خطب الرئيس الأمريكي ##باراك أوباما## للمرة الثانية أمام الكونجرس بمجلسيه ـ مجلس النواب والشيوخ ـ يوم الأربعاء 2009/9/9 خلافا للعادة, حيث يخطب الرؤساء الأمريكيون أمام الكونجرس بمجلسيه, إما بعد أداء القسم عند بدء الولاية الرئاسية أو عند إلقاء خطابهم السنوي. وعادة ما يخطب الرؤساء الأمريكيون أمام الكونجرس في حالات طارئة مثلما فعل الرئيس السابق جورج دبليو بوش بعد هجمات 11 من سبتمبر. ولكن خطاب أوباما يوم الأربعاء لم يكن لحالة طارئة, وإنما لرغبة في التحدث والهجوم علي معارضيه من المشرعين بالكونجرس لخطته لإصلاح النظام الصحي, وإلي الشعب الأمريكي الذي يعارض تلك الخطة وسياساته في هذا الصدد; ولذا استحوذت قضية الرعاية الصحية وإصلاح النظام الصحي علي كل الخطاب في غياب التطرق إلي قضايا داخلية وخارجية لا تقل أهمية عن الرعاية الصحية.
وملف الرعاية الصحية علي قمة سلم أولويات الرئيس الأمريكي منذ حملته الرئاسية, فخلال حملته الرئاسية وعد أوباما بمد مظلة الرعاية الصحية لتشمل كل مواطني الولايات المتحدة تقريبا. وأخذت قضية الرعاية الصحية منحي تصاعديا بعد الهجوم الديموقراطي والجمهوري بل والشعبي لخطة أوباما لإصلاح النظام الصحي, ولعدم تمكن ##أوباما## من إقناع الكونجرس المنقسم لإقرار خطته قبل العطلة الصيفية للمشرعين الأمريكيين.
ويري كثيرون أن نجاح أو فشل ##أوباما## في تمرير خطته للرعاية الصحية والتي تعد اختباره الأول مع الكونجرس الأمريكي ستؤثر علي مدي نجاحه أو إخفاقه في الملفات الأخري الداخلية والخارجية التي تتصدر أجندته مثل قوانين البيئة والمناخ والاحتباس الحراري, وتلك المتعلقة بالسياسة الأمريكية في أفغانستان وإيران. ناهيك عن تأثيرها علي الأغلبية الديمقراطية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس العام القادم .
خطاب يسبقه انحدار في شعبية أوباما
يأتي خطاب أوباما أمام الكونجرس بمجلسيه مع بداية انعقاده بعد عطلته الصيفية في وقت تنحدر شعبية الرئيس الأمريكي لدي الرأي العام الأمريكي منذ توليه منصبه الرئاسي. وفي وقت يشن الجمهوريون هجوما شرسا عليه لخطته للرعاية الصحية, وانقسام الديموقراطيون حول تلك الخطة ونوعية الإصلاحات والسياسات التي يجب إقرارها في قضية الرعاية الصحية. ومواجهته انتقادات شديدة تتعلق بالطريقة التي يريد بها إحياء الذكري السنوية لهجمات 11 من سبتمبر .2001
تظهر نتائج استطلاع لوكالة الأسوشيتد برس Associated Press-GfK قبل إلقاء أوباما خطابه أمام الكونجرس الأمريكي ارتفاع نسبة معارضة الرأي العام الأمريكي لتعامل أوباما مع قضية الرعاية الصحية لتصل إلي 52% مقارنة 43% في استطلاع للوكالة في شهر يوليو الماضي. كما أظهرت نتائج الاستطلاع أيضا, ارتفاع نسبة معارضة الرأي العام الأمريكي لطريقة أداء أوباما لمهام منصبه الرئاسي فنسبة 49% من الأمريكيين يعارضون الطريقة التي يقوم بها أوباما بعمله السياسي كرئيس للبلاد, بينما كانت هذه النسبة بحدود 42% خلال شهر يوليو الماضي. ويعارض 49% خطة إصلاح الرعاية الصحية التي يناقشها الكونجرس مقابل 34% يؤيدونها.
ويظهر الاستطلاع رغبة الرأي العام الأمريكي في ضرورة توافر اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي حول قضية الرعاية الصحية, فيدعو ثمانية من كل عشرة إلي ضرورة أن تلقي الخطة التي سيمررها الكونجرس موافقة الحزبين الكبيرين, الديموقراطي والجمهوري. بينما ثلثا المستطلعين يدعمون محاولات أوباما والديمقراطيين لكسب تأييد الجمهوريين, في حين تعارض القلة قيادة الديمقراطيين لخطة الرعاية الصحية بالكونجرس الأمريكي.
