مستوطنات جديدة وأقرت بأن الولايات المتحدة لم تلتزم بمبادئها المثالية خاصة في الحرب علي العراق.
وأشادت الصحيفة باللهجة الجديدة في خطاب أوباما ودعوته إلي فتح عهد جديد مع العالم الإسلامي. وقالت إن أوباما لم يكشف عن الكثير من التفاصيل حول كيفية حل المشاكل والنزاعات المتعددة في العالم, إلا أنه قدم سيرته الذاتية للمستمعين لتكون صلة وصل موثوقة. وأضافت أن رسالته تطرقت لي العديد من التحديات, إلا أنها خلصت إلي ما يلي: باراك حسين أوباما يقف علي هذا المنبر بوصفه رئيسا أمريكيا##.
وأوضحت نيويورك تايمز أنه في الوقت الذي تحدث فيه أوباما بدون هوادة عن مواجهة واشنطن لتنظيم القاعدة , لم يذكر أوباما أبدا كلمة ##إرهاب## أو ##إرهابي##. وكان ذلك خروجا عن اللغة المستخدمة من قبل إدارة بوش , ويرجع ذلك لاقتراح بعض خبراء الشرق الأوسط بضرورة عدم الإفراط في استخدام الكلمات التحريضية من جانب الإدارة الجديدة.
لغة التوازنات
ورصدت وسائل الإعلام علي اختلافها لغة التوازنات المحسوبة التي تضمنتها كل مقاطع الخطاب, وعلق علي ذلك الصحفي الشهير روبرت فيسك مراسل جريدة ##إندبندنت## البريطانية في منطقة الشرق الأوسط قائلا:##هو واعظ , مؤرخ , اقتصادي , داعم للأخلاقيات , معلم, ناقد , محارب , إمام , إمبراطور … أحيانا تنسي أن باراك أوباما هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية##.
وتساءل فيسك هل ستساهم محاضرة أوباما, التي ألقيت في جامعة القاهرة أمام جمهور تم اختياره بعناية, في ##إعادة تخيل العالم## , وتضميد جراح قرون من الزمن بين المسلمين والمسيحيين؟ وهل سيكون هناك حل الصراع العربي الإسرائيلي بعد مأساة أكثر من 60 عاما؟ إذا كانت الكلمات تستطيع القيام بهذه المهمة فربما, وواصل فيسك قائلا: ##كان خطابا ذكيا ذلك الذي سمعناه من أوباما, لطيف وأكثر شراسة من أي رغبة للجمهور .. وكنا جميعا جمهوره فهو يشيد بالإسلام ويحب المسيحية ومعجب بالولايات المتحدة الأمريكية .. يرفض نفي وقائع المحرقة اليهودية ويعتبر ذلك لا أساس ويعبر عن جهل وبغض البعض, يري أن إسرائيل تستحق الأمن,وفي الوقت ذاته عليها أن توقف بناء المستوطنات ويري أيضا أن الفلسطينيين يستحقون وطنا مستقلا يعيشون فيه بعد أعوام طويلة من المعاناة## .
أشار الكاتب في مقاله بجريدة ##إندبندنت## إلي أن خطاب أوباما تناول قضايا أخري كالديموقراطية , وحقوق المرأة , والاقتصاد, واقتبس قوله بإنه يجب علي الحكومات أن تحترم حقوق كل الناس وحقوق الأقليات. وذكر خاصة المسيحيين الأقباط في مصر, والمسيحيين الموارنة في لبنان.
أضاف روبرت فيسك أنه عندما قال أوباما ##إن بعض الحكومات حينما تصل إلي السلطة, تقمع حقوق الآخرين بلا رحمة ##, كان هناك هدير التصفيق من جمهور يفترض فيه الطاعة!! وأوضح الكاتب قائلا إنه لا عجب إذا أرادت الحكومة المصرية اختيار أجزاء من خطاب أوباما لتكون مناسبة للشعب المصري.. الذي يبدو واضحا أنه غير راض عن نظام مبارك حاليا ولفت النظر إلي أن أوباما لم يذكر مرة واحدة اسم الرئيس مبارك خلال الخطاب## .
