تبدو لنا بعض الأشياء بعد انتهاء صلاحيتها مخلفات بلا قيمة في حين إنها ثروات مهدرة قد ينتفع بها الإنسان والمجتمع إذا ما أعيد تدويرها وتصنيعها من جديد.فاليوم أصبحت الصناعة تتربع علي رأس قائمة التنمية المستدامة إذ أن التحدي الأكبر هو القدرة علي ترشيد استهلاك المواد الخام ومن خلال إعادة تدوير ما ينتج عن التصنيع من مخلفات لتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية من ناحية والإبقاء علي الثروات الطبيعية وضمان بقائها علي نحو قابل للاستمرار من ناحية أخري من هنا جاءت فكرة مشروع استخدام مخلفات الحديد والصلب خبث الحديدفي عمليات إنشاء الطرق بعد تراكم كمياته عاما بعد عام ليصبح عبئا بيئيا.
للوقوف علي طبيعة المشروع كان هذا التحقيق…
يقول دكتور هاني بركات-رئيس قطاع التنمية التكنولوجية بوزارة التجارة والصناعة أن المشكلة الأساسية التي تواجه معظم مصانع الحديد والصلب هي تراكم كميات الخبث بصورة كبيرة بمصانعها ,تقدر الكمية بحوالي 5 ملايين طن-بلا فائدة-ومن المتوقع زيادة تلك الكميات المتراكمة نتيجة لزيادة إنتاج الصلب بحوالي 20.5 مليون طن سنويا مما يشغل حيزا كبيرا من الأرض إضافة إلي تكاليف أعباء التخلص منه.لهذا نفذت وزارة التجارة والصناعة برنامجها لتشجيع وتطبيق آليات الإنتاج الأنظف داخل القطاعات الصناعية المختلفة وإعادة تدويرها والاستفادة منها في إنتاج منتجات جديدة صديقة للبيئة ذات قيمة اقتصادية عالية.
ضمن هذا البرنامج كان مشروع إستخدام خبث الحديد في عمليات إنشاء الطرق من خلال مركز تكنولوجيا الإنتاج الأنظف التابع للوزارة بالتعاون مع الهيئة العامة للطرق والكباري-باعتبارها الجهة المختصة بتحديد مواصفات المواد المستخدمة في إنشاء الطرق-تم تنفيذ مشروع تجريبي بالطريق الدائري بالقرب من قرية بهتيم محافظة القليوبية منذ ما يقرب من عام باستخدام الخبث الحديدي بدلا من المواد الطبيعية,وها هو يتمتع الطريق التجريبي بجودة ومتانة ومواصفات عالية.الخطو في هذا المشروع بعد إجراء الدراسات والأبحاث .
تجربة عالمية
أشار د. بركات إلي أن تطبيق المشروع بمصر جاء بعد تطبيقه علي نطاق واسع بأمريكا وروسيا ودول مختلفة بالعالم وإنشاء شركات متخصصة لإنتاج درجات للخبث بأمريكا مثل شركة Volcano Materialsوالتي قامت ببيع 19 مليون طن من الخبث في عام .2008هذا إلي جانب ما أقرته الجمعية الأمريكية-للطرق السريعة والنقل من سلامة استخدام خبث الحديد في عمليات إنشاء الطرق بعد إجراء تقييم للمخاطر الصحية والأيكولوجية له.
أضاف د. بركات بأن هذا المشروع لم يكن الطريق الأوحد للتخلص من كميات الخبث,وإنما هناك تجارب أخري أثبتت نجاحها منها ما قام به مركز تكنولوجيا الإنتاج الأنظف بالتعاون مع الخبرات الأجنبية لإعادة تدوير 2.5 مليون طن من مخلفات مصانع الحديد والصلب سنويا لتحويلها لمواد تستخدم في صناعة الطوب بدلا من المواد الطبيعية وهو ما وفر حوالي 100 مليون جنيه لمصانع الحديد والصلب هي تكلفة التخلص من تلك المخلفات والتي كانت تشكل مشكلة بيئية واقتصادية للمصانع.
كما أن الوزارة علي استعداد لتنفيذ مشروعات قومية بالتعاون مع الجهات المعنية لتعميم مثل هذه التجارب واستخدام المخلفات الصناعيةكخبث الحديد,غبار الأسمنت وغيرهالاستخدامها في عمليات إنتاجية أخري.
والخبراء أيضا.
وعن رأي خبراء البيئة والاقتصاد في المشروع التجريبي أوضح الدكتور سيد صبري-خبير تنمية نظيفة بوزارة البيئة – أن الوزارة تعمل علي تنفيذ البرامج التي من شأنها تدعيم الموقف البيئي لدي الصناعية المصرية ورفع كفاءة العاملين بها من خلال إرساء مبدأ الإنتاج الأنظف وعليه تقوم بتنفيذ مشروع التحكم في التلوث الصناعي والممول من الجهات الأجنبية كالبنك الدولي وبنك الاستثمار الأوربي والحكومة الفنلندية وبنك اليابان للتعاون الدولي وكذلك وكالة التنمية الفرنسية باستثمارات بلغت مليار جنيه.