لهجة حادة ضد منتقديه
في خطابه استخدم ##أوباما## لهجة حادة في الرد علي منتقديه من الديموقراطيين والجمهوريين بدون أن يسميهم, لانتقاداتهم لخطته الصحية, وسياساتهم لتخويف الأمريكيين من خطته وسياساته في مجال الرعاية الصحية, متوجها إلي منتقديه من الجمهوريين والديموقراطيين بمجلسي الكونجرس بأن ##وقت الألاعيب قد انتهي وجاء موسم العمل##. داعيا إلي إنهاء الجدل الجاري حول إصلاح النظام الصحي, فقال: ##إن وقت المشاحنات انتهي, وحان الوقت لمساعدة ملايين المسجلين لدي شركات تأمين وملايين الذين لا يتمتعون بأي ضمان صحي##.
وقال أوباما: إنه ليس أول رئيس يتناول هذه القضية, ولكنه مصمم علي أن يكون الأخير. مشيرا إلي محاولات رؤساء أمريكيين, ديموقراطيين أو جمهوريين, والكونجرس إلي إصلاح الرعاية الصحية بكل بطريقته ومنهجه. واستشهد في خطابه برسالة للسيناتور ##إدوارد كنيدي Edward M. Kennedy##, كتبها في السادس والعشرين من مايو الماضي قبل وفاته, والتي كتب فيها أن الرعاية الصحية قبل كل شيء ##قضية أخلاقية## وهي ليست مجرد تفاصيل سياسية ولكن مبادئ أساسية للعدالة الإجتماعية, ودعم ##أوباما## حديثه بطرح عدد من الأمثلة لحالات ماتت لسوء نظام الرعاية الصحية الحالي, ناهيك عمن لا يتمتعون بالرعاية الصحية والذين يقدرون بالملايين, وأولئك الذي يفقدونها لأجواء متعددة.
وذكر في خطابه ما سيحدث إذا لم يتم تحقيق إنجاز في قضية الرعاية الصحية قائلا: ##سيرتفع عجزنا وستعاني مزيد من العائلات من الإفلاس, وستغلق مزيد من الأعمال وسيخسر عديد من الأمريكيين التغطية الصحية عندما يمرضون ويكونون بحاجة ماسة لها, بالتالي سيموت كثيرون##, وأردف أنه لا يمكن الركون إلي الفشل لأن الأمريكيين الذي يعانون في صمت يراهنون علي خطته لإصلاح الرعاية الصحية.
وفي كلمة للرئيس في البيت الأبيض أمام عضوات من الجمعية الأمريكية للممرضات American Nurses Association بعد 14 ساعة من خطابه بالكونجرس الأمريكي قال الرئيس إن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلي انقسام وتشتت حزبي, ذلك في إشارة إلي اعتراضات الجمهوريين علي مشروع القانون. وأردف ##إننا نتحدث عن القضية (الرعاية الصحية) إلي الموت….ووقت الحديث أوشك علي الانتهاء##.
وأضاف ##أوباما## في كلمته إلي أن عدد الأشخاص غير المؤمن عليهم صحيا في الولايات المتحدة ارتفع في العام الماضي إلي 46.3 مليون شخص بالمقارنة مع 45.7 مليون في عام .2007 مشيرا إلي أن ستة ملايين أمريكي فقدوا التأمين الصحي خلال الـ12 شهرا الماضية بسبب التباطؤ الاقتصادي. ويقول أوباما: إن خطته للرعاية الصحية ستتيح لمن لديهم تأمين صحي مزيدا من الأمن, وإنشاء سوق للوصول إلي تغطية معقولة للذين لا يملكون تأمينا صحيا, وخفض تكاليف الرعاية الصحية للجميع.
معارضة جمهورية لخطاب أوباما
في انتهاك غير معهود لبروتوكول الكونجرس الأمريكي قاطع النائب الجمهوري جو ويلسون Joe Wilson عن ولاية ساوث كارولينا South Carolina حديث ##أوباما## قائلا: ##أنت كاذب##, وذلك عندما قال أوباما: إن المهاجرين غير الشرعيين لن يستفيدوا من خطته للرعاية الصحية.