اختلاف عن الإدارة السابقة
من جانبها, ذكرت صحيفة ##وول ستريت جورنال## الأمريكية أن ##الخطاب .. احتوي اختلافات واضحة في الأسلوب عن الإدارة الأمريكية السابقة وقالت إن الرئيس أوباما سعي إلي إيجاد صلة ما بين قتال العالم الإسلامي ضد المتطرفين والمعركة التي تقودها الولايات المتحدة ضد القاعدة, كما حاول تصوير القاعدة علي انها عدو مشترك للولايات المتحدة والدول الإسلامية.
أضافت الصحيفة أن أوباما كرر دعوته لوجود دولة فلسطينية مستقلة أكثر من مرة خلال الخطاب, وكذلك رفضه لاستمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية, وهي السياسة التي وضعت أوباما في صراع مباشر مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو, كما شددت الصحيفة علي طلب أوباما بضرورة أن تعترف حماس بإسرائيل والاتفاقيات الدولية وتقوم بنبذ العنف.
وذكرت ##وول ستريت جورنال## أن خطاب أوباما تمت صياغته بواسطة ##بن رودس## _ كاتب خطابات البيت الأبيض والمتخصص في الشئون الخارجية _ كما تمت استشارة العديد من الخبراء في الشئون الإسلامية المنطقة خلال إعداد الخطاب, وأشارت إلي أن أوباما نفسه أعاد صياغة بعض الأجزاء في الخطاب الذي جاء ليثير ذكريات خطابه السابق العام الماضي, أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية, حول التعايش بين الأعراق .
الحريات
في الوقت ذاته نقلت الصحيفة مخاوف نشطاء الديموقراطية في الشرق الأوسط من خطاب أوباما فيما يتعلق بالترويج للديموقراطية بشكل يختلف عن سياسة بوش التي سعت لفرض الديموقراطية بالقوة في المنطقة, وأعرب هؤلاء النشطاء عن مخاوفهم من أن تؤدي سياسة أوباما الجديدة إلي التوافق مع القادة العرب الديكتاتوريين في الشرق الأوسط علي غرار الرئيس السوري بشار الأسد.
بينما ذكرت صحيفة ##واشنطن بوست ## الأمريكية أن الرئيس أوباما الذي أمضي ساعات طويلة خلال الأسبوع الماضي لمراجعة خطاب القاهرة, يؤمن بوضوح بقوة بلاغته الخطابية لكسب الناس إلي وجهة نظره. ومن نواح كثيرة جاء خطابه لتعزيز القيم الأمريكية , ولكن الجهود التي يبذلها من أجل استخدام لغة جديدة قد دفع النقاش والذعر في بعض الأوساط.
وذكرت الجريدة أن أوباما تجنب شكاوي محددة تجاه عدم وجود الحريات في العالم الإسلامي. وبدلا من ذلك , تحدث عن ضرورة الحصول علي أهداف سياسية محددة , مثل إقامة العدل. ولم يشر إلي أنظمة الحكم الاستبدادية في المنطقة, كما رأي أن هناك تطابقا بين اليهودي والفلسطيني في المعاناة , في إشارة الي الإذلال اليومي الذي يتعرض له الفلسطينيون مع الاحتلال, وهو الأمر الذي رفضه العديد من الإسرائيليين فيما أيده الفلسطينيون واعتبروه بمثابة لهجة جديدة من رئيس أكبر دولة في العالم.
أما صحيفة ##الجارديان## البريطانية فذكرت أن أوباما قام برسم صورة إيجابية للدين الإسلامي والثقافة والحضارة الإسلامية, وبدأ خطابه بالتحية العربية المعروفة ##السلام عليكم##, بشكل أحدث دويا من الهتاف والتصفيق من قبل الحاضرين في القاعة, مؤكدا أن أمريكا لم تكن أبدا في حالة حرب مع الإسلام.
وأوضحت الجريدة أن أوباما شدد علي أن إيمان أكثر من مليار شخص هو أكبر بكثير من الضيق والكراهية الموجودة عند القليلين, وقال إن الإسلام ليس جزءا من المشكلة في مكافحة التطرف والعنف لكنه جزء مهم لتعزيز السلام.