ويشير د. خيري قائلا:لابد من اختبار مدي جدوي المشروع بيئيا في عملية إنشاء الطرق من حيث مقاومته للاحتكاك وعدم تناثر جزئيات الخبث في الجو مرة أخري نتيجة لاحتكاك المركبات مع الطرق وعدم تأثره بالعوامل الجوية كالمساهمة في رفع درجات حرارة المنطقة المنفذ بها المشروع وغيرها من الآثار الجانبية التي قد تحدث مع طول عمر الطريق.
125 مليونا..عائدا اقتصاديا سنويا
يتفق في الرأي د. محمود حسين-الخبير الاقتصادي والذي يقول:لابد من التأكد من سلامة النواحي الفنية في تنفيذ المشروع لخدمة البيئة حتي يعود بالنفع علي الاقتصاد المصري فنجاحه بالخارج لايعني بالضرورة نجاحه بمصر,فالظروف المحيطة بكل دولة تختلف,والدليل علي ذلك هو تنفيذ مشروع تجريبي واحد للوقوف علي مدي جدواه من عدمه في ظل عدم وجود دراسة علمية توضح الجدوي الاقتصادية جراء تنفيذه وما نتمناه أن يثبت المشروع نجاحه لكونه سيساهم في تقليل أعباء التخلص الآمن من مخلفات الخبث والتي تقدر بحوالي 100 مليون جنيه كما أن المردود الاقتصادي ماديله قيمته 125 مليون جنيه سنويا نتيجة لبيع القيمة الكلية للخبث بقيمة25 مليون جنيه مع توفير ثمن المدافن الخاصة للتخلص من تلك الكميات المتراكمة وهو ما يحقق العائد المادي لخدمة البيئة والاقتصاد المصري معا باعتبارهما وجهين لعملة واحدة.
99% من شوارعنا..أسفلت مرن.
أما عن سلامة المشروع من الناحية الفنية ومدي ملاءمة استخدام خبث الحديد في رصف الطرق التقينا بالمهندس إبراهيم متولي مهندس طرق بهيئة الطرق والكباري فأوضح قائلا:الخبث عبارة عن مادة تنتج من عملية إنتاج الصلب بالأفران الكهربائية علي هيئة مصهور من الحجر الجيري المحتوي علي خليط من المعادن المنفصلة من خردة الحديد مثل الحديد والزنك والماغنسيوم والكالسيوم ومجموعة أخري من أكاسيد المعادن ويشكل 10% إلي12% من الكمية الكلية للحديد المنتج ولهذا جاء الانتفاع من كمياته في العمليات الصناعية ولاسيما في مجال إنشاء التطرق وذلك لعدة أسباب أولها زيادة مقاومة التغير حيث يظهر خبث الحديد مقاومة عالية للعوامل الجوية والتفكك والتحلل أيضا قوة انضغاط الخبث,وانخفاض محتوي فراغاته مما يؤدي إلي ارتفاع كثافته إلي302 جرام لكل سنتيمتر-مكعب علاوة علي مقاومته للاحتكاك لصلابتها العالية.فضلا عن إنخفاض تكلفة الإنشاء لإستخدام نسبة أقل من البيوتومينفي الخلطة الأسفلتية المنفذة باستخدام الخبث
علي الرغم من الفوائد السابق ذكرها في استخدام الخبث في عمليات إنشاء الطرق ألقي المهندس متولي الضوء علي أنها غير ملائمة لتطبيقها بكافة طرق الجمهورية لكون استخدام الخبث يعطي صلابة للطريق المنفذ وهو ما يعد مناسبا للطرق السريعة أو طرق الأحمال الثقيلة أما الشوارع الجانبية وتحديدا بالقاهرة فنسبة 99% منها أسفلت مرن يصعب بطبيعتها استخدام مثل هذه التقنية.
أكد م. متولي قائلا:علي أي حال هناك معاهد بحثية تنظر في إمكانية خلط نسب معينة منه سواء مع البودرة الجيرية أو الأسمنتية, فلكل طبقة الحدود المسموح بها,فالطبقة السطحية تختلف عن الطبقة الأسفلتية هذا إلي جانب الصعوبات التي تعوق تنفيذ المشروع منها تواجد الخبث في أماكن بعيدة عن المناطق المزمع إنشاء الطرق بها, مع صعوبة نقله وارتفاع التكلفة, أيضا عدم توافر الخبث علي صورة تدرجات تناسب إنشاء الطرق,وانخفاض وعي مقاولي الطرق بإمكانية استخدام الخبث في إنشاء الطرق.فضلا عن عدم وجود دراسة علمية توضح مدي ملاءمة المعدات الحالية للتعامل مع خبث الحديد في عملية إنشاء الطرق.
وأخيرا هل ستثبت الأيام المقبلة نجاح المشروع التجريبي لتعميمه علي نطاق أوسع ليهود بالنفع علي بيئتنا واقتصادنا القومي هذا ما ننتظره.