تعكف المؤسسة التشريعية حاليا علي الإنتهاء من إعداد قانون مكافحة الإرهاب,وسط حالة مزدوجة من التفاؤل الحذر والتشاؤم المطلق يبدو عليها الرأي العام في مصر,كما يطرح الحقوقيون علامات استفهام كثيرة عن الفلسفة وطبيعة الصياغة في القانون المزمع صدوره,ومدي تشابهه أو إختلافه مع قانون الطوارئ المزمع إلغاؤه,وعما إذا كانت هذه الصياغة تضمن عدم انتهاك الحقوق والحريات الأساسية للأفراد,فضلا عن ضمانات تطبيق القانون في شقيه-من الموضوعي والإجرائي-من تطبيقا عادلا,في ضوء تعريفات واضحة ومحددة بصدد جرائم الإرهاب.
بديهي أن تشريع قانون وطني لمكافحة الإرهاب هو أمر يقتضي بالضرورة تحقيق أمرين,أولهما:ضمان أمن الوطن والمواطن,وثانيهما:عدم المساس بالحريات الأساسية,وهي معادلة شديدة الصعوبة إذ أن غالبية التشريعات المقارنة في أغني ديموقراطيات العالم قد فشلت وبو نسبيا-في تحقيق وزن هذه المعادلة هذا الفشل يرجع لإعتبارات عدة يأتي في مقدمتها تغليب الهاجس الأمني علي الهاجس الحقوقي,مما يجعل من الأخير مجرد طرح يعوزه إقرار المؤسسة الأمنية,وتتمخض عملية التشريع بالتالي عن مجموعة من القواعد القانونية,سيئة السمعة.
ننظر أيضا في مسألة مهمة تتعلق بالجانب النظري والموضوعي فثمة جدل حول طبيعة القانونية الجديد وفلسفته,وعما إذا كان سيعد من القوانين الإستثنائية,علي اعتبار أن قانون العقوبات هو التقنين الأصيل في مصر بشأن تحديد مراتب الجريمة والعقوبات المقررة عليها.وأن القول بوجود قانون يحكم جريمة محدودة-وهي جريمة الإرهاب-يؤدي إلي التسليم بخروج هذا الأخير عن الأصل العام,حتي ولو نص الدستور ذاته علي هذا الخروج إذ طالما أن هناك استثناء من الأصل,فهذا معناه-ببداهة-تعطيل القاعدة العامة وعدم شمولها لحكم ما برغم صلاحيتها-نظريا -لشموله.
الدكتور مفيد شهاب,وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية,أسهب-من جهته-في شرح مبررات القانون الجديد في أكثر من مناسبة لعل أخرها تلك الندوة التي عقدت قبيل نهاية العام الماضي بكلية الحقوق -جامعة الإسكندرية-بناءا علي دعوة عميد الكلية,الدكتور أسامة الفولي,ولأن الوزير يتمتع هناك بشعبية جارفة,فقد بذل جهدا وفيرا في الترويج للقانون المزمع صدوره,والتأكيد علي عدة نقاط مهمة من شأنها إزالة هذا الإلتباس الذي استشري في عقول الكثيرين بصدد فحوي هذا القانون,كما أطال الحديث في النقطة الأهم:البعد الأمني في صياغة قانون الإرهاب مقارنة بالبعد الحقوقي.وفي هذا السياق وحده أطرح بعض الملاحظات:
أولا:منطقي أن يتم استبعاد ما جاءت به التشريعات المقارنة في صدد مكافحة الإرهاب لما تضمنته من أحكام مخالفة بعض الشئ لسياسية التشريع والعقاب في مصر فضلا عن مبالغتها في وضع القيود علي الحريات المدنية منطقية هذا الاتجاه ترجع بالأساس إلي الغاية التي يتوخاها المشرع من قانون مكافحة الإرهاب.والتي تتجاوز محاربة الإرهاب إلي محاولة وضع حد قانوني لحالة الطوارئ التي أطيل أمد العمل بها بتبريرات,هي في واقع الأمر منطقية.ولكنها ربما لم تعد صالحة الآن خاصة في ظل ظهور جريمة الإرهاب بمظاهر محددة نسبيا تستدعي تخصيص النص القانوني وتأصيله بعيدا عن البعد العام المجرد لقانون الطوارئ.وبهذا التسليم يصبح ضمان أمن الوطن من جهة الصياغة التشريعية مرتهنا بالقدرة علي تحديد مصادر التهديد تحديدا دقيقا.