وقد أثار تصرف ويلسون Wilson غضب عديد من الديموقراطيين والجمهوريين. وعن هذا التصرف يقول السيناتور الجمهوري والمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية نوفمبر 2008 ##جون ماكين##: إن تصرف ويسلون يفتقر إلي الاحترام, وطالبه بالاعتذار للرئيس الأمريكي. ومن الجانب الديموقراطي قال السناتور الديموقراطي البارز في مجلس الشيوخ ##ديك ديربين## من الينوي:## إن تصرف ويلسون كان فجا وغير محترم##. وبالفعل قدم ويلسون اعتذاره للرئيس والذي أعلن ##أوباما## قبوله الاعتذار.
وأثار خطاب باراك أوباما بالكونجرس الأمريكي عن قضية الرعاية الصحية هواجس الديموقراطيين والجمهوريين علي حد سواء. فالجمهوريون تنتابهم هواجس من ارتفاع تكلفة خطة أوباما لإصلاح الرعاية الصحية, فيرون أن مشروع القانون المقدم للكونجرس سيزيد من عجز الموازنة نظرا لتكلفته المرتفعة التي ستصل إلي نحو 900 مليار دولار علي مدار عشر سنوات, ويضاف إلي هذا الهاجس المخاوف من أن تشمل خطة الرعاية الصحية المهاجرين غير الشرعيين, وأن يكون للحكومة ولاية كبيرة علي المستهلكين. هذا في حين ينتاب الديموقراطيين الليبراليين مخاوف من أن الرئيس لا يدفع بقوة لنظام عام يساعد علي تغطية غير المؤمن عليهم وتخفيف قبضة شركات التأمين التي ستحقق مكاسب ضخمة من نظام الرعاية الصحية الذي يطرحه أوباما.
وقد رصد ميك سوننوكس Mike Sunnucks في تقرير له بصحيفة Phoenix Business Journal. لتلك المخاوف والهواجس. فمن جانبه يري السيناتور الجمهوري عن أريزونا جون ماكين John McCain أن خطة أوباما تدفع إلي أن يكون هناك نظام قومي للرعاية الصحية يدار ببيروقراطية حكومية ضخمة. وقد أرسل ##ماكين## إلي مؤيديه بريدا إلكترونيا يدعوهم إلي معارضة نظام الرعاية الصحية الذي يطرحه ##أوباما##.
وينتاب المحافظين هاجس من أن مشروع القانون النهائي لن يضمن بصورة كافية عدم استفادة المهاجرين غير الشرعيين من نظام الرعاية الصحية. وما يزيد من هواجسهم أن خطط أوباما لإصلاح الرعاية الصحية تقترن بمساعيه لإصلاح نظام الهجرة والتي من شأنها إعطاء الشرعية القانونية إلي ما بين 11 مليونا إلي 12 مليون مهاجر غير شرعي, والذين سيتمتعون في تلك الحالة من إصلاحات نظام الرعاية الصحية.
وبعد يوم من إلقاء الخطاب يشير ميك سوننوكس Mike Sunnucks إلي أن مكتب الإحصاء الأمريكي U.S. Census Bureau أشار إلي أن هناك 46.3مليون شخص في الولايات المتحدة بدون رعاية صحية. هذا الرقم يشمل9.5مليون شخص ليسوا من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية فكثير منهم من المهاجرين غير الشرعيين. و7.3مليون طفل بعضهم مولودون في الولايات المتحدة لمهاجرين غير شرعيين.
ويضيف النائب الجمهوري من ولاية أريزونا جون شاديج John Shadegg أن خطة أوباما تعمل لصالح شركات التأمين من خلال دعمه لولاية التغطية والتي من شأنها أن تجبر المستهلكين لشراء التأمين الصحي إما من الحكومة الفيدرالية أو من القطاع الخاص.
ختاما, لن يكون خطاب ##أوباما## أمام الكونجرس بمجلسيه والذي سيطرت عليه قضية الرعاية الصحية آخر محاولة للرئيس الأمريكي للتواصل مع منتقديه من المشرعين الأمريكيين والرأي العام الأمريكي, فبعد ساعات من الخطاب كان لقاء لأوباما مع الجمعية الأمريكية للممرضات والذي ركز فيه علي أهمية إصلاح النظام الصحي. وخلال الأسابيع القادمة تحمل أجندة أوباما زيارات إلي عدد من الولايات واجتماعات لحشد الرأي العام وأعضاء من الحزبين الكبريين, الديمقراطي والجمهوري, لخطته لتمريرها في الكونجرس خلال الأشهر القادمة.
تقرير واشنطن