ثانيا:هذا التحديد الدقيق لمصادرالتهديد أمن المجتمع يقتضي من جانب الشارع وضع تعريفات وتوصيفات دقيقة ومحددة لمفهوم الإرهاب تجنبا للتفسيرات التقديرية التي يلجأ إليها قضاء الحكم بسبب عيوب أو نقص التشريع,أو شموله علي تعبيرات فضفاضة يصح تأويلها من عدة زوايا والأوصاف والتعريفات الدقيقة تعتبر-من جهة أخري-مناطا للتفرقة الموضوعية بين قانون مكافحة الإرهاب وقانون الطوارئ .طالما أن أحد الأهداف الرئيسية لإقرار الأول هو إلغاء العمل نهائيا بالثاني.هذه التفرقة سوف تظهر بجلاء-وبخلاف الموضوع-في الجانب الإجرائي.
ثالثا:في خصوص الجانب الإجرائي للقانون الجديد,وهو الجانب الذي يثير مسألة الأبعاد الأمنية عند الصياغة,فالأمر متوقف علي الصياغة الموضوعية ودقة التوصيف,وعما إذا كانت القاعدة العامة التي وردت في المادة86من قانون العقوبات ستعد رافدا أساسيا في بلورة الجانب الموضوعي لقانون مكافحة الإرهاب,حتي مع الوضع في الاعتبار ما لجريمة الإرهاب من طبيعة وخطورة بحيث يستلزم الأمر أن تنفرد بأحكام خاصة من حيث تعقب الجناة وأسلوب محاكمتهم,بل والأهم دور رجال السلطة العامة وكذلك الضبط القضائي,منذ بدأ الإجراءات الأولي ومرورا بالتحقيقات الأولية حتي دخول الموضوع في حوزة ممثلوا النائب العام.
رابعا:هذا السياق متصل بمطلب رئيسي متمثل في تحديد آلية واضحة لرقابة القضاء علي سير الإجراءات خلال المرحلة الأولي التي يظل الموضوع فيها تحت يد السلطة العامة…ودعم هذه الآلية بأحكام خاصة كتلك الأحكام التي سوف تمنح رجال السلطة العامة والضبطة القضائية نسبة أوسع من الصلاحيات-إستثناءا من الأصل العام في التشريع العقابي-الإجرائي,وبالتالي فإن المطلوب هو إحداث نوع من التوازن بين تقرير الإستثناء والرقابة علي تنفيذه.
خامسا:هذا التوازن وحده هو الذي من شأنه تبديد المخاوف والإجابة علي التساؤلات الجائرة.وتبرير الخروج عن القواعد العامة طالما تشأت الضرورة الملحة.كما أن هذا التوازن مطلوب في حالة ما إذا كانت هناك إسادة في إستعمال القانون,أو في حالة إنتهاء الإجراءات ثم يسفر ذلك عن انتفاء الجريمة حيث تثور مسألة حق المتهم في إبداء التظلم من الإجراءات-وفي ظل الطوارئ لا يحق للمتهم إبداء التظلم إلا بعد فوات شهر علي قرار الاعتقال-فضلا عن أن هذا التوازن من شأنه أن يكشف عن انعقاد الاختصاص القضائي بعد انتهاء الإجراءات في ظل الرقابة القضائية,إذ من المنطقي أن يمثل المتهم بعدها أمام قاضيه الطبيعي كما يجدر له أن تتم محاكمته علي درجتين.